يتزاحم الشباب على "يوتيوب" في الصومال، وعند استخدامك لمنصات التواصل الاجتماعي تفاجئك طلبات للاشتراك في قنوات شباب على "يوتيوب"، سعيًا لجمع أكبر عدد ممكن من المشتركين بالقناة، وتحقيق أعلى عدد ممكن من المشاهدات لمحتواها.
"في هذا العالم تكثر الحيل والأساليب لجني المال، فلا داعيٍ للقلق بعد الآن من أن تكون من دون العمل"، بهذ العبارات تحدث لوكالة الأناضول أويس حسن، وهو صحافي ترك عمله الإعلامي، وتحول بعد أيام إلى "يوتيوبر"، أي ينتج وينشر فيديوهات على "يوتيوب".
وتبلغ نسبة البطالة، في البلد الواقع بمنطقة القرن الأفريقي (شرقي القارة)، 77 بالمئة، بحسب تقارير رسمية. وتابع حسن أن "منصة يوتيوب باتت واجهة جديدة للشباب لكسب المال وكسر حاجز البطالة، التي تمثل شبحًا يطاردهم يوميًا أينما كانوا".
"كورتا"، وهي قناة أويس على "يوتيوب"، تتضمن عشرات الفيديوهات، وأكثر من ثلاثة آلاف مشترك، وقرابة خمسة آلاف مشاهدة. ويتطرق معظم محتواها إلى الحياة الاجتماعية والعمل الصحافي، بجانب أفلام وثائقية وقصص مثيرة.
في زاوية صغيرة بمنزله، يعكف أويس يوميًا على حاسوبه المحمول، ليتصفح أكثر من مئة موقع، بحثًا عن فيديوهات تتضمن مقالب مضحكة وأخرى تحتوي على مشاهد وثائقية. عامة، يبحث أويس عن كل ما يهم المشتركين بقناته، على أمل تحقيق أعلى نسبة مشاهدة ممكنة، لرفع مردوده المالي إلى آلاف الدولارات مقابل إعلانات تظهر في فيديوهاته، كلما زادت نسبة مشاهدتها.
احتياجات المشاهدين
معظم قنوات الصوماليين تتضمن محتوى ذا صبغة مضحكة وأغاني وموسيقى صومالية، ولقاءت مع كوميديين صوماليين مقابل المال.
وقال أويس نور، وهو صحافي يمتلك قناة، إن "شروط المنصة قد تمنع نشر مقاطع سبق أن نُشرت في قناة ما أو تحمل شارة جهة أخرى، وهو ما يدفع كل يوتيوبر إلى البحث عن مواد خاصة، ربما تتشابه اللقطات، لكنها مختلفة تمامًا من حيث المصدر والمعلومات التي تحتويها".
وأضاف أويس أن طريقة اختيار موضوع الفيديو هي التي تحدد أحيانًا نسبة المشاهدة، حيث ينخدع معظم المشاهدين بمقطع جذاب، ثم يكتشفون أن الموضوع يختلف تمامًا عن الفيديو، وهي الوسيلة الأكثر استخدامًا لجذب مشاهدين.
وأوضح أن فيديوهاته تهتم بمواضيع تتعلق بالحياة الاجتماعية، حيث تعالج أحيانًا مشاكل قبلية وأخرى عائلية شائكة، وتجد انعاكاسات إيجابية بين المتابعين، بصرف النظر عن المقالب المضحكة التي يهتم بها المتابعون بشدة. وتابع: يعمل معي فريق ينزل إلى الميدان، ويسجل تقارير مشوقة تهم جميع فئات المجتمع، لتلبية احتياجات المشتركين، وهو ما يزيد من عددهم.
ويبلغ عدد المشتركين بقناة أويس "إتال ميديا" أكثر من عشرين ألفاً، وهي تضم مئات الفيديوهات، وحققت نحو مليون مشاهدة خلال عام. وتُنتج جميع الفيديوهات على تلك القنوات باللغة الصومالية، ما يوحي بأن أصحابها يعتمدون فقط على المشاهدين الصوماليين داخل البلد وخارجه.
معوقات بنكية
يواجه "اليوتيوبر" الصومالي تحديات عديدة، منها أنه لا يتوفر لدى البنوك في الصومال رقم الحساب المصرفي الدولي، وهو ضروري لتحصيل مقابل الإعلانات على القناة. ويلجأ "اليوتيوبر" إلى بنوك خارجية، عبر حسابات صوماليين مغتربيين، وهو ما قال بعضهم إنه يهدد إنتاج المحتوى، في ظل غياب الثقة بالوكلاء (وسطاء مقابل عمولة) في الخارج.
وقال اليوتيوبر عبد الفتاح أحمد، إن "غياب رقم الحساب المصرفي الدولي في الصومال يضع أصحاب القنوات في مأزق ويؤثر سلبًا على إنتاجهم الشهري، خوفًا من تعرضهم لاستغلال من وكلائهم بالخارج".
وأردف: "أصحاب القنوات يعملون من دون ضمانات مالية، رغم أن يوتيوب يشكل مصدر رزق لكثير من الشباب، الذين غالبًا ما يعانون من بطالة متفشية". كما أنهم لا يمتلكون بطاقات ائتمان بنكية، وهو ما يمثل تحديًا إضافيًا أمام تنوع المحتوى بالنسبة لأصحاب القنوات المشتركين في مواقع خارجية، وهو ما يدفعهم إلى التركيز على المواضيع المحلية، ما يخلق تكرارًا.
غياب التنوع
ما بين المقالب المضحكة والموسيقى يتشابه محتوى معظم القنوات الصومالية على "يوتيوب"، في ظل نسخ الأفكار. وقال الخبير في منصات التواصل الاجتماعي، عمر علي حسن، إن "غياب المهارات الذاتية والقدرة على اختيار الأفكار والتخطيط يساهم في محدودية المواضيع المنتشرة، بحيث لا يجد المشاهد متعة، بسبب تكرار المواد".
وتابع أن "طريقة الربح من يوتيوب تتطلب الكثير من العمل والجهد وتوفير أفكار متنوعة، عبر فرد أو فريق عمل مختلف التخصصات، بهدف التأثير على الجمهور، وتحقيق أعلى نسبة مشاهدة ممكنة، ليتمكن اليوتيوبر من الربح من هذا المحتوى".
لكن اهتمام معظم الشباب الصوماليين منصب على أحلام الربح والثراء، دون الاهتمام بجودة المواد المنشورة، ما يجعل إنتاجهم خجولًا، حتى أن بعضهم لم يستوف شروط تحقيق الربح رغم إنشاء قنواتهم قبل عامين تقريبًا، إذ يجب أن تحصد القناة أكثر من أربعة آلاف ساعة مشاهدة وما يزيد عن ألف مشترك خلال آخر 12 شهرًا للقناة.
وعلى معظم قنوات "اليوتيوبر" الصومالي لا توجد مساحة تذكر للمحتوى التعليمي والاجتماعي والسياسي، وهذا أحد جوانب الضعف. وبحسب تقدير غير رسمي، توجد أكثر من عشرة آلاف قناة على "يوتيوب" لصوماليين داخل البلد العربي وخارجه، معظمهم شباب، في بلد يمثل فيه الشباب 60 بالمئة من عدد سكانه، البالغ حوالي 12 مليون نسمة.
(الأناضول)