استمع إلى الملخص
- الاعتقالات جاءت بعد شكوى من الناشط شوقي بن زهرة، وتهدف لتفكيك "الشبكات المقربة من السلطة الجزائرية"، مما يعكس توترات سياسية بين الجزائر وفرنسا.
- تعكس الاعتقالات توتراً سياسياً حاداً بين البلدين، مع قرارات دبلوماسية واقتصادية متبادلة، وتتهم الجزائر فرنسا بإيواء نشطاء معارضين، مما يعقد العلاقات الثنائية.
تشنّ السلطات الفرنسية حملة اعتقالات تطاول مؤثرين جزائريين على مواقع التواصل الاجتماعي يؤيدون سياسات السلطة في الجزائر، بتهم تتعلق بنشر محتوى فيه تحريض على العنف ضد نشطاء جزائريين معارضين للسلطة يقيمون في فرنسا وفي الجزائر أيضاً. وتأتي الاعتقالات في أعقاب دعوات للتظاهر في الجزائر وباريس ضد السلطة، ولا يفصلها مراقبون عن سياق توتر العلاقات السياسية بين البلدين.
من اعتقلت السلطات الفرنسية حتى الآن؟
أوقفت السلطات الفرنسية حتى الآن ثلاثة مؤثرين جزائريين، إذ أوقف، الجمعة الماضي، قرب غرونوبل المؤثر الجزائري عماد تانتان البالغ من العمر 31 عاماً، بعد نشره مقطع فيديو يدعو إلى العنف والحرق والقتل والاغتصاب في فرنسا، بحق نشطاء معارضين، والتهديد بالتعرّض لهم في فرنسا. ووصف وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو، الأحد الماضي، المحتوى الذي قدّمه تانتان بـ"الوضيع"، وقُدّم المؤثر إلى المحاكمة بتهمة "التحريض المباشر على عمل إرهابي". وكشفت النيابة العامة الفرنسية أنّ تانتان دخل فرنسا عام 2021، ورفضت السلطات طلب إقامته مؤخراً، ما جعله مهدداً بالترحيل. وقُبض عليه برفقة شقيقه التوأم، وعُثِر على الأجهزة المستخدمة في تصوير الفيديو الذي حقق أكثر من 800 ألف مشاهدة، قبل أن يحذفه.
وفي مدينة بريست، أوقفت السلطات الفرنسية مؤثراً ثانياً ينشط على تطبيق تيك توك يدعى زازو يوسف (25 عاماً)، بتهمة "التحريض على الإرهاب"، بعد بثه فيديو يحرّض ضد نشطاء معارضين كانوا قد دعوا إلى التظاهر في الجزائر وفرنسا. وهدد يوسف بالتعرض لهم، ودعا السلطات الجزائرية إلى "إطلاق الرصاص" على أي متظاهر في الجزائر. وقال المدعي العام إنّ منشورات يوسف "تتضمن الدعوة إلى أعمال عنف في فرنسا والجزائر". وسيحاكم في فبراير/ شباط المقبل، ويواجه عقوبة السجن سبع سنوات وغرامة تصل إلى 100 ألف يورو (103.6 آلاف دولار). وأكدت شركة تيك توك لوكالة فرانس برس للأنباء حظر الحساب بسبب خطاب الكراهية.
ومساء الأحد، أوقف مؤثر ثالث في مونبلييه، يدعى عمي بوعلام، على خلفية نشره مقطع فيديو يدعو إلى قتل الناشط الجزائري المعارض محمد تاجديت. وأفادت النيابة العامة بأنّ الفيديو حمل تعليقات "تحرّض على العنف"، وتدرس السلطات الفرنسية سحب تصريح إقامة الموقوف وترحيله. وقال الناشط تاجديت إنه كان هدفاً للتحريض على القتل من قبل هذا بوعلام المقيم في فرنسا، وقال إنه قدّم شكوى أخرى ضده في الجزائر وضد "التصريحات الخطيرة، ليس فقط لأنها تعنيني شخصياً، ولكن لتجنب أي انحراف نحو الكراهية والعنف أو الموت".
كيف بدأت الاعتقالات؟
بدأت اعتقالات السلطات الفرنسية هذه بعد شكوى أولى قدمها الناشط الجزائري المعارض المقيم في فرنسا، شوقي بن زهرة، الذي اتهم عماد تانتان بتهديده بسبب مواقفه المنتقدة للسلطة في الجزائر. وقال السفير الفرنسي السابق في الجزائر كزافيي دريناكور، في حوار بثته قناة فرنسية، أمس الاثنين، إنّ الاعتقالات تدخل ضمن مسعى فرنسي لتفكيك ما وصفها بـ"الشبكات المقربة من السلطة الجزائرية في فرنسا"، ويقصد بها مجموعة المؤثرين، على الرغم من أنه لم يحدث أي تبنٍّ أو تظهر صلات بين هؤلاء المؤثرين والسلطة الجزائرية، التي أصدرت في السابق تشريعات صارمة تدين أي تحريض على العنف و الكراهية، في احتمالية لكون المؤثرين المعتقلين يتصرّفون طوعياً وعن جهل بالقوانين، لتحقيق شعبية على مواقع التواصل الاجتماعي، أو رغبة في التقرب من السلطة والمصالح القنصلية الجزائرية.
وهذه ليست المرة الأولى التي تحدث فيها مناوشات على مواقع التواصل الاجتماعي بين موالين ومعارضين للسلطة في الجزائر، فمنذ الحراك الشعبي في عام 2019، برز انقسام وتمايز بين الطرفين، ففيما يتّهم الموالون المعارضين بالخيانة والعمالة لفرنسا، يتهم الطرف الثاني الموالين بالتملّق للسلطة، وحدث في بعض المناسبات احتكاك بين الطرفين في الساحات العامة خلال التظاهر.
اعتقالات في سياق توتر سياسي
هذه الاعتقالات لا تنفصل عن سياقات أزمة سياسية حادة بين الجزائر وفرنسا، تترجمها تصريحات مسؤولي البلدين، منذ قرار الجزائر سحب سفيرها من باريس وخفض تمثيلها الدبلوماسي، بعد قرار باريس تأييد خطة المغرب للحكم الذاتي في الصحراء، ثم منع الشركات الفرنسية من المشاركة في الصفقات الاقتصادية والتجارية، والحدّ من الواردات الفرنسية، واستبعاد القمح الفرنسي من المناقصات الدولية للجزائر، وقرار السلطات الجزائرية اعتقال الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال المؤيد لباريس لدى عودته إلى الجزائر منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. وتتهم الجزائر باريس بعدم التعاون فيما يخص تسليم نشطاء مطلوبين للقضاء الجزائري، وبإيواء نشطاء (معارضين) ملاحقين في قضايا إرهاب وتحريض وتسريب معلومات، مثل الضابط السابق في المخابرات هشام عبود، وأمير بوخرص المعروف باسم "أمير دي زاد"، والصحافي عبد الرحمن سمار، وغيرهم.