منذ أن تولى جو بايدن منصبه كرئيس للولايات المتحدة، وهناك ما يشبه القطيعة مع الحكومة السعودية، أو على الأقل، بدت العلاقات جافة وكان هناك شرخ وتوتر في العلاقات بين واشنطن والرياض لا تخطئه عين مراقب، وهو ما ظهر في ملفات عدة منها الملف النفطي أو ملف الطاقة بشكل عام.
فعندما قفزت أسعار النفط في الأسواق العالمية وتسببت في زيادة معدل التضخم وأسعار الوقود في الولايات المتحدة بشكل أزعج إدارة البيت الأبيض الجديدة، ضغط بايدن على منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك، وكبار المنتجين ومنهم السعودية وطلب زيادة الإنتاج النفطي بهدف تهدئة الأسعار، وبالتالي خفض أسعار البنزين والسولار.
الرياض ترفض ضغوطا مستمرة من إدارة بايدن بزيادة إنتاج النفط والمشاركة في حصار النفط الروسي
لكن الطلب قوبل بالرفض حسبما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية يوم 19 مارس/آذار الماضي التي أكدت أنّ ولي العهد محمد بن سلمان رفض طلب بايدن زيادة إنتاج النفط، كما رفض إجراء اتصال هاتفي معه، كما أكدت في وقت لاحق أنّ بن سلمان أبلغ مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان خلال لقائه به أن على الولايات المتحدة أن تنسى طلبها زيادة إنتاج النفط.
صحيح أن البيت الأبيض نفي وقتها ما ذكرته الصحيفة الأميركية، لكنّ ضغوط الإدارة الأميركية على السعودية وغيرها من كبار المنتجين تكررت مرة أخرى قبل وبعد حرب أوكرانيا، خاصة مع قفزات أسعار النفط التي دفعت بسعر البرميل لأكثر من 100 دولار، ومحاولة واشنطن الحثيثة حظر النفط الروسي كاملاً في وقت لاحق.
قبل اندلاع الحرب كان بايدن يسعى لمواجهة موجة تضخمية أزعجت بشدة المواطن والاقتصاد الأميركي وصانع السياسة النقدية، كما بدت رغبته في تشكيل تحالف دولي ضد روسيا واقتصادها ونفطها مع مؤشرات على غزو موسكو أوكرانيا.
وبعد انطلاق حرب أوكرانيا واصل بايدن ضغوطه على السعودية وغيرها من أعضاء منظمة أوبك لزيادة الإنتاج وتعويض غياب النفط والغاز الروسي كلية عن الأسواق الدولية.
كما ضغطت إدارة بايدن على تحالف "أوبك+" النفطي الذي تقوده السعودية لطرد روسيا من التحالف ووقف التنسيق معها بشأن الإنتاج.
لكنّ تجاهل السعودية وكبار المنتجين لضغوط بايدن تواصل بحجة عدم وجود فوائض قابلة للتصدير وطاقات نفطية، على الرغم من أنّ بيانات وكالة الطاقة الدولية الصادرة في مارس/ آذار الماضي أكدت أنّ لدى السعودية والإمارات طاقات فائضة تقدر بنحو 1.8 مليون برميل يومياً.
ضغطت إدارة بايدن على تحالف "أوبك+" النفطي الذي تقوده السعودية لطرد روسيا من التحالف ووقف التنسيق معها بشأن الإنتاج
هنا لجأت الولايات المتحدة والمتحالفون معها مثل اليابان وبريطانيا أكثر من مرة لاحتياطياتهم الاستراتيجية من النفط لمنع قفزات الأسعار.
وعندما فشلت هذه السياسة أخرجت الإدارة الأميركية من الأدراج مشروع قانون يعرف باسم نوبك "NOPEC" الموجه ضد أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، والذي مررته اللجنة القضائية التابعة للكونغرس بداية الشهر الماضي، بحجة حماية المستهلكين والشركات في الولايات المتحدة من الارتفاعات المتعمدة في أسعار البنزين وزيت التدفئة.
لكن، يوم الخميس الماضي حدث تطور مهم حيث قررت السعودية ومعها أعضاء منظمة أوبك وحلفاؤها (أوبك+) زيادة الإنتاج النفطي أكثر مما كان متوقعاً هذا الصيف وبنسبة زيادة 50% إلى 648 ألف برميل في يوليو/تموز، وبكمية مماثلة في أغسطس/آب، وهو ما يتخطى الزيادات الشهرية السابقة البالغة 432 ألف برميل يومياً، وذلك بهدف تعويض تراجع الإنتاج الروسي.
السؤال هنا: لمَ التغير المفاجئ في مواقف السعودية وكبار المنتجين تجاه ضغوط بايدن الخاصة بزيادة الإنتاج النفطي، وهل تغير الموقف بشكل مفاجئ يأتي على خلفية محاولات الرياض إصلاح العلاقات المتوترة مع واشنطن، وتماهياً مع بوادر التحسن في العلاقات السعودية الأميركية، والتمهيد لزيادة بايدن دول الخليج في شهر يوليو/تموز المقبل؟
وهل الخطوة التالية هي طرد روسيا من تحالف "أوبك+" الذي يضم 23 دولة ووقف التنسيق مع موسكو بشأن كميات انفط المتدفقة في الأسواق الدولية، خاصة مع إصرار واشنطن على تجفيف مصادر تمويل الحرب الأوكرانية؟