تتجه الحكومة السعودية إلى توطين العديد من الوظائف أو ما يطلق عليه "السعودة" لتوفير وظائف للمواطنين على حساب العمالة الوافدة وفي وظائف لم يكن يقبل عليها السعوديون من قبل، وهو ما سيؤثر على العمالة الوافدة ومنها المصريون الذي يبلغ عددهم في المملكة 2.9 مليون مصري، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، حيث توقع مسؤولون في اتحاد المصريين العاملين بالسعودية، مغادرة حوالي نصف مليون مصري أراضي المملكة خلال الشهور القليلة المقبلة.
وبدأت وزارة العمل السعودية، اليوم الأحد، تطبيق قرار قصر العمل في منافذ تأجير السيارات في مناطق المملكة كافة على السعوديين، لتوفير 21 ألف وظيفة للمواطنين.
وقالت الوزارة في بيان إن "المهن المشمولة بقرار توطين منافذ تأجير السيارات هي: المحاسبة، والإشراف، والمبيعات، والاستلام والتسليم".
ووفقا لاتحاد المصريين العاملين في السعودية فإن المصريين يسيطرون على 80% من إجمالي العاملين بقطاع تأجير السيارات والبالغ عددهم 25 ألفا تقريبا.
ولم يقتصر تأثر العمالة المصرية على "سعودة" تاجير السيارات فقط، بل يمتد إلى 12 مهنة أخرى تستهدف وزارة العمل السعودية توطينها، فضلا عن القرارات الأخرى التي طاولت العمالة مثل رفع رسوم العمالة الوافدة وحالة الركود التي يشهدها قطاع التشييد والإنشاءات.
يقول حسن سعد، المحاسب بإحدى شركات المقاولات السعودية، لـ"العربي الجديد" عن ظروف عودته لمصر إن "قطاع المقاولات في المملكة يعاني خلال السنوات الأخيرة من حالة انكماش، الأمر الذي انخفضت معه أسعار المقاولات، مع تأخر تحصيل أموال الشركات من السوق العقاري، فتم تخفيض الرواتب بمعدل وصل لـ 25%، مع رفض صرف بعض البدلات كبدل السكن، ثم جاءت القرارات الأخيرة بفرض رسوم على العمالة والمرافقين، مع ارتفاع الأسعار، نتيجة تطبيق ضريبة القيمة المضافة، كل ذلك أثقل كاهل آلاف المصريين العاملين في السعودية".
يضيف سعد أنه "نتيجة لارتفاع تكلفة المعيشة أرسلت أسرتي لمصر حتى أوفر ثمن الإيجار(1700 ريال شهريا)، وقررت الإقامة مع مجموعة من الشباب، ومع رفض صاحب الشركة صرف بعض البدلات التي كانت تسهم بجزء كبير من الدخل، أصبح العائد لا يساوي ثمن الغربة، فقررت العودة لمصر، ونفس القرار تم اتخاذه من قبل عدد من العمال والصنايعية والمهندسين".
وحول رؤيته المستقبلية يتابع سعد قائلا: "كنت حاصلا على إجازة بدون مرتب من شركة قطاع خاص، هذه الشركة تشترط لعودتي الآن الرجوع على آخر مرتب كنت أتقاضاه منذ 4 سنوات، وهو الآن لا يكفي للمعيشة في ظل ارتفاع الأسعار الذي شهدته مصر منذ تعويم الجنيه، لذلك أفكر في البحث عن فرصة عمل أخرى أو بدء مشروع خاص، رغم علمي المسبق أن المشاريع في مصر حاليا محاطة بالعديد من المخاطر".
كانت السلطات السعودية فرضت اعتباراً من يوليو /تموز الماضي رسوما بواقع 100 ريال شهريا على كل مرافق للعمالة الوافدة، ترتفع لـ 200 ريال في يوليو 2018، حتى تصل في 2020 إلى 400 ريال في الشهر، بالإضافة إلى فرض رسوم على العمالة الوافدة، بواقع 400 ريال شهريا، في 2018، ترتفع إلى 600 ريال 2019، ثم 800 ريال 2020.
من جهته أكد مدير بإحدى شركات إلحاق العمالة بالخارج وجود حالة ركود ضربت حركة أسواق العمل الخارجية، في كافة التخصصات، نتيجة الإجراءات التي اتخذتها بعض الدول الخليجية في الفترة الأخيرة وخاصة السعودية.
ويضيف مدير الشركة الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن الطلب على العمالة المصرية انكمش بمعدل 80% هذا العام بالمقارنة بسنوات سابقة، نتيجة الأزمات الاقتصادية التي ضربت الأسواق الخليجية، موضحا أن آلاف العائدين سيمثلون ضغطا كبيرا على سوق العمل في مصر، إن لم يحصلوا على فرص عمل في أسواق خارجية أخرى، متوقعا عدم اتجاه العائدين للاستثمار في مصر نتيجة حالة الركود التي تضرب الاقتصاد المصري بشكل عام "الدنيا مش شغالة"، على حد قوله.
ويرى مدير الشركة أن الحل الوحيد لتفادي الآثار السلبية لعودة الآلاف من العمالة المصرية يكمن في يد الدولة عن طريق العلاقات الدبلوماسية بفتح أسواق خارجية جديدة أمام العمالة المصرية.
من جانبه، يقول الدكتور مصطفى شاهين، أستاذ الاقتصاد المساعد بجامعة أوكلاند الأميركية إن عودة عشرات الآلاف من المصريين العاملين في السعودية نتيجة تردي الأوضاع المعيشية هناك، بعد فرض العديد من الرسوم التي تثقل كاهلهم، لها العديد من الآثار السلبية، أهمها انخفاض التحويلات، وزيادة حجم البطالة، وبالتالي انخفاض أجور العمالة، مع زيادة معدلات الاستهلاك، وهو مؤشر سلبي لأننا نستورد أكثر ما ننتج.
وأضاف شاهين لـ"العربي الجديد" أنه قد تكون هناك مؤشرات ايجابية في مثل هذه الأوضاع، حال قيام العمالة العائدة بعمل مشروعات تساهم في زيادة الناتج، لكن نتيجة السياسيات الاقتصادية المتخبطة وتردى الأوضاع بشكل عام في مصر، تدفع الاقتصاد نحو الانكماش، وخاصة بعد تعويم الجنيه، مما يزيد من حجم مخاطر الاستثمار في الوقت الراهن، وبالتالي فإن العائدين لن يفكروا في استثمار مدخراتهم في أي مشاريع داخل مصر.
وبخصوص تأثير خروج مئات الآلاف من العمالة الأجنبية على الأوضاع الاقتصادية السعودية، يشير الباحث الاقتصادي إلى أن هذا التأثير ستكون له آثار سريعة، فالسوق السعودي سيفقد الكثير من المهارات والخبرات التي يصعب تعويضها في الأجل القصير، كما أن معظم القطاعات ستصاب بحالة ركود، مع انخفاض في الأسعار، نتيجة لسياسة العرض والطلب، وبالتالي أصحاب المشاريع سيفقدون جزءا من دخولهم.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي أصدرت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية السعودية، قرارا بقصر العمل في 12 نشاطا على السعوديين فقط، تتضمن محلات: الملابس الجاهزة والأطفال، الأثاث المنزلي والمكتبي، الأواني المنزلية، السيارات، الدراجات النارية والمستلزمات الرجالية، الأجهزة الكهربائية والإلكترونية، الساعات والنظارات، الأجهزة والمعدات الطبية، مواد الإعمار والبناء، قطع السيارات، الحلويات، السجاد بكافة أنواعه.
وحددت الوزارة تطبيق القرار على 3 مراحل من أكتوبر/ تشرين الأول 2018 وحتى يناير / كانون الثاني 2019.
وتوقع تقرير للبنك السعودي الفرنسي بأن يصل عدد المرافقين الذين سيغادرون المملكة حتى عام 2020 إلى نحو 670 ألف شخص، بمعدل 167 ألف شخص سنويا، مشيرا إلى أن رسوم المرافقين ستوفر نحو 20 مليار ريال، حتى عام 2020.