على خلاف ما روّج له النظام المصري بأنّ المؤتمر الاقتصادي، المقرر عقده على مدار ثلاثة أيام في فندق "الماسة" التابع للجيش بالعاصمة الإدارية الجديدة، اعتباراً من غد الأحد، سيشهد حضور المئات من خبراء الاقتصاد من جميع التيارات السياسية والفكرية؛ فإنّ دعوات حضور المؤتمر الصادرة عن مؤسسة الرئاسة اقتصرت على رؤساء الأحزاب والجامعات والأكاديميين ورجال الأعمال المؤيدين لسياسات الرئيس عبد الفتاح السيسي الاقتصادية.
ولم يُعلن أي من خبراء الاقتصاد المحسوبين على تيار المعارضة، ممثلاً في أحزاب الحركة المدنية الديمقراطية، عن تلقيهم دعوات لحضور المؤتمر الاقتصادي حتى الآن، في حين قالت مصادر حزبية مطلعة لـ"العربي الجديد"، اليوم السبت، إنّ الهدف الرئيس من المؤتمر هو الترويج لـ"الإنجازات الاقتصادية المزعومة للسيسي"، من دون السماح للمدعوين بالحديث عن رؤى أو سياسات اقتصادية بديلة للحالية.
وأضافت المصادر أنّ "جميع جلسات ومحاور المؤتمر الاقتصادي معدة سلفاً، ولن يُسمح بإبداء الآراء المعارضة لسياسات النظام في ملفات مهمة مثل تفاقم الدين، أو السياسة النقدية، أو أولويات الإنفاق العام"، مستدركة بالقول إنه "من الوارد دعوة بعض المحسوبين على تيار المعارضة في اللحظات الأخيرة، مع التنبيه عليهم بعدم الحديث عن ملفات بعينها خلال فعاليات المؤتمر، وإبداء آرائهم فقط في الملفات المطروحة عليهم".
ودعا السيسي الحكومة، في سبتمبر/ أيلول الماضي، إلى عقد مؤتمر اقتصادي، مع تصاعد الأزمة المالية في بلاده، من جراء زيادة الطلب على الدولار، والضغوط على العملة المحلية، وما صاحب ذلك من اتخاذ إجراءات عاجلة، مثل الإسراع في بيع أصول عامة بقيمة 6 مليارات دولار كمرحلة أولى، والمضي قدماً في مفاوضات الحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي.
من جهته، قال المتحدث باسم مجلس الوزراء المصري، نادر سعد، إنّ انعقاد المؤتمر "جاء بتكليف من رئيس الجمهورية لمناقشة أوضاع الاقتصاد المصري، ومستقبله، وسط مشاركة واسعة من كبار الاقتصاديين والمفكرين والخبراء المتخصصين".
محاور المؤتمر
وأضاف، في تصريحات نشرتها الصفحة الرسمية للمجلس على "فيسبوك"، اليوم السبت، أنّ اليوم الأول من المؤتمر سيشهد عقد جلسات عدة لتناول الموضوعات المرتبطة بالسياسات الاقتصادية، والمجالات المتعلقة بها، وفي مقدمتها رؤى وأفـكار الاقتصاديين حول ماهية السياسات الاقتصادية الكلية المطلوبة من واقع أفضل الممارسات الدولية، والأولويات الوطنية الحالية في ضوء "رؤية مصر 2030".
وتابع أنّ اليوم الأول من المؤتمر سيشهد مناقشة عدد من المحاور المتمثلة في الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي تواجه الاقتصاد العالمي، وانعكاساتها الدولية والمحلية، وتطور معدلات نمو الاقتصاد المصري خلال العقود الماضية، إضافة إلى التغير فـي الهيكل الاقتصادي، ومصادر النمو على مدار العقـود الثلاثة الماضية، والحاجة إلى الوصول إلى هيكل اقتصادي يحقق النمو الاحتوائي والمستدام.
كما يناقش تطور معدلات التشغيل، ودور المشروعات والمبادرات التنموية لزيادة معدلات التشغيل، وتوفير فرص العمل اللائق والمنتج، وبخاصة لجموع الشباب والإناث، فضلاً عن تطور مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد، وأهمية النهوض بدوره.
وأكمل سعد أنّ المؤتمر سيتناول كذلك أثر الاستثمارات العامة في تحسين المناخ الاستثماري، وجودة الحياة للمواطنين، إضافة إلى الوقوف على الأبعاد المختلفة لمشكلة التضخم العالمية، وانعكاساتها على دول العالم، والتعرف على أبرز الجهود والسياسات المبذولة من قِبل صانعي السياسات النقدية لكبح جماح التضخم، والحد من ارتفاع الأسعار.
وعن فعاليات اليوم الثاني للمؤتمر، قال سعد إنها ستتطرق إلى الملامح العامة لوثيقة سياسة ملكية الدولة، والمبادئ الحاكمة لحضور الدولة في النشاط الاقتصادي، والسياسات والتدابير التي تتبناها الحكومة المصرية لتعزيز الحياد التنافسي، إضافة إلى استراتيجية جهاز حماية المنافسة، ومنع الممارسات الاحتكارية، والبيئة التشريعية المواتية للنشاط الاقتصادي، وفرص وآفاق الشراكة مع مؤسسات التمويل الدولية والإقليمية لتمكين وتحفيز دور القطاع الخاص في جهود التنمية، والآليات المناسبة لتمويل المشروعات المتضمنة في خطة وبرنامج عمل الحكومة.
استعراض الإصلاحات
وزاد قائلاً إنّ المؤتمر سيشهد استعراضاً للإصلاحات الاقتصادية التي من شأنها تحفيز استثمارات القطاع الخاص الأجنبي والمحلي، والدور المحوري للشراكات الدولية في دعم هذه الإصلاحات، وسبل صياغة خارطة طريق مستقبلية للقطاعات ذات الأولوية في برنامج عمل الحكومة للفترة المقبلة، والسياسات المطلوبة لتحقيق المستهدفات القومية في عدد من القطاعات ذات الأولوية بالنسبة للاقتصاد المصري، وطبيعة الإجراءات المطلوبة لتجاوز التحديات القائمة التي تواجهها.
ومن المقرر أن يتطرق المؤتمر إلى دور مصر الإقليمي كمركز للطاقة المتجددة، واستراتيجية قطاع الطاقة حتى عام 2035، والإمكانات المتاحة من الطاقة الجديدة في البلاد، ومشروعات الاستثمار الأجنبي المباشر الحالية والمستقبلية، والتصور العام لممر الطاقة الأخضر، ومبادرة استبدال الطاقة المتجددة بمحطات الطاقة الحرارية غير الفعالة، ومشروعات الهيدروجين الأخضر.
ووفق سعد، سيجري تناول استراتيجية وزارة الكهرباء المصرية للربط الكهربائي مع دول الجوار، وتدعيم الشبكة القومية لنقل الكهرباء لدمج الطاقة المنتجة من مشروعات الطاقة المتجددة، وتعزيز شبكة الجهد الفائق، وتطوير منظومة التحكم في الشبكة القومية، ودعم التصنيع المحلي لمهمات مشروعات الكهرباء والطاقة المتجددة وشبكات نقل وتوزيع الكهرباء.
وسيبحث المؤتمر أيضاً الفرص الاستثمارية في المشروعات المشتركة بين جهات الدولة، وملف السيارات الكهربائية، وتحويل المخلفات إلى طاقة، وتحلية المياه من خلال الطاقة المتجددة، علاوة على جهود الدولة في تعظيم سبل الاستفادة من الثروة العقارية، ووضع خارطة طريق متكاملة لتطوير كفاءة القطاع العقاري، وتعزيز قدرته التنافسية في الاقتصاد.
قضايا مختلفة
وفي اليوم الثالث للمؤتمر، سيجري استعراض دور الدولة المصرية في زيادة الإنتاج الزراعي، وإجراءات التعامل مع التحديات التي تواجه قطاع الزراعة، والإجراءات الاستباقية للحد من مخاطر الأزمات التي تواجه ملف الأمن الغذائي، وتعظيم الإنتاج الزراعي، وتعزيز مستويات الاكتفاء الذاتي.
وقال سعد إن المؤتمر سيتطرق إلى نمو صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات عالية التقنية ذات القيمة المضافة، واقتراح الحلول اللازمة لمضاعفة حجم هذه الصناعة بصورة مطردة حتى تكون قاطرة للنمو الاقتصادي والتنمية المستدامة.
وسيناقش المؤتمر دور "صندوق مصر السيادي"، وفرص مشاركته مع القطاع الخاص في ضوء خطة الدولة العاجلة لتمكين القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، ومساهمة الصندوق في تنفيذ وثيقة سياسة ملكية الدولة، وطرح الأصول المملوكة للدولة أمام القطاع الخاص، من أجل رفع نسبة مشاركة القطاع إلى نسبة 65%، من إجمالي الاستثمارات المنفذة في السنوات الثلاث المقبلة.
وسيناقش المؤتمر الاقتصادي الخطة الاستراتيجية لوزارة الصحة والسكان خلال الأعوام العشرة المقبلة، وما بعدها، ووضع خطة تسويقية للفرص الاستثمارية المتاحة في قطاع الصحة، والخريطة الصحية للبلاد، إلى جانب مناقشة نظام التأمين الصحي الشامل، وتحليل الفجوات الموجودة في الوضع الصحي الحالي، من حيث العرض والطلب. وفي الوقت نفسه، تقديم فرص استثمارية للقطاع الخاص لتغطية تلك الفجوات، من خلال تحديد الخدمة الصحية المطلوبة، وتقديم حوافز استثمارية لتلبيتها.
وأخيراً، يناقش المؤتمر آليات تعزيز دور القطاع المالي غير المصرفي، ووضع الأسواق المالية في ظل التغيرات العالمية، والبورصة المصرية ودورها "التاريخي" لتمكين القطاع الخاص، وزيادة دوره في عملية التنمية، والوضع التنافسي لها، وجاذبية أسعار الأسهم المقيدة، ومعايير الحوكمة والاستدامة للحكم على كفاءة أسواق المال، إضافة إلى الجهود الحكومية لتنشيط وتحفيز سوق الأوراق المالية المصرية.
تسعى مصر إلى جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، في وقت تتفاوض فيه مع صندوق النقد، وتجد صعوبة في توفير العملة الصعبة لاستيراد الأغذية ومستلزمات الإنتاج
وتسعى مصر إلى جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، في وقت تتفاوض فيه مع صندوق النقد، وتجد صعوبة في توفير العملة الصعبة لاستيراد الأغذية ومستلزمات الإنتاج، مع خروج نحو 22 مليار دولار من سوق الديون المحلية، منذ مارس/ آذار الماضي، وارتفاع معدلات التضخم، التي بلغت على أساس سنوي، 15.3%، في أغسطس/ آب الماضي.
وأدت أزمات جائحة كورونا، والموجة التضخمية العالمية، والحرب الروسية على أوكرانيا، إلى زيادة وتيرة الاقتراض الخارجي، وهو ما دفع الحكومة إلى طرح فكرة بيع أصول الدولة على الدائنين، لا سيما مع ارتفاع الدين الخارجي للبلاد إلى 157.8 مليار دولار، في نهاية مارس/ آذار الماضي، من 145.529 مليار دولار بنهاية ديسمبر/ كانون الأول 2021، وبنسبة ارتفاع بلغت نحو 8.5% تقريباً خلال ثلاثة أشهر.