تمر السنون ولا تزال الكرة العربية تظهر في المحافل الدولية الهامة بشكل متواضع وخجول دون أن تحقق التنافس المطلوب، وتكتفي بالمشاركة من أجل المشاركة فحسب في مختلف البطولات الدولية.
واعتادت جماهير الكرة العربية على التصريحات البراقة من معظم الاتحادات الأهلية التي خيبت آمال الجماهير في مشاركاتها ببطولات كأس العالم على مر تاريخها، حتى أصبح التمثيل المشرف هو غاية أماني هذه الاتحادات العربية التي قد ينطبق عليها المثل القائل "ضجيج بلا طحين".
وأكد كأس العالم الذي اختتم أخيراً في روسيا، امتلاك العرب الإمكانيات التي يمكن لها أن تبشر بتحقيق إنجاز عربي غير مسبوق في هذا المونديال، بل ارتفع سقف الطموحات مسبقاً في ظل تأهل أربعة منتخبات عربية لأول مرة في تاريخ البطولة هي: مصر والسعودية وتونس والمغرب، وصاحب ذلك تقدم تصنيف المنتخبات العربية قبل انطلاق المونديال بخاصة تونس التي حلت في المركز 14 في التصنيف العالمي الذي أصدره الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" قبل البطولة.
كما تعززت تلك الرؤية بوجود نجوم من العيار الثقيل، فرضوا أنفسهم على ساحة الكرة العالمية، فازداد الأمل أكثر فأكثر، كما ساهمت النتائج والمصحوبة بالأداء الجيد للمنتخبات العربية في المباريات الودية التي سبقت مونديال روسيا مباشرة، في تنامي الشعور بأننا على أعتاب إنجاز عربي غير مسبوق.
حلم يصطدم بصخرة!
واصطدمت جماهير كرة القدم العربية بهزيمة مدوية للمنتخب السعودي 0-5 في افتتاح المونديال أمام المنتخب الروسي صاحب التصنيف الـ 70 قبل انطلاق البطولة، ثم ليتواصل سقوط باقي المنتخبات الواحد تلو الآخر، حيث لم تحقق المنتخبات الأربعة مجتمعة سوى انتصارين فقط، أحدهما فوز تونس على بنما 2-1، وبنفس النتيجة فازت السعودية على مصر، التي جاء ترتيبها رقم 31 في الترتيب العام لمنتخبات البطولة بحسب النتائج، وخلفها المنتخب البنمي فقط!
وفي نظرة نلقي بها الضوء على تاريخ المنتخبات العربية الثمانية التي ظهرت في بطولات كأس العالم، قبل طرح بعض الأسئلة؛ يعتبر منتخب المغرب صاحب أعلى رصيد من المشاركات مع نظيره السعودي، لكنه سبق الجميع في الظهور بالدور ثمن النهائي للبطولة في مونديال المكسيك عام 1986، وتلاه السعودي في مونديال أميركا عام 1994، فيما كان المنتخب الجزائري صاحب الأربع مشاركات في البطولة آخر المنتخبات العربية ظهورا في الدور الثاني بمونديال البرازيل عام 2014، وخرج فيه على يد حامل لقب البطولة المنتخب الألماني، ورغم مشاركة تونس 5 مرات في المونديال إلا أنها لم تتخط الدور الأول قط، ومعها مصر التي شاركت 3 مرات ولم تحقق أي فوز يذكر خلال 7 مباريات خاضتها، أحرزت خلالها 3 أهداف فقط، وشاركت منتخبات الكويت والعراق والإمارات لمرة واحدة في المونديال عبر تاريخه.
يملك العرب تاريخاً في كأس العالم كبطولة دولية هي الأهم؛ وتراود الجماهير العربية تساؤلات عديدة، حول المشاركة الهزيلة في مونديال روسيا ولعل أبرزها: متى ستظهر المنتخبات العربية في الأدوار النهائية؟ وما الذي منع مصر وتونس والسعودية والمغرب، من تخطي الدور الأول على أقل تقدير، رغم تألق أسود الأطلس، وحالة الضعف التي ظهرت عليها المنتخبات الكبيرة، التي خرجت الواحدة تلو الأخرى أيضا، وما الذي منع منتخب تونس الذي كان يحتل التصنيف الـ 14 عالميا، من أن يكون أحد طرفي الأدوار النهائية المتقدمة بدلا من المنتخب الكرواتي الذي جاء بعد تونس بستة مراكز في الترتيب الـ 20 عالميا، وذلك قبل البطولة؟
غياب أدوات الانتصار... وأسباب أخرى
ونختزل أسباب الإخفاق الجوهرية التي قد تجيب عن هذه التساؤلات، بافتقاد المنتخبات العربية أدوات الفوز والإنجاز في المونديال ومختلف البطولات، وفي مقدمتها قلة أعداد المحترفين العرب الذين يلعبون بشكل أساسي في الأندية الأوروبية الكبيرة، وهو الذي أدى إلى قلة الخبرة والحنكة في الملعب، ونتج منه هزائم الدقائق الأخيرة لمصر أمام الأوروغواي وتونس أمام إنكلترا، وحتى المغرب في مباراتها مع إيران التي كانت الهزيمة فيها السبب الرئيسي لخروج أسود الأطلس من الدور الأول.
وأدى ضعف اللياقة البدنية إلى انهيار المنتخبات العربية في بعض المباريات وأهمها، انهيار السعودية أمام روسيا التي تميز فريقها بارتفاع اللياقة البدنية، التي أمطرتها بخمسة أهداف نظيفة، وتلاها انهيار المنتخب المصري أمام روسيا أيضا وهزيمته 1-3، وبنفس الطريقة سقط المنتخب التونسي أمام نظيره البلجيكي 2-5 بعد بداية جيدة، وإن كانت الأخطاء التكتيكية لمدرب نسور قرطاج نبيل معلول، الذي اندفع هجوميا، وأغفل مهارة وقوة البلجيكي، فتلقى شباك فريقه الأهداف المتتالية.
ولعب غياب النجم المصري محمد صلاح عن الفراعنة في المباراة الأولى أمام الأوروغواي، ثم ابتعاده من مستواه المعهود بسبب تأثره بالإصابة في نهائي دوري أبطال أوروبا، دورا بارزا في فشل مصر في تحقيق الفوز خلال مبارياتها الثلاث، بالإضافة إلى الخطة الدفاعية العقيمة التي لعب بها مديره الفني هيكتور كوبر في مباراة السعودية الأخيرة، رغم كونه يمتلك مفاتيح الفوز بالمباراة.
وتعرضت المنتخبات العربية لظلم تحكيمي أيضا، ولم تنصف تقنية حكم المساعد الفيديو "فار"، مصر ولها ضربة جزاء أمام روسيا، وتونس التي احتسب الحكم ضدها ضربة جزاء لبلجيكا رغم أن المخالفة على المهاجم ومن خارج منطقة الجزاء، وحرم "فار" المغرب من فوز تاريخي على إسبانيا، حيث جعل الحكم يغير قراره ويحتسب هدف التعادل لإسبانيا بعد أن ألغاه في الدقائق الأخيرة، كما عانت المنتخبات العربية من عدم وجود إعداد نفسي يهيئ فرقها نفسيا، لنبذ فكرة التمثيل المشرف المسيطرة على لاعبيها، وبث روح البطولة التي يفتقدونها ليس بالمونديال فحسب بل بكل البطولات.