رحيم سلطاني مواطن إيراني عادي يشبهنا جميعاً. كان لديه عمل، مثلنا. فقد كان خطاطاً يرسم لوحات جميلة، لكنّ آلات الطباعة الحديثة، وبرامج الحاسوب، أفقدته أهميته، ومن ثم أغلقت له محله؛ فاضطر إلى الاستدانة بالربا لتأسيس مشروع تجاري ثم فشل. هكذا، دخل السجن لعجزه عن سداد الشيكات التي قدمها ضمانة لدائنه.
حتى الآن هذه قصة عادية لا تصلح لفيلم، لكن ثمة ما حدث بعد ذلك، حوّل السجين إلى بطل شغل منصات التواصل، وقنوات التلفزيون، وهو إعادة رحيم، أثناء إجازته القصيرة من السجن، محفظة مليئة بالذهب، وجدتها صديقته وكانا ينويان بيعها لسداد قسم من ديونه وخروجه من السجن ليتزوجا، لكنّ ضميره لم يطاوعه، لا سيما أنّ ثمن الذهب كان أقل من المبلغ الذي يرتضيه المدين؛ فأعادا الذهب إلى صاحبته عبر إعلان يضع رقم هاتف سجن سلطاني.
هنا، نجد معادلة صنعها المخرج المبدع أصغر فرهادي، في فيلمه "بطل" (2021)، مزج فيها بين النوازع الأخلاقية النبيلة لدى السجين مع نفعية واضحة، وبين حاجته الماسة للخروج من ظلمات السجن وطموحه لحياة عادية، يتزوج فيها ويربي ابنه الذي يعاني صعوبات في الكلام، وكذلك تقلب المجتمع بين التعاطف والظلم، وتجاهل ولامبالاة السلطة.
لم يدم احتفاء الإعلام والأمن والمجتمع برحيمي طويلاً؛ إذ دخل في معمعة البيروقراطية الحكومية؛ فلم يوظف كما وعد مكافأة لأمانته، ومن ثم أتت حوادث أخرى، منها اختفاء صاحبة الحقيبة وخلافه مع مدينه، نسيبه سابقاً، ليعود البطل إلى السجن ويوصف بالكاذب والمنافق، ما يجعل أحد نجوم العمل المتعاطفين معه، يقول لضابط أمن المحافظة: "أُشفق على هذا البلد الذي وقع في أيديكم".
حاز الفيلم على الجائزة الكبرى لمهرجان كان العام الفائت، لكنّه فشل بالوصول الى الترشيحات النهائية لجوائز أوسكار هذا العام، رغم أنّ مخرجه نجح سابقاً باقتناص الجائزة مرتين، في 2012 و2017.
استطاع أصغر فرهادي أن يحرز لإيران أول جائزة أوسكار عن فئة الأفلام الأجنبية عام 2012، بفوز فيلمه "انفصال". هذا الفيلم حصل على اعتراف عالمي، وعلى أكثر الجوائز الدولية بتاريخ السينما الإيرانية، ويحكي عن طلب زوجة للانفصال لتسافر مع ابنتها لتوفر للصغيرة دراسة متميزة، بينما يرفض الزوج بسبب تمسكه بالبقاء لرعاية والده المريض.
فاز فرهادي مرة ثانية بالأوسكار عن فيلمه "البائع" عام 2017. يحكي، كمعظم أفلام أصغري، عن الحياة اليومية والتناقضات الاجتماعية في إيران، إذ يتناول الزواج والطلاق والتحرش الجنسي وأوضاع السجون وعقوبة الإعدام.
لم يحضر المخرج حفل الأوسكار ذاك احتجاجاً على قرار الرئيس الأميركي وقتها، دونالد ترامب، بمنع رعايا دول إسلامية من دخول الولايات المتحدة، والعلاقة المتوترة بين أميركا وإيران.
حينها، أناب فرهادي عنه رائدة الفضاء الإيرانية، المهندسة غير المحجبة، أنوشه أنصاري، لاستلام الجائزة وإلقاء كلمته.
حين يسأل فرهادي عن موقفه من النظام السياسي لبلده، يجيب أنه صانع أفلام وأن لا شيء سيثنيه عن كتابة الأفلام وإخراجها رغم كلّ الصعوبات والعراقيل: "ما زلت أحلم، من خلال طرح الأسئلة، أن أساعد. تعزيز الوعي هو ما يمكن أن ينقذ بلدي ويحسنه".