بعد عقود ظلَّ فيها مسُّ الكاميرا بالنسبة للنساء في الصومال شبه محرّم، بدأت الكثير من الإعلاميات أخيراً خوض مجال التصوير الاحترافي والمزاحمة في مجالٍ كان حكراً على الرجال لفترة طويلة. إذ أصبح هناك 150 مصوّرة تعمل في الصومال، من خلال استخدام الكاميرات الرقمية، لسهولة وزنها وتكاليفها المناسبة، إلى جانب إمكانية ضبط إعداداتها بسهولة وبخاصية التصوير الأوتوماتيكي، والتي سهلت عمل الكثير من الصحافيات في عموم البلاد.
ونتيجة عدم تكافؤ الفرص بين الجنسين في الصومال، لجأت الصحافيات إلى مجال التصوير لكسر البطالة. وذلك بعد أن حققت مصورات كثيرات نجاحاً في عالم التصوير الرقمي وتأسيس شركات خاصة، تعمل في تصوير الحفلات وتجهيز المناسبات وإنتاج الخدمات الإعلامية للشركات المحلية، وهو ما دفع نساء صوماليات إلى دخول معترك هذه المهنة.
تقول خضرة أحمد بيد، التي تعمل مصورة في إحدى الشركات المحلية، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنها انضمت إلى مجال التصوير عام 2018 بعد عودتها من السعودية. "كان هناك القليل من المصورات في البلاد، وكان هناك فراغ كبير في الوسط الإعلامي لإيجاد مصورات قادرات على تصوير المناسبات الخاصة بالنساء، وكان المصورون هم المتاحين فقط، وهو ما خلق حاجة ضرورية لإيجاد مصورات محترفات، جنباً إلى جنب مع أقرانهن من الذكور، الأمر الذي دفعني إلى خوض هذه التجربة، التي أثرت في حياتي وغيّرت بشكل كبير نحو الأفضل". وتضيف أن الجانب المادي والمردود المالي في مقابل عملها كمصورة لا يحدث فرقاً كبيراً في استمرار عملها، لأداء المهام المنوطة بطريقة احترافية، "لكن هذه المهنة وفرت لي شخصياً عائداً مالياً لتدبير احتياجات أطفالي، وتسديد رسوم التعليم، ويمكن القول إن العمل في هذا البلد كمصورة مدهش للغاية".
بدورها، تقول أيان فارح، التي انضمت إلى عالم التصوير عام 2019، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن هذه المهنة تناسبها، وتأمل أن تطورها من خلال مواصلة تجاربها في تنمية مهاراتها في التصوير من جهة، ومن خلال التدريس الجامعي من جهة أخرى. وتدرس فارح حالياً في كلية الإعلام في الجامعة الوطنية الصومالية، بهدف تنمية مهاراتها الفنية ورفع مستواها الأكاديمي، وذلك من أجل البحث عن مستقبل أفضل بعد تخرّجها في الجامعة في المؤسسات الإعلامية المحلية.
تحديات جمة
تقول خضرة بيد إن ثمة تحديات تواجهها المصورات خلال أداء عملهن في البلاد، أبرزها إعراب أصحاب المناسبات عن "خوفهم" من تصويرها من قبل نساء. كما أن التحدي الآخر يكمن في الظروف الأمنية التي تعيش فيها العاصمة مقديشو، وأن بعض المناسبات تقام في أوقات متأخرة من الليل، وهو ما قد يصعّب أحياناً عمل المصورات الميداني. وتوضح خضرة قائلةً "رغم وجود تلك العقبات والتحديات التي تلفّ عمل المصورات الصحافيات في البلاد، إلا أن الإصرار وعدم الاستسلام هما من جسور العبور نحو الاحتراف، إلى جانب المثابرة، وتذليل تلك التحديات رغم ضخامتها".
نتيجة عدم تكافؤ الفرص بين الجنسين في الصومال، لجأت الصحافيات إلى مجال التصوير لكسر البطالة
تؤكد خضرة أنها ستبقى في هذه المهنة، لأنها كانت حلماً يرافقها منذ فترة، كما تشجع السيدات على خوضها، لأنها أكسبتها سمعة بين الجمهور، ووفرت لها مصدر رزق مقبول، مضيفة "سأبقى مصورة دون الاستسلام للتحديات المحيطة بنا الأمنية والاجتماعية".
الانتهاكات والذكورية
تقول نقيبة الصحافيات الصوماليات، فرحية محمد إسحاق، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن هناك الكثير من الصوماليات اللاتي بدأن العمل في الإعلام كمصورات، استجابة لحاجة الأسواق إلى عنصر نسائي قادر على التصوير والمونتاج. وتم تدريب، عام 2019، نحو 20 صحافية صومالية في مهارات الصحافية الشاملة (التصوير والمونتاج)، "لكن بعضهن واجهن صعوبات في وسائل الإعلام التي يعملن فيها، نتيجة عدم وجود ثقة لمالكي المحطات الإعلامية بذريعة أن الكاميرا أثقل من أن تحملها المرأة في الصومال".
وتشير فرحية إلى أن الصحافيات في الصومال بشكل عام "يواجهن تحديات كثيرة، تتمثل في عدم توفر قناعة لدى الإعلاميين الذين يحتقرون عمل المرأة في مجال الإعلام، لكن الصحافيات يؤمنّ بأنه لا يوجد فرق بين الجنسين عندما يتعلق الأمر بالميديا، وما يميزهما فقط هي الكفاءة في أداء المهام المنوطة بهما".
وتضيف فرحية أن نقابة الصحافيات في الصومال تركز حالياً على تنظيم دورات تدريب صحافية للإعلاميات، حول المحافظة على مساواة الجندر في العمل الإعلامي، وعدم وجود تمييز جنسي في مهنة الإعلام، خاصة في كافة القطاعات التحريرية والإدارية، وفي مجال التصوير والمونتاج.
وتكشف عن وجود اتفاقية بين نقابة الصحافيات والمؤسسات الإعلامية في البلاد، والتي تنص على منح فرص متساوية بين الجنسين، وتخصيص عطل للإعلاميات، خاصة إجازات الولادة، وعدم فصلهن من العمل؛ حيث تم رصد عدة حالات أدت إلى طردهن من العمل بسبب فترة الولادة التي تأخذ أحياناً شهرين، وهو ما تسعى إليه نقابة الصحافيات لوقف هذه الانتهاكات ضد الإعلاميات بشكل عام في البلاد.
نقابة الصحافيات في الصومال تركز حالياً على تنظيم دورات تدريب صحافية للإعلاميات
وبعد تزايد المصورات في مقديشو، وجدت الكثير من الصحافيات فرصة للتدرب في التصوير بكاميرات مختلفة، إلى جانب المونتاج، وبدأت تقصد دورا وأكاديمية متخصصة تمنح لطلابها تخصصات في التصوير والمونتاج والغرافيكس. وفي هذا الصدد، يقول مدير أكاديمية الصومال للإعلام الرقمي، عبد الرحمن حسن، والتي توفر تخصصات وتدريبات في مجال التصوير الرقمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن نحو 150 فتاة تلقين دورات في الإعلام الرقمي وفي التصوير والمونتاج، وباشر بعضهن العمل كمراسلات تلفزيونيات، وهناك من أصبحن مصورات يزاحمن الرجال في هذا الميدان، لكسر احتكار الرجال لهذه المهنة. ويضيف حسن قائلاً "هناك فتيات أسّسن مؤسسات خاصة للإنتاج الإعلامي، ويصورنّ الحفلات والمناسبات الخاصة بالنساء، وهو أمر مثل فرصة عمل للفتيات، خاصة بالنسبة للعائلات المحافظة، والهدف من هذا تمكين المرأة الصومالية من الدخول في هذا المجال لمحاربة البطالة المنتشرة بين فئات الشباب في المجتمع، والتي تفوق 75 في المائة، نتيجة عدم توفر فرص عمل بعد التخرج في الجامعات المحلية أو الكليات الخاصة في البلاد".
ويواجه الصحافيون في الصومال بشكل عام تحديات أمنية، حيث قتل العشرات منهم في السنوات الأخيرة، ولا يمر عام من دون أن يسجل سقوط ضحايا صحافيين في خضم المواجهات المسلحة أو الاغتيالات. هذا إلى جانب الاعتداءات والانتهاكات المستمرة التي يواجهها الصحافيون، والتي كان آخرها استهداف أربعة إعلاميين في فبراير/شباط الماضي من قبل الشرطة الصومالية، عندما كانوا يعملون في تغطية منطقة تعرضت للهجوم من قبل عناصر حركة الشباب، ما يجعل الصحافيين في الصومال في دائرة الخطر.