ولم يلق إعلان بوتفليقة، يوم الإثنين الماضي، قبولاً لدى الكثير من المتظاهرين، الذين يحتشدون في الشوارع منذ 22 فبراير/شباط، رفضا لاستمراره في السلطة، في مشهد غير مسبوق في البلاد.
وتتعاظم مخاوف القطاع الاقتصادي من تطور الحراك الشعبي، في الوقت الذي تشهد فيه الأسواق حالة من الارتباك، انعكست على أسواق الصرف، إذ قفزت أسعار صرف الدولار الأميركي واليورو الأوروبي في السوق الموازية (السوداء)، وسط قلق متزايد من تأثر قطاعات حيوية، مثل صادرات النفط والغاز، التي تعد مورداً أساسياً للعائدات.
يقول محمد عمر نور الهاني، أحد المستثمرين في مجال خدمات الإنترنت، إن "الجزائريين كانوا ينتظرون انفراج الأزمة، بعد عودة الرئيس من رحلة العلاج في سويسرا، إلا أن العكس هو ما حدث".
ويضيف الهاني لـ"العربي الجديد"، أن "مخاوف المستثمرين تزداد مع مرور الأيام. لقد تقلّص عدد عملائي بنسبة 30 في المائة، بسبب حجب خدمات الإنترنت من طرف السلطات، واضطررت إلى إرسال توضيحات لعملائي بشأن هذا الأمر، خاصة أن أغلبهم شركات أجنبية لديها اتصالات دائمة مع شركاتها الأم خارج الجزائر".
ويشكو رجال الأعمال من تعطل كثير من مصالحهم، بسبب الإجراءات الحكومية لتقييد الحراك الشعبي. ويقول عمر جعفر شريف، الذي يعمل في إنتاج الخزف، إن "معاملات رجال الأعمال الإدارية والمالية تعطلت كثيراً، بسبب اضطراب الخدمات، وغلق بعض البنوك لفروعها خوفاً من الاحتجاجات، وهذا أثر على أعمالنا والتزاماتنا مع ممولينا وزبائننا".
ويضيف شريف لـ"العربي الجديد"، أن "استمرار هذه الحالة بدأ يشوّه صورة البلاد، وأخشى أن ينسحب المستثمرون الأجانب من الدولة، في ظل الضبابية الحالية وارتباك المعاملات".
وبينما استقر سعر صرف الدينار في السوق الرسمية خلال تعاملات أمس، الثلاثاء، ليبلغ سعر الدولار 115 ديناراً واليورو 125 ديناراً، فقد قفزت الأسعار في السوق الموازية لتصل العملة الأميركية إلى 190 ديناراً والأوروبية إلى 227 ديناراً.
وأرجع الخبير الاقتصادي فرحات علي هذا التأثر إلى ارتفاع الطلب على العملات الأجنبية من قبل المواطنين الذين يخشون من تعرض الدينار لضغوط متزايدة خلال الفترة المقبلة، وهو الأمر الذي شكل فرصة كبيرة للمضاربين الذين تتوفر لديهم سيولة أجنبية لتحقيق مكاسب كبيرة.
وتتزايد المخاوف من تفاقم الصعوبات المعيشية في ظل المشهد الحالي. فرغم أن المطالب السياسية تتصدر الحراك الذي يشهده الشارع، فإن العديد من الملفات الاقتصادية والاجتماعية لا تغيب عن الواقع، وأضحت تفرض نفسها بقوة على مجريات الأمور.
فلا تزال آثار الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الدولة منذ 2014، من جراء انهيار عائدات النفط، بادية على حياة كثير من الأسر الذين تغيرت معيشتها.
وكانت الحكومة قد لجأت في نهاية 2017 إلى الاعتماد على "التمويل غير التقليدي"، الذي يسمح للبنك المركزي بطباعة كتل نقدية وإقراضها للخزينة العمومية، على ألا يتجاوز سقف الاقتراض 11 مليار دولار سنوياً لمدة 5 سنوات.
غير أن الحكومة تخطّت الحدود التي رسمتها لنفسها، بعدما طبعت ما يعادل نحو 65 مليار دولار، وتستعد لطباعة ما يعادل 10 مليارات دولار أخرى هذا العام، لترفع مستويات الدين الداخلي المتراكم إلى 34% من الناتج الإجمالي الداخلي، حسب تصريح رئيس الحكومة أحمد أويحيى في نهاية فبراير/شباط الماضي.
وبدأت الهزات الارتدادية التي تشهدها الجزائر تصل إلى الضفة الشمالية من البحر الأبيض المتوسط، حيث أبدت بعض عواصم الجنوب الأوروبي قلقها من تأثير الانسداد السياسي الذي تعيشه الدولة على إمدادات الطاقة، لكون الجزائر الممون الرئيسي للمنطقة بالغاز الطبيعي، فيما تسعى هذه الأخيرة إلى إرسال تطمينات لزبائنها.
وتعتبر الجزائر من أهم مموني القارّة الأوروبية بالغاز الطبيعي، إذ تستورد القارّة العجوز قرابة 30% من حاجاتها من الغاز من الجزائر عبر ثلاثة أنابيب.
وحسب بيانات رسمية، تحوز إيطاليا أكبر حصة من الغاز الجزائري بنحو 60%، تليها إسبانيا بنحو 20%، وفرنسا 12%، ثم البرتغال 7%، وسلوفينيا 1%.