لم تسلم إسرائيل من قبضة فيروس كورونا رغم تطوُّر قطاعها الصحي وقوّة مؤسساتها وكل الإمكانات المالية والمادية التي تحوزها، فقد بلغ عدد حالات الإصابة المؤكَّدة بهذا الفيروس الفتَّاك 677 يوم 20 مارس/ آذار 2020، وهو عدد كبير بالنسبة لكيان يبلغ عدد سكانه 9 ملايين نسمة.
وسيرتفع هذا العدد بالتأكيد، إذ يقبع ما يفوق 1000 جندي إسرائيلي في الحجر الصحي، وهذا علاوة على الأعداد الكبيرة من المواطنين العاديين. وتترتَّب على الإجراءات المتَّخذة للوقاية من فيروس كورونا عواقب وخيمة على الاقتصاد الإسرائيلي.
حسب وزارة المالية الإسرائيلية، هناك تقديرات تشير إلى حدوث خسائر مالية بالغة تصل قيمتها إلى 13 مليار دولار، من بينها 2.16 مليار دولار حتى نهاية شهر مارس/ آذار، إذ تتراوح تكاليف قيود الحجر الصحي وحدها ما بين 14 و199 مليون دولار، وذلك حسب طول مدّة انتشار الفيروس.
كذلك تبدو آفاق صناعة السياحة قاتمة إلى أبعد حدّ، نظراً لشلل نشاط الفنادق والمعالم السياحية الشهيرة، وتتوقَّع شركة الطيران الإسرائيلية "El Al" خسائر تتراوح بين 140 و160 مليون دولار حتى نهاية شهر إبريل/ نيسان بسبب عمليات إلغاء الرحلات.
فإعانات البطالة لوحدها ستُكلِّف الحكومة الإسرائيلية نحو 4 مليارات شيكل، أي ما يعادل 1.1 مليار دولار في الشهر، وستُقدَّم تلك الإعانات لأكثر من مائة ألف شخص تمَّ منحهم إجازة بدون أجر بسبب الخوف من التفشِّي السريع للفيروس.
وبالتالي ستكون تكاليف التوقُّف عن العمل بسبب تلك التدابير الوقائية كبيرة جداً، وستلقي بظلالها على حجم الإنفاق العام الذي سيرتفع بشكل جنوني وغير مسبوق، فقد تمَّ تخصيص ما يقارب 15 مليار شيكل إسرائيلي، أي ما يعادل 3.9 مليارات دولار من خزينة الدولة للتخفيف من حدّة الآثار الاقتصادية لهذا الفيروس، حيث سيتمّ توجيه ما قيمته 2.6 مليار دولار لدعم الاقتصاد الإسرائيلي ككل و1.3 مليار دولار لدعم الشركات المتضرِّرة من تفشِّي فيروس كورونا.
وبسبب الانخفاض الشديد في العمالة سيتوقَّف نشاط القطاع الصناعي في إسرائيل، كما سيتعرَّض القطاع المصرفي لضغط شديد يصعب معه تحقيق أي أرباح نتيجة اضطرار البنوك إلى تأجيل مواعيد دفع أقساط الرهن العقاري لبضعة أشهر، وكذلك القروض الممنوحة للشركات الصغيرة والمتوسطة.
بالإضافة إلى تقديم خدمات رقمية واسعة للمعاملات عن بعد بدون مقابل، علماً أنّ الحكومة الإسرائيلية لم تعلن لحدّ الساعة عن توفير ضمان للنظام المصرفي مقابل تأجيل مواعيد استحقاق ديون الشركات الصغيرة والمتوسطة.
وبسبب تلك القلاقل، يتراجع مؤشر البورصة الإسرائيلية، فقد انخفض مؤشر بورصة تل أبيب TA-35 بنسبة 11 بالمائة يوم 9 مارس/ آذار 2020 ثم 6.70 بالمائة يوم 18 مارس/ آذار 2020.
يعتمد الاقتصاد الإسرائيلي بشكل كبير على التحصيل الضريبي الذي سيتعطَّل لعدّة أشهر تبعاً لمدّة انتشار الفيروس، إذ ستشهد خزينة الدولة غياب تام لتدفُّق إيرادات الضرائب على الدخل والقيمة المضافة وكذلك التعريفات والرسوم المختلفة.
كل هذا إلى جانب حدوث ارتفاع كبير في الإنفاق الحكومي، وبالتالي ستتكبَّد الحكومة الإسرائيلية نتيجة لتفشي وباء كورونا خسائر مالية جمّة هي الكبرى منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008.
وحسب التقرير الخاص بإحصاءات الإيرادات لإسرائيل الصادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في عام 2019، قُدِّرت نسبة الضريبة إلى الناتج المحلي الإجمالي في إسرائيل بـ31.3 بالمائة في 2018، وهي نسبة مرتفعة جداً تحاكي تلك النسب الموجودة في أكبر الدول الصناعية في العالم.
ويفيد هذا التقرير بأنّ الهيكل الضريبي في إسرائيل يتميَّز بارتفاع الإيرادات من الضرائب على دخل ومكاسب الشركات والضرائب على المرتبات والضرائب العقارية وضرائب القيمة المضافة، وبالتالي ستغيب الإيرادات الضريبية التي كانت تعوِّل عليها الحكومة الإسرائيلية بسبب التفشِّي السريع لوباء كورونا.
حسب بيانات البنك المركزي الإسرائيلي، من المتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل بمقدار 25 مليار شيكل، أي ما يقارب 6.9 مليارات دولار، بما يعادل نسبة 2.9 بالمائة في نهاية عام 2020، بدلاً من 3 بالمائة التي تمَّ تقديرها قبل تفشِّي الوباء في إسرائيل، وأشارت كبيرة الاقتصاديين في وزارة المالية بإسرائيل "شيرا غرينبرغ" إلى أنّ تدابير مكافحة كورونا ستؤدِّي إلى حرمان الناتج المحلي الإجمالي من مبلغ أكبر من ذلك الذي صرَّح به البنك المركزي والذي قد يصل إلى 45 مليار شيكل، أي ما يقارب 12.5 مليار دولار، وتوقَّعت بأن تسجِّل إسرائيل مع نهاية عام 2020 نمواً صفرياً بسبب اتِّخاذ المزيد من الإجراءات الأكثر صرامة في الأيام القليلة المقبلة والتي ستؤدِّي إلى تفاقم التأثير السلبي للوباء على الاقتصاد الإسرائيلي.
خلاصة القول أنّ صنّاع القرار والعديد من المسؤولين الإسرائيليين كرئيس الوزراء، ووزير المالية ومحافظ بنك إسرائيل المركزي، يقفون في الوقت الحالي مذعورين دون امتلاك أدنى فكرة عن نطاق الأزمة الحالية وحافة الهاوية التي أمامهم، فقد تعوَّدوا على العمل بنماذج اقتصادية لم تعد صالحة لعدم تماشيها مع أزمات خانقة كالأزمة التي سبَّبها فيروس كورونا لكونهم إمّا سياسيين نشطين وإما اقتصاديين أكاديميين لا يتقنون إلّا العمل بالنماذج الاقتصادية والنظريات المالية التي أكل الدهر عليها وشرب.
فقد أثبتت أزمة كورونا أنّ الاقتصاد الإسرائيلي هشّ ويمكن أن ينهار بفيروس مجهري، كما كشفت هذه الأزمة أنّ الحكومة الإسرائيلية لا تختلف عن حكومات العالم الثالث، لأنّها لم تحذ حتى الآن حذو حليفتها أميركا في إرسال مدفوعات مباشرة في الأشهر المقبلة إلى معظم أصحاب الأجور ولكل شخص عاطل عن العمل ليتمكَّنوا من شراء المنتجات الأساسية والحفاظ على مستوى معيشي مرضٍ يضمن عدم انقلابهم وبقاءهم في منازلهم إلى غاية تجاوز الأزمة.
والأهم من كل ذلك هو أنّ أزمة كورونا تمكَّنت من أن تذيق دولة الاحتلال حكومة وشعباً مرارة الحصار التي يتجرَّعها الشعب الفلسطيني يومياً.