- محمد جبالي، مخرج فلسطيني، يعكس في أفلامه الوثائقية الحياة تحت الاحتلال والتحديات اليومية، مركزًا على الأمل والإيجابية رغم الصعوبات.
- يشارك جبالي تجربته الشخصية في التعامل مع الوضع في غزة والمنفى بالنرويج، مؤكدًا على أهمية الفن والثقافة في التعبير عن الهوية والنضال من أجل الحرية.
منذ اندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزّة، ردّاً على "طوفان الأقصى" (7 أكتوبر/تشرين الأول 2023)، اتّخذت صحفٌ ومجلّات غربية موقفَ دولة الاحتلال، من دون تنقيب عن حقائق ووقائع، يُفترض بقواعد المهنة ومفرداتها وأخلاقياتها البديهية أنّ تحثّ على تنقيبٍ وتأكّد. لكنّ الجريمة الإسرائيلية الحالية، المتمادية بعنفٍ لا شبيه له في الحروب الإسرائيلية السابقة، غير قادرة على مزيدٍ من التزام أعمى لسلطاتٍ غربية، ما جعل صحفاً ومجلات أجنبية تُغيّر، ولو قليلاً، من سياساتها التحريرية، مانحة الفلسطيني ـ الفلسطينية مساحةً مقبولة، وإنْ تكن أقلّ من اللازم، لقول رأي وشعور، وللتعبير عن موقف وحالة.
"كورييه أنترناسيونال" (مجلة أسبوعية فرنسية، تنشر ترجمات فرنسية لمقالات متنوّعة، منشورة في صحفٍ ومجلات غير فرنسية) خصَّصت ملفاً من 12 صفحة بفلسطين، عنوانه "أنْ تكون فلسطينياً"، في عددها 1740 (7 ـ 13 مارس/آذار 2024)، يتضمّن بوحاً وتحليلاً ونقاشاً، في مواضيع مختلفة، منها حوارٌ خاصّ بالمجلة نفسها مع الفلسطيني محمد جبالي، مخرج "الحياة جميلة" (2023)، الوثائقي الأخير له، الفائز بجائزة أفضل إخراج (5 آلاف يورو)، في المسابقة الدولية للدورة 36 (8 ـ 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2023) لـ"مهرجان أمستردام الدولي للأفلام الوثائقية (IDFA)"، والمعروض في الدورة 22 (8 ـ 17 مارس/آذار 2024) لـ"مهرجان الأفلام والمنتدى الدولي لحقوق الإنسان" في جنيف.
هذا حدثٌ، لـ"كورييه أنترناسيونال" نفسها حضورٌ فيه شريكاً أساسياً: "أفلامٌ معروضة، وطاولات مستديرة مُنظَّمة بهدف تغذية النقاش حول الحقوق الإنسانية في العالم"، كما في تعريفٍ رسمي بالمهرجان، الذي (التعريف) يُضيف أنّه، إلى حربي غزة وأوكرانيا، "هناك العنف البوليسي، والذكاء الاصطناعي، والنسوية أيضاً"، بوصفها مواضيع أساسية.
مولودٌ في مدينة غزّة عام 1990، يتعلّم محمد جبالي السينما بعصاميّة، في إطار تعاونيّ. منذ عام 2014، يُقيم في النرويج، التي يدرس السينما فيها، علماً أنّه يتابع حالياً تكويناً في الفنون الجميلة. في أوّل وثائقي طويل له، "إسعاف" (2016)، يتابع يوميات مُسعفين في قطاع غزة في الحرب عليه، صيف 2014.
عن "الحياة جميلة"، يقول بيان لجنة التحكيم (IDFA)، المؤلّفة من إيميلي بوحيس وفرانشيسكو جيا فيا وتابيثا جامسون وأدا سولومون وكسياشوياي وانغ، إنّه "تعبير سينمائي، في الوقت المناسب، عن الحاجة العالمية إلى الاعتراف بإنسانيتنا الكاملة". يُضيف البيان أنّ الفيلم "إدانة مقنعة للهياكل البيروقراطية والسياسية التي تنكر ذلك"، وأنّ فيه "نغمة إخراجية تتمكّن، بصورة شبه مستحيلة، من العثور على الأمل والفكاهة، وسط ألم لا يمكن تصوّره". إنّه (الفيلم) "حاجة ملحّة".
أول سؤال في حوار "كورييه أنترناسيونال" معه، يحاول معرفة كيفية عيشه، في هذه الأيام، إزاء الوضع الحالي في غزّة: "لا أتمكّن من السيطرة على ذهني. هذا صعبٌ جداً في الاستمرار في العيش بصورة طبيعية. هذا يؤثّر على كلّ مظاهر حياتي. هناك أيامٌ لا يُمكنني فيها الاتصال بعائلتي، لأن وسائل الاتصال وشبكة الإنترنت مقطوعة. جدّي توفّي قبل أسابيع، لأنّه أُصيب بمرضٍ، ولم يتمكّن من الحصول على علاجٍ، إذْ لم تعد هناك مستشفيات. أصدقاء مُقرّبون مقتولون في هذه الإبادة. لا أملك أدنى فكرة أين يوجد بعض الأقارب حالياً".
لكنْ، ماذا يعني أنْ يكون المرء فلسطينياً، وأن يُقيم في الشتات، اليوم؟ "وُلدت ونشأت في غزّة. إنّها هويتي. هذا وقتٌ عليّ فيه أنْ أقاتل من أجل هويتي. الطريقة الوحيدة عندي لأفعل ذلك كامنةٌ في الاستمرار في الكلام عن حيواتنا، وفي إظهار أحزاننا ونضالاتنا، لتعبئة أناسٍ أكثر، كي نحصل على حريتنا، التي نناضل من أجلها منذ 75 عاماً".
"الحياة جميلة" يُظهر عوائق التنقّل التي يعانيها الفلسطينيون، و"السخافة" الناتجة عن ذلك بالنسبة إليهم، كما في قول للمجلة الفرنسية نفسها، يُذكِّر (القول) أنّ جبالي "يعلق" في النرويج عام 2014، بعد تلبيته دعوة في إطار تبادل ثقافي: "(حينها) أمرتك الدولة بمغادرة البلد، في حين لا توجد أي إمكانية للوصول إلى غزّة بسبب الحرب". يقول جبالي إنّهم وضعوه في كُشك خاص بمن لا يملكون جنسية، وإنّه ناضل من أجل حقّه في الوجود، ووَاجَه أوراقاً وكلمات تُجرّده من إنسانيته: "عليّ بالتأكيد أنْ أقاتل بقوّة أكبر. لا أستطيع التخلّي عن هويتي، لأنّ هناك من يريد أنْ يُعينني في حالتي هذه فقط، أو أنْ أعيش بطريقة معينة. أريد أنْ أختار طريقي الخاصة بي، وأنْ أصنعها كما أرغب في ذلك".
عن الوثائقي الأخير، وكيف جاءته فكرة تصويره كسجلّ لمغامراته، وما الذي أراد إظهاره للجمهور، يقول جبالي: "في غزّة، كنتُ سعيداً أكثر من أيّ مكان آخر، فهناك حياتي كلّها. بالتأكيد، هناك قيود وتحدّيات كبيرة، لأننا نكبر مع حروب متتالية، ونشاهد القنابل تسقط علينا، لكنْ، نحاول جميعنا أنْ نعيش حياة تكون طبيعية قدر المستطاع". يُضيف أنّه في غزّة، تعلّم أنْ يكون إيجابياً، وأنْ يبقى متفائلاً.
وماذا عن المنفى؟ فالمخرج الشاب يُقيم في النرويج منذ 10 أعوام، وفي فيلمه الأخير كلامٌ عن صعوبة أنْ يكون المرءُ في المنفى: "كيف تعيش المنفى؟". يُجيب: "أحاول أنْ أحافظ على صلة مع ما يكون أكثر حميمية. مثلاً: أنْ أطبخ طبقاً من عندنا، بالمذاق نفسه الذي كانت تصنعه الوالدة. بالمذاق، يمكنني العودة إلى فلسطين لحظة، وبالموسيقى ونشاطات ثقافية أخرى أيضاً. هذا ما أظهره في الفيلم، تماماً كما التجارب التي أمرّ بها".