امرأتان، جورجيّة وصينية، وحيدتان جميلتان، تكدحان لكسب رزقهما، وتُعامَلان بعداءٍ من محيطهما. إحداهما عزباء، والثانية متزوّجة من عدوّ. فاتنتان، تُحبّهما الكاميرا. إحداهما تسكن قريةً، والأخرى تسكن مدينةً عملاقة. في الحالتين، اخترقت الممثلة مزاج الشخصية التي أدّتها، وحملت الفيلم على كتفيها في 90 دقيقة، بكفاءة. هذا الاختراق العميق لمعيش النساء يُصنِّف فيلماً ضمن سينما المرأة. عُرض الفيلمان في مسابقة الأفلام الطويلة، في الدورة الـ16 (13 ـ 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2023) لـ"المهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا" (المغرب).
الجورجيّة امرأة عزباء عذراء (إيكا تشافيلشيفي)، تبلغ 48 عاماً، وتعيش أول قصّة حبّ. في Blackbird, Blackberry، لإيلين نافارْياني (2022)، تُدير دكّاناً في قريةٍ معزولة ميتة. استخدمت المخرجة كادرات عامة، تظهر فضاء واسعاً، لتكون رتابة الزمن مُبرّرة. هناك، ينشغل القرويون بمشاكل جيرانهم، أكثر من مشاكلهم. كانت موضوعاً لنكات جاراتها وتعليقاتهنّ. جارات يلعبن ورق الشدة، ويُعلّقن على الأخريات. النميمة أرخص تسلية. "النساء هنّ الجحيم اليومي. الرجال جالسون في المقاهي". ترفع صورتَي أبيها وشقيقها، في بيتها، يوماً واحداً كلّ أسبوع. أي اليوم الذي ربما يزورانها فيه.
تشعر بحبّ أول وأخير. إنّه حبّ الخريف الأخير لسائق شاحنة عابر. هل تستثمره، أم تُبدّده؟ من يتشجّع يحصل على جائزة، وتوبيخ. فجأة، يزورها والدها وشقيقها، حين عرفا أنّها وقعت في الحبّ، فجاءا لتوبيخها.
فيلمٌ بإيقاع بطيء. هذه سينما المُخرج المُؤلّف. إيقاع بطيء، لكنّه غير مملّ، لأنّ قوة أداء الممثلة لمشاعرها، في عزلتها القاسية، يُنقذ الفيلم. هناك، لا تفعل شيئاً. تزرع في اللقطة مسكوتاً عنه، يُخاطب لاوعي المتفرّج. امرأة وحيدة. فهمت الممثلة السيناريو وأدّته باقتصاد وتركيز. استحقّت تشافيلشيفي جائزة أفضل أداء نسائي، مناصفة مع ليلي غلادستون، عن دورها في Fancy Dance لإيريكا تْرامْبلاي (2023).
امرأة مُعتزّة باستقلاليتها. لا تشبه الصورة النمطية للمرأة، التي لا تطلب من الدنيا إلا زوجاً، وحين يأتي، تطلب منه سكناً وطعاماً وذهباً، وخدمة أمها. ثمن الاستقلالية أنْ تبقى وحيدة. لا تطلب الشفقة. إنّها راضية بما لديها، في بيئةٍ مليئة بأشجار كثيرة.
في Green Night، للصينية هان شوآي (2023)، تعيش امرأة صينية في مدينة سيول، مع زوج كوري يعاملها كما تعامل الصين كوريا الجنوبية. تصبر المرأة. تنتظر أنْ يعاملها الزوج بحنان، كما تعامل الصين كوريا الشمالية. تعمل المرأة في مجال صعب، يُسبّب لها مشاكل في حياتها. تتعرّف على شابّة، لها طبع مناقض، فيتشكل ثنائي: عاقلة ومغامرة، حذرة ومندفعة، مخطِّطة ومزاجية. تمضيان الوقت معاً. ليس لديهما ما تخسرانه، غير سلامتهما الجسدية. تغامران، وتجدان الحلول فجأة. تحلّ مآزق كثيرة صدفةً، والصدفة ليست حافزاً درامياً. يُعثر صدفة على ما يقود إلى كشف سرّ. الصدفة وسيلة إنقاذ مؤقّت. ربما تفيد مرّة، كما مع كنز "فاريا" في رواية "كونت دي مونت كريستو" (1844) لألكسندر دوما. لكنّ تكرار الصدف، لحلّ العقد، يضعف مصداقيتها.
في مجتمع نسوي، فقدت صورة الرجل، المعتدي جنسياً، مصداقيتها، لأنّ قانون العرض والطلب الجنسيّين يؤدّي فعله. عملياً، تُفضّل البطلة أنْ تتسامح مع مغتصبها، على أنْ تكون مع امرأة مثلية جنسياً، تلتهم النقانق في كلّ وجبة، وعلى وجهها مسحة قرف. ليس الأمر شذوذاً، بل تقارب شخصيات، قَهَرتها الوحدة. السؤال: هل تُمثل المثلية الجنسية للمرأة حَلاً للعنوسة، في مجتمع ذي أغلبية نسائية؟ حين يصير كلّ شيء مباحاً في المجتمع، ماذا ستتناول الدراما؟ ستعرض شلالات دم، أو ستنقرض.
عنف الثلث الثالث من الفيلم مُتولّد مما سبق. تفَكَّك المجتمع، وانتشر العنف. في هذه البيئة، تبقى الشرطة الحلَّ. في الواقع، كما في الأفلام، يصل رجال البوليس إلى الموقع بعد وقوع الجريمة. حين يفوت الأوان، تصير تربية كلب صغير حلاً حنوناً. ما الذي يجمع الفيلمين، أحدهما بالآخر؟
سينمائياً، تؤدّي كلّ ممثلة الدور كأنّه مكتوب لها. سردياً، هناك تكثيف كبير في الحكاية. ليس سهلاً كتابة سيناريو ينحت شخصية وحيدة مُقنِعة. تحصل الأفلام التي تنحت شخصية واحدة ببطء على جوائز المهرجانات. يمدح بوالو ذلك في كتاب "فنّ الشعر" (1674): "إنّي أفضل الجدول الهادئ/ الذي يتداعى وسط الحقول/ أكثر من الهدير المتدفّق العاصف/ الذي يجرف وراءه الأرض الطينية" (ص 23). يرفض بوالو الهدير والضجيج، و"الكثرة التي تُفقر المادة" (ص 55). الكثرة تُشوّش. لذا، تحذف أفلام سينما المؤلف كلّ ما يُشوّش، والنتيجة: تهَيْمن الممثلة على الشاشة.
في الكادرات، لا تفصل المخرجتان الممثلتين عن الديكور. الوجه بطل الفيلمين، الذي يكشف كلّ المشاعر المختزنة في قلبي الجميلتين. يتشابه مشهدا البداية والنهاية. هذا سرد دائري ضروري. هناك أحد عشر كوكباً في الرؤيا، وأحد عشر أخاً عدوّاً جاثياً في المشهد الختامي. السرد الدائري أكثر فعالية.
يؤكّد مَثلان، مغربي وصيني، أنّ الزواج من امرأة غير جميلة يُقلّل المشاكل في البيت. يبدو أن هذا يجعل النساء الأجمل وحيدات.