بدأ تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" ببعض الانفتاح أو التراخي بتطبيق بعض القرارات المتشددة التي كان يفرضها على سكان مناطق سيطرته في مدينة الرقة وبعض قرى ريفي حلب ودير الزور، شمالي شرق سورية .
فتركيب الصحون اللاقطة لاستقبال القنوات الفضائية، لم يعد جرماً يعاقب عليه التنظيم بالجلد أو السجن، بل ثمة غرامة مالية يمكن أن تسقط، أو تخفف من العقوبات السابقة، وكذا لجهة بعض المخالفات، من قبيل التدخين، أو حتى السماح لبعض من يريد مغادرة "الدولة" شريطة دفع مبلغ مالي .
ويبدو، أو غير مستبعد، إن استمر حصار التنظيم وتجفيف منابع ثروته وتمويله، أن يصدر قرارات معدلة لقراراته السابقة، حتى بما يتعلق باللباس والسلوك اليومي المفروض بحجة الاقتداء بنهج السلف الصالح، ولعل في تراجع منسوب تسويق صور تطبيق العقوبات وما يرشح عن سكان مناطق التنظيم، يؤكد أن "داعش" أيضاً يمشي على بطنه، وأن ثمة ثماراً بدأت تجنّى، جراء استهداف طيران التحالف لمواقع "الإنتاج" بعد حملة استهداف القادة وعقوله الاقتصادية .
قصارى القول: تقول تقارير دولية إن دخل تنظيم "الدولة" وعدد السكان الخاضعين لسيطرته، قد تراجع إلى الثلث، خلال العام الأخير، وهبطت بالمقابل عائدات التنظيم شهرياً إلى أقل من 56 مليون دولار، بعد أن تجاوزت الثمانين مليونا في آذار العام الماضي، وانخفض إنتاج النفط في مناطق سيطرته من 33 ألف برميل آذار 2015 إلى نحو 20 ألف برميل آذار الفائت، وكذا بالنسبة لمساحة الأراضي التي تراجعت بنسبة 22% عما كانت عليه عام 2014 والسكان من 9 إلى نحو 6 ملايين نسمة .
وقد تكون خسارة منطقة الشدادي في ريف مدينة الحسكة السورية قبل شهرين، الضربة الأقوى لاقتصاد "داعش" ما دفعه للبحث عن مصادر تمويل سريعة، تعوضه عن الخسائر في سورية والعراق، فوجدناه أخيراً يقترب من حقول غاز "شاعر" بريف مدينة حمص الشرقي، ولو ضمن شروط، رآها كثير من المراقبين، اتفاقاً مع نظام بشار الأسد .
نهاية القول: ثمة تقارب بالذهنية، ولدرجة التطابق، بين تنظيم الدولة ونظام بشار الأسد، ففي حين يلجأ "داعش" إلى فرض ضرائب جديدة ويتنازل عن مبادئ كانت بالأمس خطوطا حمراً، فيسمح بتركيب أطباق التقاط الإرسال على الأسطحة ويستعيض عن العقوبات البدنية والجلد بغرامات مالية، بل ويتخلى عن "مواطنيه" لتعويض فاقد ضرائب الأنشطة الاقتصادية بعد تفقير سكان مناطق سيطرته وعائدات تجارة النفط .
نرى نظام بشار الأسد بدمشق، يقوم بالأمر ذاته، بعد أن فقد السيطرة على آبار النفط التي كانت تسد عجز موازنته، وتراجع الإنتاج والتصدير وفقدانه الجغرافيا أمام الثوار، وفي مقدمتها المعابر الحدودية.
فنهج رفع الأسعار بهدف التفقير لتهجير السكان يحدث بدمشق، وتثبيت الأجور بعد العجز عن دعم سعر الليرة التي أكلها التضخم يجري بدمشق، ورفع سعر جوازات السفر والسماح بمغادرة المواطنين يحدث بدمشق، وليأخذ المعلم السبق على التلميذ، يرهن نظام الأسد ثروات السوريين لحلفائه بموسكو وطهران، ويدعو العالم للاستثمار بجوع وحاجة السوريين ودمار بيوتهم، وهو ما لم يصل إليه التنظيم بالرقة بعد .