قال رئيس تحرير موقع "برويكت" الاستقصائي الروسي، رومان بادانين، إنّه اضطر إلى مغادرة بلاده، تجنباً لأيّ ملاحقة قانونية محتملة، بعد حظر الموقع وإدراجه في قائمة المنظمات "غير المرغوب فيها" وتصنيفه مع عدد من الصحافيين "عملاء أجانب". وكشف بادانين أنّه لن يعود إلى روسيا، ويعمل على إجلاء الراغبين من كوادر الموقع إلى دولة مجاورة.
أطلق بادانين موقع "برويكت" عام 2018. ونشر عشرات التقارير والأفلام الاستقصائية عن النخب الحاكمة في روسيا، ما أثار غضب السلطات، وعرّض الموقع وصحافييه للملاحقات.
وفي تصريحات لوكالة "رويترز" الخميس الماضي، أوضح بادانين أنّه تلقى خبر تصنيف الموقع من قبل السلطات الروسية على أنّه "غير مرغوب فيه" حين كان يقضي عطلة مع زوجته وأطفاله في مدينة نيويورك الأميركية، وعلى الفور اتخذ قراراً بعدم العودة إلى روسيا، لأنّه قد يواجه محاكمة جنائية بموجب قانون أقر عام 2015، ويمنح السلطات إمكانية تغريم أعضاء الجماعات "غير المرغوب فيها" بمبالغ مالية أو السجن لمدة تصل إلى ست سنوات لتجاهلهم الحظر.
وقال بادانين إنّه لا يعرف أين سيستقر لاحقاً، كاشفاً عن محاولات لإجلاء موظفي الموقع إلى إحدى الدول المجاورة في حال وافقوا، وإنّ نائبه ميكيل روبين غادر البلاد فعلياً، وهو يقيم أيضاً في نيويورك.
يحصل "برويكت" على دعم من مؤسسة "برويكت ميديا" الأميركية التي أدرجتها وزارة العدل الروسية، في 23 يوليو/ تموز الماضي، ضمن قائمة المنظمات الأجنبية والدولية غير الحكومية ذات الأنشطة غير المرغوب فيها على أراضي روسيا الاتحادية، ما يعرض كلّ العاملين في موقع "برويكت" والمتعاونين معه للسجن. وحينها أعلن "برويكت" عبر تطبيق "تيليغرام" أنّه سيغلق الموقع الإلكتروني، لكنّه سيواصل العمل الاستقصائي بطرق أخرى.
Компания Project Media, Inc., зарегистрированная в Соединенных Штатах Америки и признанная накануне российскими властями «нежелательной организацией», находится в стадии ликвидации и более не имеет финансовых отношений с кем-либо из журналистов, работающих в России⬇️
— Проект (@wwwproektmedia) July 16, 2021
ومن المعروف أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقّع على قانون بداية يوليو الماضي، يشدد العقوبات على العمل مع المنظمات "غير المرغوب فيها"، خصوصاً من يتولى مراكز تنفيذية في قيادتها، كما شدد القانون العقوبات على التبرع والدعم المادي لعمل هذه المنظمات.
في منتصف يوليو الماضي، أعلن مكتب الادعاء العام في روسيا أنّه بعد دراسة البلاغات المقدمة إليه، فإنه قرر تصنيف موقع "برويكت" ضمن إطار المنظمات غير المرغوب فيها على الأراضي الروسية، وعزا قراره بأنّ "أعمال الموقع تشكل خطراً على أسس النظام الدستوري والأمن في روسيا الاتحادية"، وقال إنّه أرسل قراره إلى وزارة العدل من أجل إدراج "برويكت" ضمن قائمة المنظمات غير المرغوب فيها وتعميم القرار.
وأدرجت وزارة العدل في اليوم نفسه ثمانية صحافيين في سجل "العملاء الأجانب" من ضمنهم خمسة من الصحافيين في "برويكت" هم: رئيس التحرير رومان بادانين، وبيوتر مانياخين، وماريا زولوبوفا، وأولغا تشوراكوفا. وتضمنت القائمة أيضاً رئيسة تحرير موقع "أتكريتوييه ميديا" يوليا ياروش، ونائبها مكسيم غليكين، والصحافية في راديو "سفوبودا" إليزافيتا روسوفا.
ودهمت السلطات الروسية شقق بادانين ونائبه روبين والصحافية في المشروع ماريا زولوبوفا في 29 يونيو/ حزيران الماضي، تزامناً مع نشر تحقيق من قبل المشروع أشار إلى علاقات مشبوهة في الماضي لوزير الداخلية فلاديمير كولوكولتسيف، إضافة إلى إخفاء الوزير معلومات عن عقارات وبيوت يملكها في موسكو وقربها، قدّر التحقيق قيمتها بنحو ملياري روبل (نحو 27 مليون دولار).
وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قال تقرير لـ "برويكت" إنّ لدى بوتين ابنة ثالثة أنجبتها سيدة تدعى سفيتلانا كريفونوغيخ، في سانت بطرسبرغ، عام 2003، بعد علاقة منذ منتصف التسعينيات. وحسب التقرير، فإنّ الفتاة لا تحمل اسم بوتين، لكنّ والدها في الوثائق الرسمية مسجل باسم فلاديمير، وأنّها "تشبه إلى حدّ بعيد الرئيس الروسي". وتعرض الموقع في ربيع العام الحالي لهجمات قراصنة، بعد عرضه فيلماً استقصائياً حول زوجات الرئيس الشيشاني رمضان قديروف عنوانه "أسرار زوجات قديروف".
ينفي الكرملين أن تكون وسائل الإعلام مستهدفة لأسباب سياسية، ويقول إنّ أيّ إجراء اتخذ ضد وسائل الإعلام أو موظفيها نتج عن ظروف محددة، وتحفزه الحاجة إلى احترام القانون.
في المقابل، قالت سابقاً الرئيسة المشاركة لنقابة الصحافيين والعاملين في مجال الإعلام، صوفيا روسوفا، إنّ "تصنيف المواقع الإعلامية والصحافيين كعملاء أجانب يصعب عليهم الوفاء بمتطلبات الواجب المهني في التغطية المتوازنة للأحداث، ويمثل عقاباً للأفراد والمؤسسات". وأعربت في تصريحات لموقع "أتكريتوييه ميديا" عن "تضامننا (النقابة) ودعمنا لزملائنا في هذه الأوقات الصعبة".
وتتهم المعارضة الروسية السلطات بأنّها صعدت حملتها منذ بداية العام الحالي على وسائل الإعلام المستقلة والمعارضة لنهج الكرملين، واستخدمت مجلس الدوما (البرلمان) لسنّ قوانين وتشريعات تمنع عملياً القيام بالتحقيقات الصحافية المستقلة، أو إيصال المعلومة الصحيحة للمواطنين. وربط معارضون بين "الحملة المنظمة" على وسائل الإعلام، والانتخابات البرلمانية والمحلية المقررة في سبتمبر/ أيلول المقبل. ويجمع خبراء أنها انتخابات مصيرية للكرملين، من أجل ضمان عملية انتقال سياسي سلسة في 2024، في حال قرر الرئيس فلاديمير بوتين البقاء في الحكم رئيساً أو الدفع بخليفة له.
وحسب موقع "ميدوزا"، فقد أعلنت السلطات موقع "برويكت" وراديو "سفوبودا"، وصندوقين أحدهما بريطاني وآخر فرنسي منظمات "غير مرغوب فيها" في شهر يوليو/ تموز، كما أدرجت 35 صحافياً ضمن قائمة "العملاء الأجانب"، وحظرت نحو خمسين موقعاً من ضمها موقع المعارض أليكسي نافالني، و40 موقعاً تابعاً للمعارضة الليبرالية، وموقع الراديو التشيكي، وموقعين آخرين. كما أدرجت السلطات موقع "ذي إنسَيدر" ضمن قائمة العملاء الأجانب، ودهمت مكتب رئيس تحرير الموقع رومان دوبروخوتوف.
وفي 30 يوليو، حظرت السلطات المسؤولة عن الاتصالات والإعلام موقع "دوسييه" الاستقصائي، وذكرت هيئة التحرير في بيان أنهم لم يتلقوا أي إخطار رسمي يبين سبب الإغلاق، لكنها أوضحت أن الحظر لا علاقة له بأي انتهاكات، ويعود أساساً إلى "أنّنا نعرض الحقيقة بشأن الأفعال غير القانونية لضباط الاستخبارات الروسية والمقربين من (الرئيس) فلاديمير بوتين والمسؤولين". وأكدوا أنّ الحظر جاء "انتقاماً" على التحقيقات الاستقصائية. ومعلوم أنّ "دوسييه" يمول من رجل الأعمال الروسي المقيم حالياً في الخارج ميخائيل خودروكوفسكي، وأطلق عدداً من التحقيقات الاستقصائية، منها تحقيق حول مسؤولية رجال أعمال مقربين من بوتين عن قتل ثلاثة صحافيين في أفريقيا الوسطى، وضباط يشتبه في أنّهم مسؤولون عن تسميم العميل المزدوج، سيرغي سكريبال في بريطانيا، ربيع عام 2018.