تعوّل تركيا على التطورات الأخيرة في البحر الأحمر لتحديث اتفاقية "الاتحاد الجمركي" وزيادة التبادل التجاري مع الاتحاد الأوروبي، الذي اقترب من 200 مليار دولار، وصولاً لاتفاقية الانضمام إلى الاتحاد، رغم المعيقات وزيادة المطالب والشروط التي تفرضها بروكسل على أنقرة.
وبرى مراقبون أن أزمة التجارة وارتفاع تكاليف التصدير عبر البحر الأحمر جاءت لتضيف عامل تقارب جديدا بين الاتحاد الأوروبي وتركيا عبر بوابة الاقتصاد.
ويشن الحوثيون هجمات على السفن الإسرائيلية أو المتجهة لإسرائيل، تضامنا مع الفلسطينيين في قطاع غزة الذين يتعرضون منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي 2023 لحرب إسرائيلية مدمرة على غزة خلّفت عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا في البنية التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة، وفقا لسلطات القطاع والأمم المتحدة.
وقال وزير التجارة التركي عمر بولات إن دول الاتحاد الأوروبي بدأت باستيراد السلع والمنتجات من تركيا عقب تفاقم أزمة النقل البحري في البحر الأحمر، على خلفية استهداف الحوثيين للسفن التجارية.
وأوضح بولات، في تصريح للصحافيين، أمس الاثنين، أن "الموقع الجغرافي لتركيا جيد للغاية، إلى درجة أن أوروبا بدأت تفضل الاستيراد منها في مواجهة الخسائر في الخدمات اللوجستية والإمدادات". وأضاف: "يمكننا بسهولة إيصال البضائع التركية عالية الجودة إلى الأسواق الأوروبية في غضون يومين، بفضل قوتنا اللوجستية وقربنا من دول القارة الأوروبية".
تزايد الدور التركي
من جانبه، يرى المحلل التركي سمير صالحة أن التجارة العالمية تضررت بعد الحرب الإسرائيلية على غزة والأزمة الحاصلة بالبحر الأحمر، والتي رفعت أجور الشحن البحري بأكثر من 173%، منذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي حتى اليوم، الأمر الذي زاد أهمية دور تركيا نظراً لموقعها التجاري، سواء لمنطقة الشرق الأوسط أو حتى لأوروبا.
وحول ما يقال عن تسهيل تركيا وصول السلع والمنتجات إلى إسرائيل، ينفي المحلل التركي ما يقال عن زيادة التبادل مع إسرائيل بعد الحرب، بل إنه برأيه تراجع إلى أكثر من النصف، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن "السلع التركية التي تدخل إلى فلسطين تصل للشعب الفلسطيني أيضاً، والذين يفوق عددهم عدد الإسرائيليين".
وأضاف صالحة في حديث لـ"العربي الجديد"، أن العلاقات التجارية لتركيا مع دول الاتحاد الأوروبي الـ27 في تنام مستمر، ولا تزال دول أوروبا، التي تشكل أكبر منظمة اقتصادية و6% من عدد سكان العالم، هي الشريك التجاري الأول لتركيا بحجم تبادل يزيد عن 200 مليار دولار.
ويلفت المحلل التركي إلى أن "بعض الدول الأوروبية لا تزال تخشى قوة اقتصاد تركيا، فتزيد معوقات الانضمام إلى الاتحاد، وتتلكأ في تحديث الاتفاقات أو إزالة كامل الرسوم".
ودلل صالحة على ذلك باتفاقية الاتحاد الجمركي التي دخلت حيز التنفيذ عام 1996 بعدما أسست اتفاقية أنقرة عام 1963 للتعامل بيت تركيا والمجموعة الاقتصادية الأوروبية، و"لكن دولا أوروبية لا تزال تعيق تحديث اتفاق الاتحاد الجمركي الذي يعاني من مشاكل بنيوية بعد تطور هيكلية التجارة، إن بين الطرفين أو حتى الدولية. كما لا تزال الخدمات الزراعية والمشتريات العامة خارج نطاق الاتحاد الجمركي، كما أن تركيا ليست عضوا في اتفاقيات التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي والدول الأخرى".
ويرى مراقبون أن استمرار مشاكل سلاسل النقل، والبحري منه خاصة، سيزيد أهمية عامل الجغرافيا والحدود البرية بين الدول الأوروبية وتركيا، ويرفع دور أنقرة كوسيط تجاري جغرافي ويرتفع حجم التبادل.
وبلغت حصة الاتحاد الأوروبي من صادرات تركيا البالغة 254 مليار دولار عام 2022 نحو 40.6% بقيمة زادت عن 103 مليارات دولار من أصل قيمة تبادل زادت عن 194 مليار دولار.
وتأمل تركيا في زيادة حجم التبادل التجاري الحالي مع دول الاتحاد الأوروبي عبر تحديث اتفاق الاتحاد الجمركي وتضمين المنتجات الزراعية والخدمية والصناعية وقطاع المشتريات العامة فيه، كما أن تحديث الاتفاق سيلغي تضرر تركيا من اتفاقات التجارة الحرة التي يبرمها الاتحاد الأوروبي مع الدول الأخرى.
وتأتي السيارات في مقدمة الصادرات التركية إلى دول الاتحاد الأوروبي بنحو 20 مليار دولار، تليها الملابس الجاهزة، والمواد الكيميائية، والمنتجات الزراعية، والصلب، ومعادن الحديد، فضلاً عن المواد الخام والطاقة، والسلع الاستهلاكية المتنوعة.
وبلغت قيمة الصادرات التركية لعام 2023 نحو 255.81 مليار دولار، بزيادة 0.6% على أساس سنوي، بحسب تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للصحافيين الأسبوع الماضي، متوقعاً أن التحسن في ميزان المعاملات الجارية سيستمر، مع انخفاض العجز التجاري خلال شهري نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول الماضيين.
وأبدى الرئيس التركي في يونيو/حزيران الماضي رغبته في زيادة قيمة الصادرات إلى 265 مليار دولار بنهاية 2023، رغم المشهد الاقتصادي العالمي السلبي، وقال: "نرغب في زيادة صادراتنا بنهاية 2023 إلى 265 مليار دولار رغم المشهد الاقتصادي العالمي السلبي، وإلى 285 مليار دولار العام 2024".
وأكد أردوغان أنّ تركيا تستهدف الوصول بصادراتها إلى أكثر من 400 مليار دولار عام 2028، موضحا أنّ "الحكومة التركية تدرس بحسن نية كافة المقترحات والانتقادات البناءة التي يوجهها المصدرون من أجل تسريع وتيرة التجارة الخارجية".