القائد لم يعد خالداً في التماثيل

14 ديسمبر 2024
إسقاط تمثال لحافظ الأسد في جامعة دمشق، 10 ديسمبر 2024 (علي حاج سليمان/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- بعد سقوط نظام الأسد، شهدت سوريا فرحة عارمة حيث اقتحم المواطنون القصر الجمهوري وحطموا تماثيل آل الأسد، التي كانت رمزاً للخوف والهيمنة.
- تحطيم التماثيل كان تعبيراً عن التحرر من الخوف، حيث جرى تدميرها بالأيدي والرافعات، مما حول الفضاءات العامة إلى ساحات احتفال.
- في القرداحة ودمشق، تحطيم التماثيل كان له دلالة خاصة، حيث يمثل نهاية "الأبد السياسي" للأسد وفتح الباب أمام تاريخ جديد لسوريا.

سقط نظام الأسد. العبارة التي كانت حلماً بالنسبة للسوريين. وعلى الرغم من غموض المستقبل، فرحة السوريين لا توصف. تزامناً مع تحرير المعتقلين من الأفرع الأمنية سيئة السمعة، اقتحم سوريون مدنيون، القصر الجمهوري في دمشق، وحطّموا تماثيل آل الأسد: حافظ وباسل. تماثيل الأسد المنتشرة في كل سورية، كانت لزراعة الخوف في القلوب، وزراعة الرعب في الفضاء العام، خصوصاً بعد مجزرة حماة (1982)، إذ تكاثرت هذه التماثيل في كل مكان.

تنويعات على "القائد الخالد" في كل زاوية، وكأن عيون الجزار تحدّق في كل السوريين. حُطمت التماثيل بالأيدي، وبالرافعات، وبالحجارة. واللافت هو أن أغلبها مجوّف من الداخل؛ واجهات كرتونية تحولت إلى نكتة التقطها جون ستيوارت في حلقته عن سقوط بشار الأسد، الذي دعا إلى تدعيم التماثيل كونها تسقط بمجرد دفعة صغيرة من اليد.

هشاشة هذه التماثيل، تلك التي انهارت وبسرعة كانت مفاجئة للجميع... انهار نصف قرن من الصمت بدفعة صغيرة من اليد. هذه التماثيل التي تصل أحياناً إلى حد الصرح، هي علامة على الهيمنة على الأرض، تلك التي اكتشفنا أنها مليئة بالأنفاق. أنفاق للمعتقلين، وأنفاق للسلاح، وأنفاق لإدارة العمليات العسكرية، وأنفاق حسب تعبير بعضهم "تتسع لسورية كلها"، ليأتي التمثال هنا كحارس وطيف للموت، يضخ الذعر في قلوب المارّة.

ركب السوريون التماثيل وجروها في الشوارع، وحطموها، ورموها في القمامة. هالة "الأبد" تحطمت، وأصبحت دمية أو لعبة للتندر والسخرية، وأيضاً لـ"فش الخلق"، ومحاولة ربما لتأكيد "الانتصار" عبر تحطيم التمثال. وكأنها عملية تنظيف للهواء من الخوف، تعقيم من سنين الصمت، فكلما حطم تمثال جاد اللسان بالهتاف وصرخات الحريّة. انقلاب مفاجئ خلال أيام، تحول فيه تمثال الأسد إلى لعبة أطفال في الأرض.

الفضاءات العامة تحولت إلى ساحات احتفال وتجمع، ذاك الذي كان ممنوعاً لسنين. وفي حال حصل، لا يحصل إلا تحت أعين "القائد الخالد" القادر عبر تماثيله ورجال أمنه التحديق في "كلّ سورية".

الدراسات والأبحاث والنظريات عن تماثيل الأسد في سورية كثيرة جداً، ولطالما جرى الحديث عن تنويعاتها وأشكالها، والأهم عيوبها؛ كحجم الرأس واليدين، والتناقضات بينها لبث الخوف من جهة وتأكيد التجبّر من جهة أخرى. هذه العلامات انهارت الآن، تحول إلى محط سخرية وتندّر، إلى حد أن بعضهم بدأ ينشر ساخراً تماثيل أخرى من سورية، كصلاح الدين ويوسف العظمة، قائلاً احذروا لا تحطموها، هذه ليست للأسد. نكات كهذه لم تكن أبداً تُقال علناً، ولا حتى همساً.

أحد التماثيل التي تحطمت، كان تمثال حافظ الأسد في القرداحة، قرية حافظ الأسد في اللاذقية. هناك كان التوجس على أشدّه، القرية التي كان اسمها يزرع الخوف في قلوب السوريين، خرج سكانها لتحطيم التمثال، القرية التي عانت أيضاً من بطش الأسد، هتفت باسم الحريّة، وأزاحت الرمز الذي بقي لعشرات السنين محدقاً في سكانها حاكماً عليهم بالولاء له بقوة الخوف والبطش. تمثال آخر كان مشهد تحطيمه مثيراً، ذاك الذي في دمشق، في ساحة عرنوس، ساحة المشاة الوحيدة ربما في العاصمة التي لطالما شهدت مسيرات مؤيدة للنظام. حُطّم التمثال فيها لتعود للمارة والمشاة. هذا التمثال كان يمنع الاقتراب منه، والآن تحول رأسه إلى كرة قدم للأطفال.

تحطيم التماثيل هو تحطيم للأبد السياسي، ودخول للتاريخ الذي عطله "خلود" الأسد الذي نفى لنصف قرن أي صوت سياسي، ورسخ سطوته على الأرض تماثيلَ وسجوناً وآلاف القتلى على مرّ السنوات. اليوم لا تماثيل للأسد في سورية.

المساهمون