سجن صيدنايا: الإنسان كتلة من العظام مكوّمة في زاوية

12 ديسمبر 2024
سيدة تنتظر خبراً عن قريب لها كان مُعتقلاً في سجن صيدنايا، 10 ديسمبر 2024 (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- سجن صيدنايا: رمز الرعب والظلم
يُعتبر سجن صيدنايا العسكري في سوريا رمزًا للرعب، حيث يُعرف بأسماء مثل "الثقب الأسود". يُعد مكانًا للتعذيب والانتهاكات الجسدية والنفسية، ويُحتجز السجناء في ظروف قاسية، ويُستخدم الصوت كوسيلة للتعذيب النفسي.

- الكشف عن الفظائع والمطالبات بالعدالة
في 8 ديسمبر 2024، تم فتح أبواب سجن صيدنايا، مما كشف عن الفظائع. أكدت هيئة الدفاع المدني السوري استمرار البحث ودعت لحفظ الأدلة. تُقدّر "رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا" وفاة أكثر من 30 ألف معتقل بين 2011 و2018.

- الآثار النفسية والاجتماعية للمعتقلين والناجين
أظهرت مقاطع فيديو التأثيرات النفسية والجسدية الكبيرة على الناجين، حيث فقد بعضهم عقولهم أو ذاكرتهم. أثارت هذه الفظائع رعبًا بين الناس، خاصة مع أنباء عن سجون تحت مناطق سكنية في دمشق.

منذ أن بدأت قوات المعارضة السورية بفتح السجون، توجّهت أعين الشعب إلى سجن صيدنايا العسكري؛ ثقب سورية الأسود، أو المسلخ البشري، أو السجن الأحمر، أو سمه ما شئت، لكن من دون أن ننسى أنه الكابوس الحيّ الذي يشير إلى أعتى درجات الإجرام التي يمكن أن يتخيلها أحد.
عاد الأمل، وما أشرّ عودة الأمل حين يرجع المرء خائباً. امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بصور نساء ورجال غابوا في ظلمة السراديب، حيث لا فرق بين الليل والنهار، وحيث تتلاشى الذاكرة ويقوض الخيال، وترتسم ذاكرة جديدة وإحساس بالزمن يتحدد بدخول السجّان ومغادرته. أما الإحساس بالجسد، فتُفرد له فصول طويلة في مجلدات ضخمة، تستحضر معها أساليب التعذيب المستوردة من كل بلاد العالم، والآتية من كل الحقب الزمنية. في الزنزانة، جلّاد سادي عُبّئ دماغه بالتخوين وأوهام الوصاية على الوطن والتفوق الأخلاقي على الآخر، وحُرّض بأعلى درجات التحريض، قبل أن تطلق يده على الضحية ويمارس مهمته اليومية التي تتلخص بالتأديب والتعذيب والتعنيف لجسد رجل أو امرأة ألصقت به كل التهم الكبرى التي أودت فيه إلى هذا المكان.
على قلقٍ، وبقلب يكاد يتوقف، وخوف مصحوب بالأمل، تنتظر عائلات المعتقلين أخباراً عن أبنائها، وذلك بعدما فتح باب السجن، في اليوم التاريخي، فجر الأحد 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، وانهالت الصور على مواقع التواصل الاجتماعي، لمن قضوا سنوات وعقوداً من أعمارهم في حجرة خانقة.
لطالما ردّد السوريون على مسامع من يتفوّه بكلمة واحدة، مهما صغر شأنها، "بيحطوك تحت سابع أرض". ولطالما اعتبره كثيرون تعبيراً مجازياً، فقد مضمونه من كثرة ترديده، إلا أن الصور الصادمة، التي انتشرت مساء يوم الاثنين الماضي، لجثث وبقايا أجساد، وأشلاء، أعادت استحضار هذه العبارة، ولكن بمعناها الحقيقي الملموس.
كان من يدخل سجن صيدنايا لا يخرج منه أبداً، ولا يطلب من عائلات المعتقلين سوى أن تؤمن وتصدق أن ولدها لن يعود، ولكن لا يمكن لعقل بشري أن يتخيل، مهما بلغ خياله سوداوية، حقيقة هذا السجن، على الرغم من تكدس ما كتبه الروائيون السوريون عن أدب السجون، بيد أن الحقيقة لا توازي ملايين الكلمات.

داخل سجن صيدنايا، ديسمبر 2024 (الأناضول)

يتكون المعتقل، الذي شيّد عام 1984، من ثلاث كتل منفصلة عن بعضها (أ، ب، ج) وتلتقي عند برج المراقبة، وتسمى هذه الكتلة "المسدس" تبعاً لشكلها. في منتصف برج للمراقبة، هناك حارس هو الوحيد المسلح في السجن. تقسم كل كتلة طولياً إلى جناحين، ويقسّم كل جناح إلى عشر غرف، ويوجد في كل غرفة حمام ومغسلة ومرحاض، ويحشر في كل مهجع بين 16 و20 سجيناً، ينادى عليهم بأرقامهم، ويمنع منعاً باتاً استخدام الأسماء الحقيقية. وتبلغ مساحة الغرف نحو السبعة أمتار مربعة، وتوجد تحت الكتلة (أ) زنزانات لا يصلها الضوء، وتستخدم للتعذيب.
بالنسبة إلى "المسدس"، فهو مركز تحصيني للسجن ومخصص للسيطرة على حركة السجناء، ويتضمن زنازين تحت الأرض وغرفاً محصّنة، يُمنع السجناء من رؤية شكل هذا الفضاء ما يعزز من عزلتهم وأسرهم.
تخلو الزنازين الجماعية من النوافذ، فتتشارك كل أربعة عنابر كوّة تهوية واحدة، أما الزنازين الانفرادية، فتتميز بصغر مساحتها وانعدام الضوء الطبيعي، وتُستخدم لعزل السجناء.
صُممت الممرات بطريقة تسمح للحراس بالتحرك من دون أن يراهم السجناء، مع وضع نقاط مراقبة للتحكم في السجن بالكامل. يُجبر السجناء على تغطية أعينهم أو إبقاء رؤوسهم منخفضة أثناء التنقل. تُستخدم تقنيات هندسية لتضليل السجناء عن محيطهم.
الصوت هو الوسيلة الأساسية التي يعتمد عليها السجناء في استشعار محيطهم. يُستخدم الصوت في التعذيب النفسي، إذ يتردد في أنحاء السجن بسبب التهوية وأنابيب المياه، ما يجعل معاناة السجناء جماعية.
أكدت هيئة الدفاع المدني السوري، المعروفة باسم "الخوذ البيضاء"، الاثنين الماضي، استمرار عمليات البحث داخل سجن صيدنايا في دمشق، مشيرة إلى "أنه لا توجد دلائل على وجود معتقلين في أقبية أو سراديب حتى الآن"، فيما رصدت مكافأة مالية لمن يدلي بمعلومات عن سجون سرية في البلاد.

داخل سجن صيدنايا، ديسمبر 2024 (الأناضول)

وأضافت في بيان على منصة إكس: "نوجه دعوة خاصة لضباط الأمن السابقين والعاملين في الأفرع الأمنية للمساعدة في الوصول إلى هذه السجون السرية، إذ نؤكد أهمية هذه المساهمة وضرورتها، ونضمن لهم حفاظنا على سرية المصادر".
وطالب أهالي الضحايا بعدم الحفر في السجون أو المساس بها، معتبرة أن "ذلك يؤدي إلى تدمير أدلة فيزيائية قد تكون أساسية للكشف عن الحقائق ودعم جهود العدالة والمحاسبة".
وتقدّر "رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا" أن أكثر من 30 ألف معتقل إما أُعدموا، أو قضوا نتيجة التعذيب، أو نقص الرعاية الطبية أو الجوع بين عامي 2011 و2018 في سجن صيدنايا.
قالت الرابطة إنه "يُعتقد أن نظام الأسد أعدم ما لا يقل عن 500 معتقل إضافي بين عامي 2018 و2021"، وفقاً لشهادات ناجين وثقتها الرابطة. قال أحد الناجين من سجن صيدنايا إن أساسات السجن شديدة المتانة ويحتاج آليات كبيرة لفتحه، وطالب بتدخل من المجتمع الدولي للمساعدة بفتح الأقبية التي تصل وفق تقديرات الناجي إلى ثلاثة طوابق تحت الأرض.
انتشرت خلال الأيام الماضية مقاطع فيديو وصور لناجين من سجن صيدنايا، منهم من فقد عقله وآخر فقد ذاكرته، فيما تعرض جميعهم لرضوض نفسية وانتهاكات جسدية كبيرة.
كان من بين المقاطع المصورة فيديوهات لسجناء لا يعرفون بسقوط الأسد، إذ أظهر فيديو مصور لكاميرات المراقبة في السجن، وجود أعداد كبيرة من المعتقلين الذين يتجولون في زنازينهم كأي يومٍ عاديّ.

داخل سجن صيدنايا، ديسمبر 2024 (الأناضول)

وخرج معتقل قبل أن ينفذ حكم إعدامه بيوم واحد، وأصبح أكبر معتقل في صيدنايا، وهو الطيار السوري رغيد الططري، الذي اعتقل في عشرينياته وقضى 43 عاماً في السجون والمعتقلات السورية.

بعدما فتح باب السجن وبدأت إطاحة اللثام عن خفايا واحد من أشهر صروح الاستبداد، تناقل رواد مواقع التواصل الاجتماعي أنباء عن وجود سجون تحت مناطق سكنية في دمشق، ما أثار رعباً بين الناس، الذين عبروا عن تخوفهم من أن يكونوا قد نعموا بالحياة الأسرية فوق جثث ومسالخ وويلات سوريين آخرين.
تساءل رواد مواقع التواصل الاجتماعي: "أين نعيش؟"؛ فهؤلاء الذين لم يذوقوا لوعات المعتقلين وذويهم، لم يعرفوا شيئاً عن الآلام والآمال المجهضة والانكسار الذي يعيشه من فقد ابنه في معتقل.

المساهمون