استمع إلى الملخص
- في تركيا، يشكل السوريون جزءًا كبيرًا من القوى العاملة، خاصة في البناء والزراعة والصناعة، مع قلق الشركات من تأثير عودة بعضهم على الإنتاجية، حيث يعمل نصف مليون بطرق غير نظامية ومائة ألف بتراخيص رسمية.
- في ألمانيا، يُعتبر السوريون جزءًا أساسيًا من القوى العاملة، مع تحذيرات من تأثير عودتهم على نقص العمالة في قطاعات حيوية، مما دفع السياسيين لإعادة النظر في مواقفهم والدعوة لبقائهم لدعم الاقتصاد.
يا لسخرية القدر، فقبل شهور، وربما أسابيع، خرجت علينا أصوات نشاز من دول عربية وأجنبية عدة، تطالب بطرد اللاجئين السوريين، والآن يستجدون بقاء هؤلاء اللاجئين، وعلى مدى سنوات كانت تلك الأصوات ترى في هؤلاء عبئا شديدا على الدول التي يقيمون بها، فهم يزاحمون العمالة المحلية، ويضيقون الخناق على خريجي الجامعات، وينشرون البطالة بين الشباب، ويسببون أعباء كبيرة لموازنة الدولة، ويرفعون أسعار السلع والخدمات، ويسطون على منظومة الدعم الحكومي بما فيها مخصصات الوقود ورغيف الخبز وخدمات المياه والكهرباء، ويرفعون إيجارات المساكن، ويضغطون على البنية التحتية للدولة، ويزاحمون الناس في الشوارع والمدارس والجامعات والمستشفيات، وهم من يقفون وراء أزمة الدولار واضطرابات أسواق الصرف وتغذية السوق السوداء للعملة، عبر تهريب الأموال إلى الخارج، وتحويل مليارات الدولارات لذويهم في الداخل السوري، إلى آخر تلك المعزوفة التي كانت تتكرر عندما تواجه حكومات تلك الدول أزمة اقتصادية ومالية حادة لا دخل للسوريين بها، أو تسعى تلك الحكومات لابتزاز المانحين الدوليين، وأوروبا تحديداً المرعوبة من أزمة الهجرة غير الشرعية.
لكن عقب سقوط نظام بشار، وانهيار نظام حكمه، خرجت علينا الأصوات نفسها تطالب ببقاء اللاجئين والعمالة السورية، وعدم مغادرتها الدول التي يقيمون بها، ذلك لأنها، ووفق تصريحاتها، تساهم بقوة في تنمية الاقتصادات الوطنية، ورفدها بالخبرات النادرة والعمالة الماهرة والمحترفة، كما أن مغادرتها الدول التي يقيمون بها تسبب أضراراً خطيرة للقطاعات والأنشطة الاقتصادية المختلفة، خاصة قطاعات الصناعة والصحة والنقل والخدمات.
زادت تلك المخاوف، عقب الكشف عن الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة التي قدّرت أن مليون لاجئ سوري قد يعودون إلى بلدهم في النصف الأول من عام 2025، بعد إطاحة بشار الأسد، وفق تصريحات ريما جاموس إمسيس، مديرة مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
عقب سقوط نظام بشار، وانهيار نظام حكمه، خرجت علينا الأصوات نفسها تطالب ببقاء اللاجئين والعمالة السورية، وعدم مغادرتها الدول التي يقيمون بها
قبل أيام وقف صاحب مصنع منسوجات في إسطنبول التركية يشتكي من عودة عماله السوريين الخمسة إلى بلادهم، وأنه مصدوم لأنه لم يتبق في مصنعه سوى شخصَين فقط. قائلاً إن تلك العودة ستلحق أضراراً بمصنعه وإنتاجه.
بعدها توالت التحذيرات من أصحاب مصانع وشركات تركية أخرى، خاصة أن السوريين يشكلون نسبة كبيرة من العمالة داخل تركيا، ويلتحقون بقطاعات حيوية، مثل البناء والتشييد والإنشاءات، والزراعة، والصناعة، والمطاعم. وتشير التقديرات إلى أن عدد السوريين الذين يعملون بطرق غير نظامية قد يصل إلى نصف مليون عامل. إضافة إلى مائة ألف حاصلين على تراخيص رسمية. كما بلغ عدد الشركات السورية المسجلة في تركيا منذ عام 2010 أكثر من 10 آلاف شركة، وفق أرقام اتحاد غرف وبورصات السلع التركية لعام 2023.
وفي ألمانيا أظهر تحليل، نشر اليوم الأربعاء، أن إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم يمكن أن تكون لها آثار سلبية على الاقتصاد الألماني، وتوسع فجوة المهارات وتشكل مشكلة بالنسبة للقطاعات التي تعاني نقص العمالة.
وأظهرت دراسة أخرى، نشرت يوم الجمعة الماضية، أن عودة السوريين إلى بلادهم ستفاقم نقص اليد العاملة في قطاعات أساسية عدة، أبرزها الصحة والنقل واللوجيستية. تزيد تلك المشكلة إذا ما علمنا أن الجالية السورية في ألمانيا تضم نحو مليون شخص، وتمثل أكبر جالية للسوريين في الاتحاد الأوروبي.
الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة قدّرت أن مليون لاجئ سوري قد يعودون إلى بلدهم في النصف الأول من عام 2025، بعد إطاحة بشار الأسد
وخرج علينا رئيس جمعية المستشفيات الألمانية، غيرالد غاس، محذراً من تداعيات عودة الأطباء السوريين "الذين أدّوا دوراً أساسياً في صون الرعاية الصحية، لا سيما في مستشفيات المدن الصغيرة". بل إن رئيسة جمعية رعاية صحية بالعاصمة برلين قالت لقناة "أن تي في" إن من شأن عودة السوريين أن تشكّل "ضربة قاسية" لقطاع الرعاية بكبار السن. وحذر قطاع النقل الألماني من تعرّضه لأزمة بسبب عودة السوريين إلى بلادهم بعد الإطاحة بنظام الأسد، وشددت قياداته على أهمية بقاء العمال السوريين لضمان استمرارية العمل في البلاد.
وقال رئيس نقابة شركات النقل الألمانية (VDV)، إينجو فورتمان: "لا يمكننا الاستغناء عنهم في العديد من المجالات". وأضاف أن السوريين يعملون في خدمات القيادة بوسائل النقل العام في جميع أنحاء ألمانيا، وأن مغادرتهم البلاد ستفاقم النقص الحاد بالفعل في العمالة داخل هذا القطاع الحيوي.
قطاع النقل وكذا الصحي الألماني ليس هو الوحيد الذي يعتمد بشكل كبير على اللاجئين السوريين، حيث سبق أن أعرب مديرو ورؤساء النقابات في قطاعات أخرى عن قلقهم من تأثير فقدان العمال السوريين على الاقتصاد المحلي وسير العمل في مختلف الصناعات. حتى السياسيين الألمان الذين كانوا حتى وقت قريب يطالبون بطرد العمال السوريين من بلادهم عادوا ليتراجعوا عن موقفهم ويحثونهم على البقاء بعد سقوط نظام الأسد.
يتكرر المشهد في دول أوروبية أخرى منها النمسا، حيث بات أصحاب الشركات وقيادات منظمات العمل يضعون أيديهم على قلوبهم خوفاً من العودة الجماعية للعمال والمستثمرين السوريين، خاصة أن كل الشواهد تؤكد أن هؤلاء العمال أفادوا الدول التي أقاموا وعملوا بها، ولم يشكلوا عالة على أحد، وأسسوا آلاف الشركات والمشاريع التجارية والخدمية المتعددة في العديد من دول العالم، وهو ما ساهم في تلبية احتياجات الأسواق المحلية، وزيادة الصادرات، وخلق فرص عمل جديدة، ودفع عجلة الاقتصادات المحلية، وأن عودة السوريين، عمال ومستثمرين، إلى بلادهم بعد نجاح ثورتهم وهروب بشار الأسد باتت تقلق أصحاب المصانع والمشروعات في معظم دول أوروبا، والكرة الآن في ملعب هؤلاء، العودة إلى سورية لبناء دولتهم الحديثة واقتصادها، أو البقاء في الخارج حفاظاً على النجاحات والمكاسب المالية التي حققوها في السنوات العشر الماضية.