أعلنت الرئاسة التونسية في ساعة متأخرة من ليل الاثنين عن إقالة المدير العام للإذاعة التونسية شكري الشنيتي، بعد أربعة أشهر تقريباً من تسميته بمرسوم رئاسي. والإذاعة التونسية هي إذاعة رسمية (عمومية) تضم 12 محطة إذاعية تغطي كامل البلاد التونسية، لذلك تعد الشبكة الإذاعية الأولى في تونس.
إقالة الشنيتي، وفقاً لمصادر "العربي الجديد" في الحكومة التونسية، تداخلت فيها العديد من العوامل والمعطيات. المعطى الأول يتمثل في أخطاء إدارية للإذاعة التونسية التي تعيش أزمة مالية خانقة وأجواء اجتماعية متوترة نتيجة تراكمات تاريخية لم ينجح المدير العام المقال في تجاوزها، كما لم ينجح في رسم سياسة واضحة للخروج بهذه المؤسسة من الأزمة التي تتخبط فيها، بل زادت التوتر داخلها نتيجة انحيازه لشق داخل الإذاعة.
المعطى الثاني هو مطالبة النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين والنقابة العامة للإعلام والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) الحكومة التونسية باستبدال المديرين العامين للإذاعة والتلفزيون التونسيين اللذين تمّ تعيينهما بمراسيم رئاسية لا تتماشى والمرسوم 115 الذي يضبط طريقة تعيين المسؤولين الأوائل على رأس هذه المؤسسات من خلال آلية الرأي المطابق. وتتمثل هذه الآلية في أن تقترح الحكومة التونسية بالتشاور مع النقابات الفاعلة في قطاع الإعلام أكثر من اسم لتولي المسؤولية ويتم توجيه هذا المقترح إلى الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) التي تدرس ملفات المترشحين وبرامج عملهم لتختار واحدا منهم لتولي المسؤولية ويتم توقيع عقد برامج مدته ثلاث سنوات يتولى خلالها المدير العام تطبيق برنامجه الذي قدمه للهايكا. وهو الأمر الذي لم يتحقق في آخر تعيينات قام بها الرئيس التونسي قيس سعيد للمسؤولين عن الإذاعة والتلفزيون التونسيين اللذين يعتبران أكبر مؤسستين إعلاميتين في تونس حيث تشغل الأولى أكثر من 1100 عامل وتشغل الثانية أكثر 1250 عاملاً من صحافيين وتقنيين وإداريين. لذلك طالبت النقابتان والهيئة في بيانات منفصلة منذ أكثر من شهر بإقالة المسؤولين الأوائل عن مؤسستي الإذاعة والتلفزة وتسمية مديرين عامين جدد وفقا للصيغ القانونية المعمول بها.
المعطى الثالث الذي سارع في إقالة المدير العام للإذاعة التونسية دخوله في علاقة صدامية مع الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) حيث رفض حضور بعض اجتماعاتها باعتبارها الهيئة المسؤولة عن القطاع السمعي البصري، معتبرًا أن لا سلطة لهذه الهيئة عليه باعتباره إداريًا تمّ جلبه من وزارة المالية التونسية للتسيير الوقتي للمؤسسة بصلاحيات محدودة في انتظار تسمية مدير عام جديد، وهو ما اعتبره أحد أعضاء الهايكا الذي رفض ذكر اسمه في تصريح لـ"العربي الجديد"، تحديًا غير مقبول للهايكا ورفضاً للتعاون معها.
المعطى الرابع أو النقطة التي أفاضت الكأس تتمثل في قرار المدير العام للإذاعة التونسية مساء الاثنين تعيين مسؤولين جدد داخل الإذاعة التونسية عرفوا بقربهم من نظام الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي، لذلك خلفت هذه التعيينات موجة من الغضب لدى الكثير من التونسيين الذين رأوا فيها انتكاسة كبرى للإعلام التونسي وعودة لوجوه قديمة لا تحظى برضا الكثير من التونسيين من أنصار الثورة التونسية.
المعطى الخامس وهو رأي يذهب له بعض المعارضين لقرارات الرئيس التونسي قيس سعيد التي أعلنها يوم 25 يوليو/تموز 2021 أن الإذاعة التونسية حافظت على شيء من الحياد في التعاطي مع هذه القرارات وفتحت المجال لمناصري القرارات ومعارضيها، على عكس التلفزيون التونسي الذي اختار الاصطفاف وراء هذه القرارات مما قد يكون له انعكاس على التسريع بإقالة المدير العام للإذاعة التونسية، رغم أن هذا الأخير تمّ تكليفه يوم 29 سبتمبر/أيلول 2021 بمرسوم رئاسي بمهمة التسيير الوقتي للإذاعة التونسية مما يعني أنه مقرب من الرئيس التونسي قيس سعيد. وحفاظ الإذاعة التونسية على حيادها واستقلاليتها يرجع، وفقاً لمصادر من النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، إلى إصرار العاملين في الإذاعة التونسية على تمسكهم بحيادهم بعيدًا عن كل التجاذبات السياسية.
كل هذه المعطيات ورغم تباينها، يرى بعضهم فيها ترجمة لحالة التخبط في تعاطي السلطات التونسية مع ملف الإعلام الذي يعتبر من الملفات الحساسة التي تلاقي السلطات التونسية صعوبات جمة في إدارتها.