على مدار 7 سنوات، ظل اليمن أرضاً خصبة لمشاريع وبرامج وهمية تنفذها منظمات إقليمية ودولية، لنقل ما صنعته الحرب من ندوب في أوساط المدنيين. ومع استهلاك الأفكار في برامج مكررة، لم يكن أمام صائدي تمويلات المانحين سوى إعادة تدوير معاناة اليمنيين تحت عناوين براقة هي الأفلام الإنسانية.
كان اليمن بيئة معادية للسينما طيلة العقود الماضية، إذ اقتصر نشاطها على وجود صالات محدودة تعرض أفلاماً تنتج خارج البلاد، قبل أن تندثر دور العرض هي الأخرى.
لكنّ البلاد تستضيف اليوم الأحد، ولمدة 14 يوماً، فعاليات النسخة الثالثة من "مهرجان كرامة اليمن لأفلام حقوق الإنسان" الذي تموله بعثة الاتحاد الأوروبي لدى اليمن. ومن المقرر أن تقام فعاليات المهرجان عبر الإنترنت، إضافة إلى استضافة عدد محدود من الأنشطة والعروض في محافظة عدن وحضرموت وتعز، جنوبي وشرقي اليمن.
وقال مدير المهرجان، ناصر المنج، إن النسخة الثالثة من المهرجان ستعرض 22 فيلماً، بينها 6 أفلام يمنية، خمسة منها تُعرض للمرة الأولى. وكشف لـ"العربي الجديد" أنه سيتم الانتهاء من إنتاج نحو 25 فيلماً مع نهاية يونيو/حزيران المقبل، بالتعاون مع منظمة "شباب العالم معاً".
ويشكل إنتاج 5 أفلام يمنية قصيرة بادرة إيجابية، وخصوصاً في ظل البيئة المعادية لأي أعمال فنية أو إعلامية تسلط الضوء على حقوق الإنسان، والقيود التي تفرضها أطراف النزاع كافة في البلاد.
وعلى الرغم من تأكيد المنج على وجود تلك القيود والتضييق على المصورين من كافة الأطراف، فقد أشار إلى أنّ صُنّاع الأفلام يجدون طرقاً لتجاوز التحديات والعقبات المفروضة خلال الحرب، وعلى رأسها الظروف الأمنية وقلة فرص التدريب وشحة الإمكانات المادية.
كان اليمن بيئة معادية للسينما طيلة العقود الماضية
وبدا المنج متفائلاً بالازدهار الذي تعيشه صناعة الأفلام في اليمن، وقال "خلال النسخة الثالثة من المهرجان، الأفلام كلها تتحدث عن كيف أن الإنسان يستعيد السيطرة على سرد القصص ويكون هو المتحكم في نقل المعاناة التي يعيشها وكيف يمكن له استرداد حقوقه. الأفلام تعطي الأمل بأن الحرب ستنتهي يوماً ما، ولذلك يجب على الشباب أن يكونوا مستعدين للمرحلة التالية وبناء البلاد، ولن يتم ذلك إلا من خلال الإيمان بحقوق الإنسان".
ومن بين الأفلام اليمنية التي سيعرضها المهرجان: "ظل من الماضي" الذي يحكي قصة شاب يمر بصراع داخلي إثر تعرضه لتحرش في طفولته، و"1941" الذي يناقش تحولات الحرب وتغلغلها في البشر الذين يجبرون على التخلي عن هويتهم السابقة، و"المزينة" الذي يدور حول فتاة تمارس مهنة تزيين النساء، لكنّها تواجه بالوصم في المجتمع اليمني.
وأعلن القائمون على المهرجان عن عدد من لجان التحكيم للأفلام اليمنية والوثائقية والقصيرة المتنافسة على عدد من الجوائز. وتضم لجنة تحكيم الأفلام اليمنية الكاتبة والناقدة السينمائية هدى جعفر، والناشطة في المجتمع المدني قبول المتوكل، إضافة إلى رئيسة المنصة الصناعية في مهرجان قرطاج للأفلام ليندا بلخيرية.
وفي السياق، ترى الكاتبة والناقدة السينمائية اليمنية، هدى جعفر، أن صناعة السينما في اليمن، لا تزال غير موجودة ولا يمكن أن تتحقق على المدى القريب، رغم التحول الحاصل في إنتاج الأفلام الإنسانية حالياً، أو الحضور المحدود لإنتاج أفلام تناقش قضايا اجتماعية مثل الزواج المبكر للفتيات والأمية والإرهاب.
وقالت جعفر: "من المبكر جداً الحديث عن صناعة سينما في اليمن. هناك تجارب سينمائية بغض النظر عن مدى جودتها، وحتى لو نالت أكبر الجوائز السينمائية، فلا صناعة سينمائية في اليمن إلى الآن".
وفيما أشارت إلى أن الأفلام الإنسانية هي أفلام سينمائية في الأساس عندما تتطرق إلى قضايا سياسية مثل الفساد أو القضية الفلسطينية، أكدت جعفر لـ"العربي الجديد" أنّ "الأفلام الجيدة تبقى جيدة بغض النظر عن المواضيع التي تناقشها، وإن كنتُ من المدرسة التي تقف مع الفن للفن". وأضافت "بالنسبة للأفلام القصيرة التي أنا ضمن لجنة تحكيمها، كانت النواحي الفنية الجمالية أحد المعايير الأساسية في عملية التقييم، فهي أفلام سينمائية أولاً وأخيراً".
ينطلق "مهرجان كرامة اليمن لأفلام حقوق الإنسان"، تحت عنوان "استعد قصتك"
وتعتقد أنّ القائمين على المهرجانات التي لها علاقة بقضايا حقوق الإنسان ليس من أهدافهم أن يتحولوا إلى مهرجانات جماهيرية، خصوصاً أن الأفلام المنتجة لا تهدف إلى الربح، أو بناء قاعدات جماهيرية.
تنفق البعثات الدبلوماسية والمنظمات العاملة في اليمن أموالاً طائلة على مشاريع وهمية بهدف التسويق لمعاناة اليمنيين دولياً وحشد المزيد من تمويلات المانحين. وخلال الأعوام الماضية، كانت بعثة الاتحاد الأوروبي تطلق مسابقة حملت عنواناً باللهجة الدارجة في صنعاء "جو نتجابر"، وقالت إن الهدف منها تشجيع رواة القصص على سرد حكاياتهم ومخاوفهم اليومية.
وتكرر المشهد هذا العام بإطلاق "مهرجان كرامة اليمن لأفلام حقوق الإنسان"، تحت عنوان "استعد قصتك" الذي تكفلت بتنفيذه منظمة "شباب العالم معاً" التي تتخذ من العاصمة الأردنية مقراً لها.
في هذه الأنشطة المتشابهة، يستقطب المصورون النشطون اليمنيون، سواء من المحترفين أو الهواة، ويشجعون على إنتاج قصص مصورة، مقابل حوافز مالية ومعدات تصوير حديثة، من دون أن يكون لهم خبرة في مجال السينما.
وقال أحد المصورين الذين وقع عليهم الاختيار ليكونوا صانعي أفلام بعد تدريب لمدة 20 يوماً، لـ"العربي الجديد"، إنّه لم يعمل من قبل في مجال التصوير السينمائي لكنه عمل في توثيق أحداث إنسانية فقط.
وقوبلت فكرة مهرجان الأفلام اليمنية بانتقادات متخصصين في صناعة السينما الذين أشاروا إلى أنّ ما تقدمه المنظمات يقتصر على التصوير الوثائقي الذي يقوم أساساً على "تسليع المعاناة"، والسبب في ذلك يعود إلى أن معظم المنظمات التي تدعم الأفلام الحالية لها باع طويل في المجال الإغاثي والتنموي وهي بحاجة مستمرة لإنتاج تقارير مطولة عن المجاعة والحرب.
وذكرت مجلة "المدنية"، وهي منصة ثقافية يمنية، أنه تحت غطاء الأفلام الوثائقية "يدرب المصورون الشباب على كيفية استخدام كاميرا تصوير تعرض قوالب جاهزة تحث على تهييج مشاعر الحزن والشفقة"، وأنه "تُفرض على المتدرب قيود وقوالب تضمن تركيزه على رسائل توعوية لمناقشة قضايا معينة مثل الحرب والمجاعة وزواج القاصرات وتجنيد الأطفال".