يعكس البيان الصادر أخيراً عن اللجنة الدولية للمتاحف ومجموعات الفن الحديث والمعاصر (CIMAM) مخاوف مجتمع الفنون حول العالم، وينبه إلى وجود أزمة غير مسبوقة ومثيرة للقلق فرضها عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة.
يحذر البيان من تداعيات هذه الأزمة على حرية الإبداع ودور المتاحف كمساحات حرة لأصوات متنوعة. يشير البيان إلى إجراءات المنع والرقابة المختلفة التي انتهجها عديد من المتاحف والمؤسسات الفنية الغربية خلال الآونة الأخيرة ضد العديد من الفنانين والقيمين في أوروبا والولايات المتحدة.
تتمثل الإجراءات، التي يشير إليها البيان، في حالات الإلغاء المتكررة للمعارض الفنية، واستبعاد فنانين وقيمين من المشاركة في الفعاليات والأنشطة، لمجرد الإشارة في منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي إلى تعاطفهم مع الشعب الفلسطيني، أو حتى مطالبتهم بوقف إطلاق النار في غزة.
يخلص البيان إلى أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة لم يؤدِّ إلى أزمة إنسانية فحسب، بل هدّد أيضاً حرية التعبير، وأثار عديداً من المخاوف المتعلقة بالرقابة في عالم الفن.
ويسلط الضوء على الارتفاع المقلق في حالات الرقابة التي تستهدف الفنانين وأمناء المتاحف الذين يعبرون عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني، لا سيما في كندا وألمانيا والولايات المتحدة الأميركية. كما يلفت إلى التأثير السلبي لهذه الإجراءات على مستقبل الإبداع؛ إذ لا تؤدي هذه الرقابة إلى قمع التعبير الفني فحسب، بل تساهم أيضاً في إثارة المخاوف لدى الفنانين، وتدفعهم إلى ممارسة الرقابة الذاتية لتجنب التداعيات المتوقعة في ظل هذه المساحات غير الآمنة.
يركز على حالات الرقابة والمنع التي حدثت في المتاحف، كما أنه يشير أيضاً إلى عديد من الحالات المماثلة في البيناليات الفنية والجامعات ومهرجانات الموسيقى والسينما والأدب والفنون وصالات العرض، وحتى دور المزادات.
ويدين بشكل واضح هذه الضغوط التي تعرض إليها الفنانون على يد هذه المؤسسات، والتي وصلت إلى حد التهديد بالعقاب بسبب دعمهم للشعب الفلسطيني أو مطالبتهم بوقف إطلاق النار، وهو الأمر الذي يرسّخ أجواء الاستقطاب التي يعيشها العالم اليوم.
من بين هذه الحالات التي يذكرها بيان اللجنة إلغاء معرض الفنان الهاييتي أناييس دوبلان في متحف فولكفانغ في ألمانيا قبل أيام قليلة فقط من الموعد المقرر لافتتاحه، بسبب منشوراته التضامنية مع الشعب الفلسطيني. يذكر البيان أنه بعد أسابيع قليلة من إلغاء معرض أناييس دوبلان، ألغى المعرض الحديث في متحف سارلاند في ألمانيا معرضاً للفنانة كانديس بريتز كان مقرراً في عام 2024، بسبب تصريحات الفنانة حول المذابح التي تحدث في قطاع غزة.
من بين مظاهر الرقابة التي يذكرها البيان، أيضاً، ما تعرضت إليه الفنانة الفلسطينية جمانة مناع في معرضها الذي استضافه مركز ويكسنر للفنون التابع لجامعة ولاية أوهايو الأميركية. ففي حين حافظ المركز على تعهداته بتنظيم المعرض، إلا أنه أرجأ حلقة نقاش كان من المقرر عقدها خلال فترة المعرض حول مسيرة مناع الإبداعية.
كما يشير البيان إلى إلغاء المعرض الفردي الأول للفنانة سامية حلبي في الولايات المتحدة الأميركية؛ إذ كان من المقرر افتتاحه في فبراير/ شباط الحالي في متحف إسكنازي للفنون في جامعة إنديانا، بسبب "مخاوف تتعلق بالسلامة". سامية حلبي هي فنانة فلسطينية تقيم في الولايات المتحدة الأميركية، وهي خريجة جامعة إنديانا وأول أستاذة في كلية ييل للفنون. وبسبب هذا الإلغاء، وقع أكثر من 10 آلاف شخص على عريضة تطالب المتحف بالتراجع عن موقفه بإلغاء المعرض.
وسط هذه الإجراءات الرقابية غير المسبوقة والمُنحازة التي اتخذها عدد من المتاحف الغربية، إلا أن هناك مؤسسات ومتاحف أخرى لم تذعن لهذا الاستقطاب، وظلت محافظة على موقفها الرافض للرقابة والمدافع عن حرية التعبير.
في هذا السياق، يأتي البيان على ذكر الموقف الشجاع الذي اتخذته إدارة متحف كونستاله في مدينة بازل السويسرية. يشيد بيان اللجنة بدعم إدارة المتحف والعاملين به لمديرهم المعين حديثاً محمد المسيبلي، وهو من أصول يمنية، في مواجهة حملة ضد اختياره قادتها إحدى الصحف المحلية بسبب مواقفه الداعمة لفلسطين.
في هذا البيان، تؤكد اللجنة الدولية للمتاحف ومجموعات الفن الحديث والمعاصر على دورها في الحفاظ على المتاحف كمنصات للأصوات المتنوعة ومساحات لتبادل الأفكار.
اللجنة الدولية للمتاحف هي هيئة تابعة للمجلس الدولي للمتاحف ومقره مدينة برشلونة الإسبانية. تأسست الهيئة عام 1962، وتتشكل من تجمع مكون من مديرين وقيّمين وعاملين في متاحف ومجموعات وأرشيفات الفن الحديث والمعاصر حول العالم.
من المتاحف التي اتخذت موقفاً إيجابياً متحف رينا صوفيا في العاصمة الإسبانية مدريد؛ إذ كرّس مدخله لتعليق عمل أنجزه فنان الجداريات الأميركي الشهير شيبرد فيري (Shepard Fairey)، ضمن مشروع "أطلقوا صوت غزة" (Unmute Gaza). أعاد شيبرد فيري تمثيل عدد من الصور المروعة التي خرجت من قطاع غزة، مضيفاً إليها رمز "صامت" في منتصفها، للتعبير عن إسكات الصوت الفلسطيني في المؤسسات الدولية، ومن ضمنها المتاحف والمراكز الثقافية في مختلف بلدان العالم، خصوصاً أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.