مرة أخرى، تطلق المغنية المغربية سميرة سعيد (1958)، أغنية جديدة تُشكل صدمة للجمهور. صاحبة "قال جاني بعد يومين" تحاول في كل مرة أن تُبهر وتُفاجئ بلحن غير مستهلك وبموسيقى تجمع كل ألوان أو إيقاعات الدارج في هذه الأيام. بعبارة أخرى: تحاكي المرأة الستينية الأجيال بذكاء، وتنتظر بالتالي ردود الفعل. وكأن سميرة سعيد تقف بعد كل جديد بعيداً، لتثبت أنها على صواب، وأن ما تقدمه من أغان جديدة في مسيرتها هو نوع آخر من التغيير، يجب أن يُسلّم به الجمهور.
عام 2016 تعاقدت سميرة سعيد مع شركة "روتانا" والتي أصدرت لها ألبوم "ما حصلش حاجة". الألبوم تحول إلى واقعة إثبات المتغير، أو التحوّل في المسار الفني لسميرة سعيد، بعد غيابها عن إصدار ألبومات. هكذا تحوَّل الصراع على المنافسة الغنائية داخل شركة "روتانا" وبين منتسبيها إلى حالة تفرد قدمتها سعيد للشركة السعودية، وحققت من خلالها حضوراً قويًا وعبوراً مريحًا مع الشركة، بعد أن انتهى العقد قبل وقت، وعادت سعيد هذه المرة للعمل مع الشركات أو المنصّات لتقديم وتنفيذ أعمالها.
"الساعة 2 بالليل" هي آخر أغنية تصدرها منصة "سبوتيفاي" على المواقع البديلة. الأغنية من كلمات تامر حسين وألحان عزيز الشافعي. وفيها تختبر سميرة سعيد مرة جديدة الأسلوب الواقعي لسيدة تشعر بالملل، وتنقل ذلك من خلال الأغنية في لحنها وكلماتها بعيداً عن مناجاة الحبيب أو الاعتماد على التقليد في استنساخ الأغاني، كما هو حال زملائها من المغنين. إيقاع سريع ورؤية امرأة وحيدة بعد منتصف الليل بكلام بسيط جداً. كلامٌ يجعل المستمع يتأمل أمام نفسه ويستعيد حالة أو أوقات مرَّ بها.
الواضح أن سعيد مستمرة في هذا النوع من الانقلاب الموسيقي الذي يحاكي جيل الهواتف الذكية والمنصّات. فبعد خمس سنوات، أعادت الضوء إلى حضورها بشكل مغاير لزميلاتها وحتى اللواتي يصغرنها في العمر، وفتحت الباب أمام مزيد من الأنواع الغنائية والموسيقية والجمل اللحنية والإيقاع المتسارع، وذلك لرغبة منها في خطف نجاح يبقيها على قمة الهرم الغنائي، وحصد مزيدٍ من التساؤلات، واعتراف "الزميلات" بهذا النجاح لـ"الديفا" التي تسعى دائمًا لقلب الصورة لصالحها. لم تدخل سميرة سعيد في السنوات الأخيرة، ولا حتى قبلها، "موضة" الغناء باللهجة الخليجية، في الوقت الذي حملت مجموعة من المغنيات المغربيات لواء هذه الأغنية، وساعدن في انتشارها في الوطن العربي، بل وينافسن مغنيات الخليج.
لا شكَّ أن سعيد التي عاصرت "جيل العمالقة" وجلست أمام الموسيقار محمد عبد الوهاب وبليغ حمدي، وتبناها فيما بعد هاني مهنا، تبقى حالة خاصة بين مجموعة كبيرة من المغنيات اللواتي حملن الموهبة المغربية بداية، ودخلن البوابة المصرية من بابها الواسع. واستطاعت على مدى أربعين عامًا البقاء ثابتة في عالم فني يعاني من الرمال المتحركة، والحروب خصوصاً أمام المغنيات الوافدات إلى القاهرة. وما يفرضه ذلك من صلابة وصبر ورغبة وراء النجاح والاستمرار، وخطف الخبرة والتعاون مع الشعراء والملحنين المصريين تحديداً.