بدأ اليوم الخميس، العمل بتسعيرة الدولار الجمركي الجديدة في لبنان التي حُدِّدت بـ15 ألف ليرة لبنانية بدلاً من 1507 ليرات في مستجدٍّ على الساحة المحلية ينظر اليه اللبنانيون بقلقٍ كبيرٍ لانعكاساته ارتفاعاً على أسعار البضائع والسلع المستوردة ما يزيد من تدمير قدرتهم الشرائية.
ودخل قرار وزارة المال التي اختارت شهر الأعياد لتبدأ به حيّز التنفيذ اليوم في حين لم تصدر الوزارات المعنية حتى الآن اللوائح الرسمية التفصيلية للسلع المعفاة من الرسوم الجمركية، ما قد ينعكس فوضى في التسعير وزيادات عشوائية يتخوّف منها المواطنون الفاقدون للثقة بالمراجع الرقابية وجدّيتها في وضع حدّ لجشع التجار الذين يستغلون كل ثغرة أو تقصير لزيادة أرباحهم والذين سعى الكثير منهم قبل أشهرٍ وبمجرد بدء الحديث عن تغيير للدولار الجمركي إلى تخزين البضائع والسلع الاستهلاكية لبيعها وفق التسعيرة الجديدة.
أكثر السلع التي ستتأثر بالرسوم الجمركية الجديدة ستكون السيارات، الهواتف الخلوية، الأدوات والمعدات الكهربائية، قطع غيار السيارات
واكتفت المراجع المعنية التي وعدت بإصدار لوائح تفصيلية بالسلع المعفاة ليكون الرأي العام والمستهلك اللبناني على بيّنة منها، ولقطع الطريق على التجار المستغلّين، بالتأكيد أن التدبير الجديد لن يطاول المواد الأولوية لزوم الصناعة، والسلع الغذائية التي لا بديل منها في لبنان على رأسها السكر والأرز، والحبوب وغير ذلك، لتبرير أن القرار لن يؤثر على معيشة الناس، علماً أن خبراء اقتصاد يؤكدون أن كافة السلع سترتفع اضعافاً للتكاليف المرتبطة بتلك المعفية والتي هي مشمولة بالرسوم أي لزوم التغليف والنقل وما إلى هنالك.
ويلفت هؤلاء الخبراء إلى أن أكثر السلع التي ستتأثر بالرسوم الجمركية الجديدة ستكون السيارات، الهواتف الخلوية، الأدوات والمعدات الكهربائية، قطع غيار السيارات، وغيرها من البضائع المستوردة التي ستصبح محصورة بطبقات اجتماعية محددة لن تقوى العائلات الأكثر فقراً أو حتى المتوسطة من الوصول اليها، والتي سيكون لها تأثير على السلع والخدمات والقطاعات المرتبطة بها.
في المقابل، يقول عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات جورج البراكس لـ"العربي الجديد"، إن "الدولار الجمركي حتى الآن لن يطاول المحروقات والبنزين بالدرجة الأولى باعتبار أن المازوت معفيّ من الرسوم الجمركية، لكنه لا يستبعد أن يلحقه في مرحلة لاحقة".
ويشرح البراكس: "الرسوم الجمركية على البنزين ثابتة وتحتسب على أساس الكمية المشتراة ليس تبعاً لقيمة فاتورة الاستيراد، لذلك نرى أن الالية المعتمدة بتحديد 253 ألف ليرة على الألف ليتر بنزين لا تزال هي نفسها ولم تتغيّر منذ أن كان الدولار 1500 ليرة ورغم تجاوزه عتبة الـ40 ألف ليرة لبنانية".
ويلفت إلى أن "البنزين لن يتأثر بالدولار الجمركي الجديد طالما أن الآلية لم يشملها أي تعديل في احتساب الرسوم الجمركية، وهذا يستوجب قرارا من المجلس الأعلى للجمارك".
عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات جورج البراكس لـ"العربي الجديد"" "الدولار الجمركي حتى الآن لن يطاول المحروقات والبنزين بالدرجة الأولى
من جهته، يقول نائب رئيس جمعية الصناعيين في لبنان، زياد بكداش، لـ"العربي الجديد"، إن "كل القرارات تصدر بصورة عشوائية سواء عن وزارة المال أو الجمارك أو أي مصدر حكومي ورسمي، وحتى الساعة لا لوائح مفصّلة بالسلع المعفاة، علماً أن هناك بعض اللوائح الموجودة، وأخرى الآن يُعمَل عليها بينما كان يفترض إنجازها منذ أقله سنة".
ويضيف بكداش: "نحن كصناعيين من مصلحتنا أن يكون هناك دولار جمركي، ولكن ضمن شروط أساسية، إذ إنه حتى الآن هناك بين 15 و20% من المواد الأولية مشمولة بالرسوم الجمركية، بينما نرفع الصوت منذ زمن لإعفائها، باعتبارها أولية للصناعة، ووعدنا المعنيون بالعمل عليها ضمن اللوائح وهذا أيضاً تأخر إتمامه".
ويتابع أن "المطلوب كذلك، عدم شمول المواد الغذائية والطبية التي لا تصنّع في لبنان بالدولار الجمركي رأفة بالمواطن، فصحيح أن مدخول الدولة يهمّنا ولكن مصلحة المواطن في ظل غياب البدائل والخدمات تتقدم بهذا المجال".
ويتوقف بكداش أيضاً عند فرض دولار جمركي جديد في ظل عدم وجود خطة مواصلات في لبنان، والذي يطاول بالنسب نفسها جميع أنواع السيارات، مشيراً إلى أن "الموظف أو المواطن ذا الدخل المحدود غير مؤمّن له وسيلة تنقل بديلة عامة".
ويرى بكداش أن المشكلة اليوم تكمن في عدم وجود أي خلية أزمة طوارئ اقتصادية وكل القوانين والمراسيم تصدر بصورة عشوائية.
ويلفت في هذا المجال إلى أن الدولة التي تفرض دولارا جمركيا جديدا هي حتى الساعة غير قادرة على وقف التهريب عبر المعابر الحدودية والمرافئ الشرعية قبل تلك غير الشرعية، وبالتالي، تعمد اليوم إلى تكبير الاقتصاد غير الشرعي على حساب الشرعي، لافتاً إلى أن أكثر من 50% من البضائع تدخل لبنان إما بفواتير مخفّضة أو يتم التلاعب بها وعدم اخضاعها للرسم الجمركي، ما يجعل المضاربة بين التجار والصناعيين غير شريفة، ويحرم الدولة من المداخيل.
وزارة الصناعة اللبنانية أكدت أن "الاجراء لن يطاول الآلات الصناعية والمواد الأولية المستوردة لزوم الصناعة والتصنيع في البلاد
وفي بيان أصدرته اليوم الخميس، أكدت وزارة الصناعة اللبنانية أن "الاجراء لن يطاول الآلات الصناعية والمواد الأولية المستوردة لزوم الصناعة والتصنيع في لبنان، وبالتالي، لن تتأثر كلفة المنتج الصناعي الوطني بالتدبير الجمركي الجديد، وسوف يحافظ على سعره المعتاد المعمول به كما كان سابقاً على أساس الدولار بـ1500 ليرة لبنانية".
وشددت على ضرورة "التزام الصناعيين والتجار والمورّدين عدم تغيير الأسعار تحت ذرائع واهية"، محذرة "كلّ من يستغلّ ويتلاعب ويزوّر الأسعار لتحقيق أرباح من غير وجه حقّ وعلى حساب المواطن المكتوي اصلاً بنيران الغلاء".
وناشدت الوزارة المواطنين والمستهلكين إبلاغ الوزارة بالمخالفات التي يتعرّضون لها ويواجهونها تمهيداً لاتخاذ الإجراءات القانونية والإدارية بحق المخالفين والمستغلّين.
في السياق، أكد مصدرٌ مسؤولٌ في وزارة الاقتصاد اللبنانية لـ"العربي الجديد" أن "الوزارة وبمؤازرة أجهزة أمن الدولة تقوم بجولات على المتاجر ومحال السوبرماركت والمستودعات للتأكد من عدم تخزين البضائع، واستكمال بيع السلع التي تم شراؤها وفق سعر 1500 ليرة ملوحين باتخاذ تدابير قضائية بحق المخالفين".
وأشار إلى أن "الوزارة تقوم بكل ما أمكن للوقوف بوجه التجار ومنعهم من تحقيق أرباح على حساب معاناة الناس، والمخالفات قد تحدث، فالإمكانات محدودة، والعناصر البشرية الموجودة لا يمكنها تغطية كل لبنان، من هنا أهمية دور المواطن بالتبليغ عن أي محل أو سوبرماركت يتلاعب بالأسعار".
وجالت أمس الأربعاء دوريات من مصلحة الاقتصاد والتجارة على عددٍ من المتاجر والمحال في مناطق لبنانية عدة قبل بدء تطبيق الدولار الجمركي للتأكد من عدم تخزين البضائع، وحركة الأسعار صعوداً وقمع المخالفات والحدّ من ارتفاع الأسعار.
وتم بحسب بيان صادر عن وزارة الاقتصاد تسطير تعهدات بعدم رفع أسعار السلع الخاضعة للدولار الجمركي إلا بعد نفاد الكميات المستوردة مسبقاً، على أن يتم التسعير على أساس الدولار الجمركي 15 ألف ليرة للسلع المستوردة حصراً بعد اعتماد الدولار الجمركي الجديد.
وبينما يسجل لبنان وفق تقارير البنك الدولي أعلى مستويات للتضخم في أسعار السلع الاستهلاكية والمواد الغذائية، اختارت وزارة المال شهر الأعياد لتبدأ به حقبة الـ15 ألف ليرة قبل أن يتبناه أيضاً مصرف لبنان مطلع فبراير/شباط المقبل، كسعر صرف رسمي يضاف إليه سعر منصته "صيرفة".
ولا تترافق هذه "التغييرات التاريخية" مع أي إصلاحات تقوم بها الدولة اللبنانية للتخفيف من مخاطرها على المواطنين والعائلات الأكثر فقراً، وتأتي أيضاً على وقع موازنة عام 2022 المطعون بها لمخالفاتها الدستورية وخلوّها من أي عدالة ضريبية أو حماية اجتماعية.
وفي 23 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلن وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل، أن وزارة المالية وجهت كتاباً إلى مصرف لبنان يتعلق بالبدء باحتساب أسعار العملات الأجنبية على الضرائب والرسوم التي تستوفيها إدارة الجمارك على السلع والبضائع المستوردة على أساس 15 ألف ليرة للدولار الواحد وذلك اعتباراً من مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري.
وأشار إلى أن "هذا التدبير يساعد في الحدّ من فروقات الأسعار وكذلك تخفيف التشوهات والخسائر التي تتكبّدها الخزينة".