تصر الحكومة المصرية على دفن رأسها في الرمال عندما تتعامل مع أزمة الدولار المستعصية على الحل، حتى الآن، على الرغم من أن هذه الأزمة تعد واحدة من أخطر الأزمات التي تواجه البلاد خلال السنوات الأخيرة.
وفي تقديري، أن أزمة الدولار لا تقل في خطورتها وحدّتها وتأثيراتها الخطيرة عن أزمتي سد النهضة ونقص مياه النيل والإرهاب المتصاعد في سيناء.
وإذا كان الإرهاب والعنف قد يعصف بالاستقرار الأمني والسياسي داخل أي دولة، فإن أزمة الدولار كفيلة ليس فقط بعصف الاستقرار الاقتصادي والمالي للدولة، ولكن باستقرار المجتمع بأكمله.
مثلاً لم نسمع أو نقرأ عن خروج رئيس الوزراء، شريف إسماعيل،(الصايع الضايع كما أطلق عليه اللواء عباس كامل)، على الرأي العام المصري ليعلن خطة حكومته لوقف القفزات الصاروخية للدولار مقابل الجنيه، أو يكشف الرجل عن كيفية امتصاص الصدمات الناتجة عن هذه القفزات في العملة الأميركية على الأسعار ومعدل التضخم والنمو الاقتصادي ومناخ الاستثمار.
أو يحدد لنا رئيس الوزراء خطة الحكومة في تدبير نقد أجنبي للتجار والمستوردين لتمويل وارادتهم الخارجية خاصة المتعلقة بالسلع الرئيسية كالأغذية والقمح والسكر واللحوم والأدوية وألبان الأطفال، أو كيفية التعامل مع شكاوى المستثمرين، خاصة العاملين في قطاع الإنتاج والصناعة، والمتعلقة بندرة النقد الأجنبي وصعوبة تدبيره لاستيراد المواد الخام والسلع الوسيطة.
وإذا تتبعنا أسلوب علاج الحكومة لأزمة الدولار، خلال الفترة الماضية، نجد أن الحكومة تجمع ما بين البدائية وأحياناً التجاهل التام للأزمة وإعطاء تعليمات لوسائل الإعلام بعدم الحديث عنها بزعم عدم إرباك السوق.
وفي أحيان كثيرة تستخدم الحكومة سلاح التآمرية وإلقاء الأزمة على عدو خارجي، "أهل الشر"، يتربص دوماً بالبلاد واقتصادها وشعبها، مع استخدام أدوات أخرى عفا عليها الزمن مثل القمع الأمني والقبضة الحديدية، فقد توسعت الحكومة في إغلاق شركات الصرافة وتلويث سمعتها ظناً منها أنها السبب الرئيسي للأزمة، وهاجمت تجار العملة والمضاربين بضراوة.
كما استخدمت الحكومة أسلوب الترهيب للمتعاملين في سوق الصرف حينما راحت تسن قانوناً يقضي بحبس أي شخص يبيع الدولار في السوق السوداء لفترات تبدأ من 3 سنوات وحتى 7 سنوات، مع إلزامه بسداد غرامات ضخمة، ومصادرة الأموال التي بحوزته.
كما توسعت الحكومة، أيضاً، في استخدام مبدأ "المؤامرة" في التعامل مع الأزمة، حينما راحت تتهم أعضاء جماعة الإخوان بتخزين الدولارات وحبسها عن السوق بهدف "شعللة" أسعاره، وبالتالي إحراج النظام الحاكم أمام الرأي العام وإظهاره بمظهر الضعيف غير القادر على مواجهة الأزمات.
وكلنا نذكر الاتهامات الموجهة للمهندس، حسن مالك، القيادي بجماعة الإخوان والذى اتهمته الحكومة بتعطيش سوق الصرف الأجنبي وشراء 6 مليارات دولار!
ونسي هؤلاء أن الحكومة صادرت أموال الإخوان وحجزت على أصولهم ومدارسهم ومستشفياتهم، خلال السنوات الثلاث الماضية، وبالتالي لم تعد لديهم السيولة التي تمكّنهم من المضاربة في ملايين الدولارات، وليس في مليارات الدولارات، كما تردد وسائل إعلام قريبة من دوائر صنع القرار.
آخر ما تفتق عنه ذهن الحكومة لعلاج أزمة الدولار هو إطلاق مؤسسات بالدولة وشخصيات قريبة من الحكومة شائعات حول المؤهل الدراسي لمحافظ البنك المركزي، طارق عامر، والزعم أن الرجل حاصل على كلية آداب جامعة القاهرة، والهدف في النهاية هو إلهاء الناس وإبعادهم عن الأزمة.
الحكومة تدرك جيداً أن سبب أزمة الدولار الرئيسي، يكمن في نقص موارد البلاد من النقد الأجنبي والتراجع الحاد في الأنشطة الخمسة المعروفة، وهي السياحة والصادرات وقناة السويس وتحويلات العاملين بالخارج والاستثمارات الأجنبية المباشرة، وبالتالي إذا أرادت أن تحل الأزمة فعليها إعادة الحياة لهذه الأنشطة، وإلا البديل استمرار ارتفاع سعر الدولار إلى ما لا نهاية.