يلاحظ متابعو الإعلام المصري تغيراً كبيراً في لهجته تجاه ما يحصل في غزة، إذ يدين الخط العام لخطابه العدوان الإسرائيلي منحازاً للفلسطينيين، وذلك مقارنة بخطاب، في أوقات العدوان السابقة، كان يبدو أقرب إلى الحياد، عبر بث رسائل شبه موحدة، مفادها أن على مصر البحث عن مصالحها، وأن على الفلسطينيين تولي أمورهم بأنفسهم، إلى حد أن المذيع المقرب من النظام، أحمد موسى، كان يطالب بعدم الاعتناء بغزة التي وصفها بـ"أكبر معسكر لتدريب الإرهابيين"، مطالباً بالقضاء على حركة حماس.
وتتبنى وسائل الإعلام، المملوكة للدولة أو لشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، ذراع الاستخبارات، خطاباً داعماً للمقاومة وحقوق الشعب الفلسطيني، حتى إن قناة القاهرة الإخبارية باتت تصف الجيش الإسرائيلي بجيش الاحتلال، في تغير لافت في استخدام المصطلحات، ولا يقاطع مقدمو برامجها ضيوفهم عندما يصفون إسرائيل بالعدو الصهيوني.
وتبارت وسائل إعلام مملوكة للدولة المصرية في توجيه انتقادات لاذعة للإجرام الإسرائيلي، في تماه مع التوتر الذي شاب العلاقات المصرية الأميركية والإسرائيلية، عقب إعلان مصر رفضها توطين الفلسطينيين في سيناء، إذ توجه انتقادات شرسة وغير معهودة لواشنطن وتل أبيب، مع رفض وصم "حماس" والمقاومة الفلسطينية بالإرهاب، وتقديم تحية لصمود الشعب الفلسطيني وتمسّكه بأرضه ضد مجازر جيش الاحتلال، ورفضه توطين أهل غزة في سيناء.
غير أن الأمر يختلف حينما يتعلق بالعلاقات المباشرة مع إسرائيل، إذ تبنت وسائل إعلام خاصة، ومقربة من السلطة، الرواية الإسرائيلية، وخاصة عند وقوع اعتداءات مباشرة ومتكررة على معبر رفح، أو ما جرى أخيراً من قصف بـ "الخطأ" لبرج مراقبة مصري، بحسب الرواية الإسرائيلية.
وتبنّى أحمد موسى الرواية الإسرائيلية فيما يتعلق بقصف برج مراقبة مصري في معبر رفح، بل وسرد وقائع سابقة، منها واقعة قتل مجندين أهدافاً إسرائيلية في سيناء والإسكندرية، لتبرير إمكانية وقوع "الخطأ"، وهو ما جرّ عليه انتقادات لاذعة. وشدد زميله إبراهيم عيسى، عبر حسابه في منصة إكس (تويتر سابقاً) على ضرورة "ضبط النفس في مواجهة الاستفزاز والابتزاز مهمة الدولة المصرية الآن"، وهو ما يعني أنه يتبنى بشكل غير مباشر الرواية الإسرائيلية. وفي وقت سابق هاجم عيسى، في إحدى حلقات برنامجه على قناة الحرة الأميركية، ما أقدمت عليه "حماس"، منتقداً من يرون أن الصراع مع إسرائيل ديني في جوهره، وهو انقلاب على موقف قديم له مثبت في بعض مقالاته وكتبه.
المفاجأة كانت في مواقف مذيعين وصحافيين لهم آراء صادمة للجماهير عادة، فعمرو أديب ومصطفى بكري سجلا ردات فعل مغايرة، فطالبا بعدم السكوت، وبالرد على استفزازات الجانب الإسرائيلي.
وعلق العميد السابق لكلية الإعلام في جامعة قناة السويس، حسن علي، على أداء الإعلام المصري في التعاطي مع العدوان الإسرائيلي على غزة بأنه ليس كتلة واحدة، بل إن هناك تبايناً في تعاطيه مع الأزمة، فهناك في وسائل الإعلام المملوكة للدولة من أبدى قدراً غير مسبوق من التعاطف مع القضية الفلسطينية، متجاوزاً سقوف المواجهة السابقة مع الاحتلال في قطاع غزة، في حين حاول الإعلام الخاص والمملوك لرجال الأعمال إمساك العصا من المنتصف، وعدم تهديد مصالح ملاكه مع الغرب.
وضرب حسن علي مثالاً بقناة القاهرة الإخبارية الجديدة التي أبدت –برأيه- حالة متطورة في التعامل مع تطورات العدوان على غزة، رغم حداثة تجربتها، إذ بدت منحازة بشكل كبيرة للفلسطينيين والمقاومة في غزة، وانتقدت مجازر من أسمته بجيش الاحتلال ضد أهالي غزة، وقدمت تغطية متميزة للحدث على مدار 24 ساعة. وأضاف متحدثاً لـ"العربي الجديد": "تكرر الأمر في تعاطي قناة النيل باللغة الإنكليزية، وكان أداؤها إيجابياً لجهة تأدية الرسالة الإعلامية بشكل مهني لحد كبير، وإن ظلت محكومة بثوابت الدولة المصرية من دعم صمود الشعب الفلسطيني، وإدانة الإجرام الصهيوني تجاه غزة، من خلاله متابعة الأحداث وتحليلها، ونقل رسالة للعالم باللغة الإنكليزية بشكل مهني ويحترم الأكواد الإعلامية عن مجازر الاحتلال ضد أطفال غزة وبنية القطاع التحتية، بل ووصل بها الأمر لوصف المقاومين الفلسطينيين بالمجاهدين".
ولفت المتحدث إلى أن القنوات الرسمية المملوكة للدولة لعبت دوراً مهماً في فضح الأكاذيب الصهيونية فيما يتعلق بقيام المقاومة بقطع رؤوس الأطفال واغتصاب النساء، و"هذا غير متوقع، إذ انتقدت تبني الرئيس الأميركي جو بايدن الراوية الإسرائيلية، وانتقد ضيوفها العدوان، ووصفوا إسرائيل بالكيان الصهيوني، من دون أي ملاحظة من مقدمي البرامج".
بيد أن العميد السابق لكلية الإعلام وجه انتقادات لتعاطي الصحف القومية ووسائل الإعلام الخاصة مع العدوان، فقد التزمت بالبيانات الرسمية والخط العام للدولة المصرية، وكان وصفها خجولاً للإجرام الصهيوني، وقد يكون ذلك قد جرى بتعليمات رسمية حرصاً على إحداث توازن.
ولم يرتق الإعلام الخاص المملوك لرجال أعمال للأداء المطلوب، بحسب أستاذ الإعلام، وحاول إبداء نوع من التوازن، بل ووصل به الأمر لتبني وجهة نظر الجيش الإسرائيلي في بعض الوقائع، ومنها واقعة العدوان على معبر رفح، وقد يكون ذلك محكوماً بمصالح ملاك القنوات وعلاقاتهم الوثيقة بمؤسسات وشركات عالمية، لدرجة أنهم بدوا أقل موضوعية ومهنية من قنوات إسرائيلية فتحت الباب أمام أصوات تدافع عن المقاومة الفلسطينية، في إطار إظهار الرأي والرأي الآخر.
ورأى العميد السابق لكلية الإعلام في جامعة القاهرة، حسن عماد مكاوي، أن وسائل الإعلام المصرية شهدت تحسناً في تعاطيها مع العدوان الإسرائيلي على غزة، مقارنة بتعاملها مع أحداث مماثلة جرت في السابق، "فمثلاً وجدنا لقنوات بعينها مراسلين في غزة يقومون بتغطية الأحداث على مدار 24 ساعة، بعد أن كانت القنوات المصرية تغطي الحدث عبر مندوبيها في الداخل".
ووصف، في حديث لـ"العربي الجديد"، تغطية بعض القنوات المصرية للأحداث بالمُرضية، في ظل إمكانياتها المتاحة، وإن كانت هذه القنوات قد رفعت السقف بشكل غير معهود ضد العدوان الإسرائيلي، وانتقدت جرائمه بشكل واضح، وهو ما لم يحدث بهذه الصورة في المرات السابقة، وبدت منحازة للحق الفلسطيني ووجهة نظر الدولة المصرية في معظم الأحيان، وهذا أمر طبيعي في الصراعات، وإن كان بشكل أقل انحيازاً من وسائل الإعلام الغربية والإسرائيلية، التي تبنت وجهة النظر الصهيونية في شيطنة المقاومة، في مخالفة فجة للمعايير المهنية.
وأوضح أن القنوات المملوكة للدولة كان متوقعاً منها أن تبدو متقيدة بالتزامات الدولة المصرية واتفاقيات السلام مع إسرائيل، إلا أنها تبنت وجهة نظر مدافعة عن حق الشعب الفلسطيني، وفاضحة لجرائم الاحتلال بالقدر المتاح، وكان أداؤها أفضل من الإعلام الخاص المرتبط بمصالح ملاكه، التي دفعت لمواقف محايدة من تطورات الأحداث في غزة، بشكل أثار غضب الرأي العام، خصوصاً مع محاولة تطويق الغضب الشعبي تجاه تكرار ضرب إسرائيل معبر رفح.
ومع هذا، رأى مكاوي أن أحداث غزة وغيرها أكدت ضرورة وجود قناة رسمية مصرية ناطقة باللغة الإنكليزية واللغات الحية المختلفة، لتوضيح وجهة النظر المصرية والعربية من الأحداث الجارية، "فنحن لا يجب أن نستمر في الحديث مع أنفسنا، بل يجب أن نوجه إعلاماً راقياً للغرب، يعرض وجهة نظرنا للرأي العام العالمي، ولا يتركه لوسائل الإعلام الغربية المنحازة للرواية الإسرائيلية".