مع بدءِ العدِّ العكسي لموعد الانتخابات النيابية في لبنان (15 مايو/ أيار الحالي) بلغت تكاليف الظهور الإعلامي للمرشحين على شاشات التلفزيون أرقاماً خيالية نسبةً إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها اللبنانيون. وقد تجاوزت كلفة الظهور الواحد حاجز مائة ألف دولار، في ظل وجود مخالفات قانونية مرتبطة بسقف الصرف الانتخابي الذي حدّدته وزارة الداخلية.
وشهدت الأيام القليلة الماضية ارتفاعاً لـ"تسعيرة الظهور الإعلامي" لسببين: الأول هو اقتراب موعد انتخابات اللبنانيين المغتربين (بين 6 و8 مايو)، والثاني هو اقتراب فترة الصمت الانتخابي التي تسبق عملية الاقتراع.
وحصلت "العربي الجديد" من مصادرٍ خاصة على بعض التسعيرات التي تعتمدها وسائل الإعلام وتحدّدها تبعاً لمعايير معيّنة، منها البرنامج وشهرته، وفترة عرضه وتوقيته، ومساحة الإطلالة الزمنية بالدقائق أو الساعة. كذلك تقدّم المؤسسات للمرشحين عروض "الرزمة" أو الـ"باكادج" التي تتضمّن دفع مبلغ واحد كبير، مقابل إطلالة المرشح ضمن حوار أو مقابلة خاصة، إلى جانب تقارير في النشرات الإخبارية حول نشاطاته، ودعايات تمرّ خلال النهار وتضيء على مشروع المرشح، وأخيراً النقل المباشر والحي للمهرجانات الانتخابية والمناسبات المتصلة بها التي عادة ما يتحمّل تكلفتها الحزب أو اللائحة كاملة.
قنوات التلفزيون
- تعتمد قناة الجديد تسعيرة 25 ألف دولار لإطلالة المرشحين في برامجها الصباحية وفترة بعد الظهر. أما البرامج الحوارية المسائية، فتتراوح تكلفتها بين 50 ألف دولار، و75 ألف دولار وصولاً إلى 125 ألف دولار وتختلف تبعاً لدقائق وساعات الظهور الإعلامي.
- قناة MTV من جهتها فتعتمد تسعيرات تتراوح بين 20 و30 و50 ألف دولار وما فوق، المبلغ الأكبر يرصد للبرامج المسائية. ويؤكد مصدر في القناة لـ"العربي الجديد" أنّ تكاليف الظهور ليست ثابتة وتحدد بالدولار الأميركي النقدي وتختلف تبعاً للمرشح والمساحة المعطاة له. ويشير إلى أن هناك مساحات مجانية ورمزية وبالليرة اللبنانية تخصص للكثير من المرشحين، خصوصاً المستقلّين منهم والمنضوين ضمن لوائح القوى التغييرية التي انبثقت عن انتفاضة 17 تشرين، وذلك من بوابة دعمهم ومنحهم فرصة التعريف عن أنفسهم.
- قناة LBCI فلم تضع تسعيرة ثابتة لبرامجها، بحسب ما يقول مصدر في المحطة لـ"العربي الجديد": "نأخذ في عين الاعتبار عند تحديد السعر أو الرزمة البرنامج الذي يطلّ فيه أو التقرير الإخباري، والتوقيت، سواء الفترة الصباحية أو الظهيرة أو المسائية، ومقدّم البرنامج والقيمين عليه الذين تكون لهم أيضاً كلمة في تحديد التكاليف، والمساحة التي يظهر فيها. الأسعار تحدّد بالدولار أو الليرة اللبنانية وهناك إضاءة على الكثير من مرشحي انتفاضة 17 تشرين الذين تخصص لهم مساحات مجانية أو مقابل مبالغ رمزية".
يلاحظ أيضاً أن محطات تلفزيونية عمدت إلى تخصيص إطلالات للمرشحين في برامج مسائية ذات طابع ترفيهي فني بالأساس، مستغلة نسبة المشاهدة المرتفعة التي تحوز عليها، وهو ما يجعل الظهور ضمنها مكلفاً جداً.
تؤكد المديرة التنفيذية لقسم الأخبار في قناة LBCI لارا زلعوم لـ"العربي الجديد": "التزام المحطة بما وضعته هيئة الإشراف على الانتخابات، وهامش التحرك الذي يُسمَح به". وتتوقف زلعوم عند الظروف الاقتصادية وتأثيراتها على وسائل الإعلام التي باتت في وضع دقيق لدرجة الخطورة، و"طالما القانون يسمح لنا بالتحرك ولا يمنعنا فهذا حقنا القانوني"، لافتةً إلى التزام المحطة بوضع علامة SP على الشاشة، أي أن البرنامج أو الإعلان مدفوع "ما يدلّ على الشفافية المطلقة في عملنا"، مشيرة إلى أن المساحة المعطاة للقوى التغييرية كبيرة.
المواقع الإخبارية
تدخل المواقع الإخبارية الإلكترونية بقوة على الساحة الإعلامية الانتخابية، فباتت تتنافس مع الوسائل المرئية في الأسعار وتفرض مبالغ كبيرة نظراً إلى أنها تحوّلت إلى لاعب أساسي في ظل التطور التكنولوجي، وانحسار تأثير الصحف.
وعلمت "العربي الجديد" أنّ عدداً من المواقع الإخبارية يعتمد مبدأ الرزم للمرشحين، ويحدد أسعاره التي تبدأ من ألف دولار نقدي وصعوداً تبعاً لنوع التقرير المكتوب، والمكان الذي سينشر فيه على الموقع، سواء في الصفحة الرئيسية أو الداخلية، وهنا تختلف التسعيرة، وتزيد أيضاً عند "الاهتمام" بالخبر، أي إرساله عبر التطبيقات التابعة لها.
كذلك، تعتمد الرزم على نشر تقارير عن المرشح نفسه ومعلومات عنه تمدحه، ما قد يرفع من حظوظه، إضافة إلى إجراء مقابلات معه، وحوارات، وصولاً أحياناً إلى التهجّم على منافسيه.
الإعلان والإعلام
تبعاً لدراسة أجرتها مؤسسة مهارات (غير حكومية) بالتعاون مع منظمة يونسكو عن تغطية المحطات التلفزيونية للحملات الانتخابية خلال شهر مارس/ آذار الماضي، تبيّن أن هناك قنوات أعطت القوى الناشئة مكاناً مهماً في تغطياتها أخرى تجاهلتها كلياً. كما أنّ كل المحطات (باستثناء LBCI) لم تشر في تغطيتها إلى المضمون الذي يندرج ضمن إطار الإعلان الانتخابي، أي المضمون المدفوع ثمنه من قبل المرشّح، ومن ضمنها تلفزيون لبنان الحكومي.
وبحسب التقرير، فإنّ حجم التغطية الإعلامية العامة خلال شهر مارس/ آذار بلغ 696.011 ثانية، وقد تصدرت القوى السياسية الأساسية المشهد.
آراء المرشحين
يقول المرشح عن دائرة بيروت الثانية ضمن لائحة "بيروت التغيير" علي عباس لـ"العربي الجديد" إنّه لم يحاول الاتصال بأي قناة تلفزيونية للظهور على منبرها فلا إمكانات مالية لديه، كما أنّ أيّاً من المحطات لم تتواصل معه. ويعوّل عباس على أن تصل رسالته من خلال النضالات والمشاركة المستمرة في التحركات الشعبية والقضايا التي يدعمها وعبر الوسائل المتاحة، خصوصاً وسائل التواصل الاجتماعي.
من جهته، يتوقف المرشح في دائرة بيروت الثانية من "تحالف وطني" هاني الأحمدية عند مشكلتين أساسيتين تواجهانه مع لائحته، وتؤسسان لمساحة كبيرة من التعتيم: الأولى تتمثل في الزواج بين الإعلام والسلطة السياسية، والثانية في قانون الانتخاب الذي فرض أن يكون هناك بدل للظهور الإعلامي. ويضيف الأحمدية: "قد نكون قادرين على تخصيص تكاليف رمزية لوضع إعلانات على الطرقات أو ما شابه، لكن من غير المقبول صرف مبالغ تبدأ من 10 آلاف دولار للظهور الإعلامي بهدف إيصال أفكارنا إلى الناس، فأفكارنا واضحة والتغيير الذي نريده واضح، ونعمل على إيصاله من خلال التواصل المباشر مع الناس واللقاءات التي نجريها".
ويتحدث آلان علم الدين من "مواطنون ومواطنات في دولة" (ممفد) عن تمييز في الظهور الإعلامي بين القوى التغييرية والمنظومة السياسية من جهة، وتمييز حتى على صعيد مرشحي الفريق الأول، مشيراً إلى أن الشق المالي يحول دون إطلالة مرشحي ممفد على الإعلام. لكنّه يضيء كذلك على شق سياسي "فهناك أطراف لا تريد لحركتنا أن تطلّ عبر أي منبر".
ويتحدث علم الدين عمّا حصل معه خلال مشاركته في برنامج "بتفرق ع وطن" عبر قناة "الجديد" وقد أعطيت له دقيقتان للحديث ولم يسمح له بإكمال مداخلته وكأن "هناك سياسة ممنهجة"، بينما هناك أطراف حصلت على مساحات أكبر وأطلت على المنبر ومع الجمهور وأُعطيت الوقت للحديث عن برنامجها.
هيئة الإشراف على الانتخابات
يقول رئيس هيئة الإشراف على الانتخابات نديم عبد الملك لـ"العربي الجديد" إنّ "سقف المبلغ الأقصى الذي يجوز لكل مرشح إنفاقه أثناء فترة الحملة الانتخابية يتضمن قسماً ثابتاً مقطوعاً قدره 750 مليون ليرة لبنانية، يضاف إليه قسم متحرك مرتبط بعدد الناخبين في الدائرة الانتخابية التي ينتخب فيها وقدره 50 ألف ليرة عن كل ناخب".
ويشير إلى أن على وسائل الإعلام أن تتقدم من الهيئة بلائحة أسعارها والمساحات التي ترغب في تخصيصها للدعاية أو الإعلان الانتخابي، لكنه يلفت إلى أن الهيئة لا تحدّد لوسائل الإعلام كلفة ظهور كل مرشح، في حين عليها أن تتأكد من احترام المساواة والعدالة في الظهور لتصدر توصياتها بذلك.
ويوضح عبد الملك أنّ الهيئة لا تتحرك من دون شكاوى، وهو ما لم يحصل رغم أنّنا نسمع الكثير عن أموال طائلة تدفع، خصوصاً أن المرشح والوسيلة الإعلامية هما شريكان.
ويشير إلى أنّه "يتواصل معنا مرشحون غير قادرين مادياً على الظهور إعلامياً ونحن نعطيهم الإذن إذا تقدموا بالطلب وفق الأصول للظهور على القنوات الرسمية، في محاولة لسدّ الثغرة قدر الإمكان على صعيد المساواة والعدالة في الظهور الإعلامي الذي يعاني حتماً من خرقٍ، عدا عن التجاوزات الكثيرة التي تحصل، وعلى رأسها الدعاية الانتخابية المستترة".
لكنّ ما يقوله عبد الملك لا يطبّق فعلياً على الأرض، في ظل وجود خروقات كثيرة، واحتكار بعض الأطراف السياسية الظهور على الشاشات.