فاقم الانقطاع المتكرر للكهرباء في السودان من أزمات القطاعات التجارية والصناعية، التي اضطرت إلى الاستعانة بالمولدات من أجل توفير الطاقة، ما زاد من أسعارها بشكل كبير، في الآونة الأخيرة، فيما تتزايد موجات الغضب بين المواطنين من تردي الخدمات، رغم وعود المجلس العسكري بإنهاء الأزمات، بما فيها المعيشية.
ويتزايد القلق من اتساع نطاق الأزمة، بعد تعثّر مشروع الربط الكهربائي مع مصر، في مارس/آذار الماضي، ووقف الكهرباء من الجانب الإثيوبي، ما يجعل مهمة وزارة الكهرباء السودانية في توفير الطاقة أكثر صعوبة.
وتصل فترة الانقطاع في الكهرباء إلى 8 ساعات يومياً، ما يرفع كلف القطاعات الإنتاجية والتجارية، حيث تضطر إلى الاستمرار في دفع رواتب العمال مع توقف الإنتاج والأعمال، كما يتزايد الإنفاق في حال اللجوء إلى المولدات، وفق أحد رجال الأعمال، الذي فضل عدم ذكر اسمه، في تصريحات لـ"العربي الجديد".
وقال إن "تكلفة تشغيل المولدات عالية بسبب ارتفاع أسعار الجازولين، علاوة على أن بعض المعدات الصناعية تحتاج إلى تيار منتظم وقوي، وهو ما لا يتوفر دوما في المولدات".
وتصل الطاقة التصميمية لمحطات توليد الكهرباء في السودان إلى نحو 3200 ميغاواط، لكن الإنتاج الفعلي لا يزيد عن 2700 ميغاواط، ما يجعل هناك عجزاً اضطرت الدولة إلى تغطيته عبر الاستيراد من إثيوبيا، ضمن اتفاقية بين الجانبين تقضي بتصدير السودان فائض إنتاجه من البنزين مقابل استيراد الكهرباء من أديس أبابا، لكن العمل بالاتفاق توقّف قبل نحو شهرين.
كما كان مقرراً اكتمال مشروع الربط الكهربائي بين السودان ومصر قبل نحو شهرين، لكن الجانب المصري أعلن وقف المشروع إلى أجل غير محدد.
وقال محمد التوم، الخبير الاقتصادي، لـ"العربي الجديد"، إن هناك فجوة حقيقية في الكهرباء لعدم كفاية مصادر التوليد القائمة، بينما تقوم الحكومة بترشيد إجباري عبر قطع التيار، في حين أن هناك عدم اهتمام كاف بمصادر توليد الكهرباء المختلفة، لاسيما من الرياح والطاقة الشمسية والطاقات المتجددة، التي يمكن أن تسهم في سد فجوة الطلب.
وكان الناطق الرسمي لوزارة الكهرباء، إبراهيم يس شقلاوي، قد دعا، في تصريح صحافي، في إبريل/نيسان الماضي، إلى ترشيد استهلاك الكهرباء، بينما تشير بيانات رسمية إلى أن ما يفوق 60% من سكان السودان لا تصلهم الكهرباء بالأساس، فضلا عن افتقار البلاد للمنشآت الصناعية العملاقة، ما يجعل استهلاك القطاع الصناعي من الكهرباء محدوداً.
وقال عبد العظيم المهل، الخبير الاقتصادي، لـ"العربي الجديد"، إن عدم انتظام الكهرباء يؤثر مباشرة على الاقتصاد، كما أن عدم وجود أي مصادر للطاقة البديلة للاعتماد عليها، سواء في القطاعات الإنتاجية أو السكنية أو الخدمية، يزيد من الأزمة.
وأشار المهل إلى أن الطاقات المتجددة، وتحديداً الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، تمثلان الحل لمستقبل توليد الكهرباء في البلاد، بالرغم من تكاليفهما العالية، مضيفا أن قلة الوقود والنقد الأجنبي يعدان من أبرز أسباب أزمة الكهرباء حاليا.
ويواجه السودان أزمة مالية خانقة، في ظل إحجام المؤسسات الدولية عن إقراضه، بسبب تخلّفه عن سداد ديونه المتأخرة. وكان جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، قد قال، في تصريحات صحافية، في مايو/أيار الماضي، إنه ليس بإمكان صندوق النقد تزويد السودان بالتمويل، بسبب المتأخرات المستحقة عليه.
وأظهرت بيانات رسمية أن إجمالي الدين الخارجي للسودان يبلغ نحو 58 مليار دولار، النسبة الأكبر منه فوائد وغرامات تأخير. وأوضحت البيانات الواردة في تقرير مشترك بين البنك الدولي ووزارة المالية والتخطيط الاقتصادي في السودان، صادرة خلال الشهر الماضي، أن أصل الدين الخارجي يتراوح بين 17 و18 مليار دولار، والمتبقي من إجمالي الدين بنسبة 85 في المائة عبارة عن فوائد وجزاءات، بدأت في التراكم منذ عام 1958.
ووفقا للتقرير، فإن قائمة دائني السودان تضم مؤسسات متعددة الأطراف بنسبة 15 في المائة ونادي باريس 37 بالمائة، و36 في المائة لأطراف أخرى، بجانب 14 بالمائة للقطاع الخاص.
وقالت مصادر مطلعة إن إيقاف إثيوبيا الكهرباء، يعود إلى مديونيات على الجانب السوداني، فضلا عن عدم قدرة الخرطوم على مد أديس أبابا بالوقود وفق الاتفاق المبرم بينهما.
لكن محمد خير أحمد، وكيل وزارة الموارد المائية والري والكهرباء في السودان، قال إن بلاده لم يتأثر بإيقاف إثيوبيا إمدادات الكهرباء، معتبرا أن وقف أديس أبابا الإمدادات يرجع إلى حدوث انقطاعات للتيار في إثيوبيا منذ إبريل/نيسان الماضي، حيث بلغ العجز عندها أكثر من 500 ميغاواط.
وأضاف أحمد أن العمل في مشروع كهرباء محطة بورتسودان، البالغ طاقته نحو 900 ميغاواط، سيستأنف بعد معالجة مشكلة المدفوعات الخاصة بالمقاول، لتدخل أول وحدة الإنتاج في يوليو/تموز المقبل، تليها بقية الوحدات الثلاث.
وكانت شبكة الكهرباء قد شهدت، العام الماضي 2018، عمليات إطفاء كامل لأربع مرات، كما تكرر الأمر مرتين منذ بداية العام الجاري.
وتسببت أزمات الوقود والكهرباء والخبز والسيولة في خروج تظاهرات حاشدة ضد الرئيس عمر البشير، منذ ديسمبر/كانون الأول 2018، الأمر الذي عجّل بإطاحة الجيش له، في إبريل/نيسان الماضي.
وتعهّد المجلس العسكري، الذي تولى الحكم بعد إطاحة البشير واعتقاله، بالعمل على حل تلك الأزمات، لكنها لا تزال متواصلة. ورغم الدعم الذي قدمته السعودية والإمارات للخرطوم عقب إطاحة البشير، وسيطرة المجلس العسكري على أموال شخصيات تابعة للنظام السابق، إلا أن الأوضاع الاقتصادية ما زالت متراجعة.
ويزداد السخط الشعبي نتيجة انقطاع الكهرباء خلال ساعات النهار، ما ينذر بتفاقم الأوضاع، لاسيما مع ارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير خلال فصل الصيف.
ويأتي انقطاع الكهرباء ليزيد الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد من جراء قلة الموارد، وكذلك الإجراءات التي اتبعها المجلس العسكري مؤخرا، في ظل الخلافات مع الكتل السياسية.
ويتواصل قطع الإنترنت، ما أدى إلى شلل في القطاع التجاري وعرقلة العمل في المصارف، وتكبّد قطاع الاتصالات خسائر باهظة خلال الأيام الماضية. وقطعت خدمة الإنترنت في أنحاء السودان عقب مجزرة فض اعتصام المحتجين في العاصمة الخرطوم، في 3 يونيو/حزيران الحالي.
وترفض السلطات السودانية إعادة الإنترنت رغم الخسائر الاقتصادية الناتجة عن الانقطاع، وكان الناطق الرسمي باسم المجلس العسكري، شمس الدين كباشي، قد وصف، في مؤتمر صحافي عقده مؤخرا، إعادة خدمة الإنترنت في السودان في الوقت الراهن بأنها مهدد أمني، ولم يشر إلى إمكانية إرجاعها في القريب العاجل.