فوجىء الفلسطيني يوسف الشريف بقرار تسريحه من العمل في إحدى مؤسسات القطاع الخاص، في الوقت الذي لم تنته فيه مدة العقد المبرم بينه وبين الشركة، وعند مراجعة صاحب العمل كان الجواب يدور حول جُملة من التسريحات لموظفي الشركة بحجة الظروف الاقتصادية الصعبة، التي يمر بها قطاع غزة وانعكاسها سلباً على العمل.
ودخل قطاع غزة في أوج أزماته، بعد اشتداد الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع في عامه الحادي عشر، وإغلاق المعابر أمام حركة البضائع والأفراد، ما نتج عنه ركود اقتصادي حاد، وارتفاع لمستويات البطالة لنحو 41%، ووصول عدد العاطلين عن العمل إلى نحو 207 آلاف شخص.
وأوضح الشريف، لـ"العربي الجديد"، أنه لم يكن يتوقع أن يُدرج اسمه ضمن المُستغنى عنهم في العمل، إذ كان اسمه ضمن 20 آخرين، لقوا نفس المصير، بفعل الوضع الاقتصادي المتردي في غزة، مبيناً أنه سيعود للبحث عن عمل آخر، لعله يُعيد تحقيق "الحُلم" في إيجاد وظيفة تساعده على توفير مصدر دخل يعيله وزوجته.
أما العاملون في مصانع الخياطة في غزة، فكانوا الأكثر ضرراً في الإجراءات الجديدة القديمة، فقد أقدم صاحب أحد تلك المصانع المحدودة في القطاع على تسريح 70% من العاملين فيه، بفعل شُح المواد الخام وعدم نشاط السوق وضعف الاقتصاد العام، نتيجة للحصار الإسرائيلي المفروض على المدينة منذ 2007.
إغلاق معظم المصانع
وضم قطاع غزة قبيل اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000 ما يزيد عن 900 مصنع، وصل عدد العاملين فيها إلى نحو 36 ألف عامل من مختلف الفئات العمرية، وخلال تلك السنوات تدنى العدد إلى قرابة 15 ألف عامل، ومع فرض الحصار الإسرائيلي منتصف 2007، أغلقت معظم تلك المصانع أبوابها وسرّحت العاملين فيها.
وقال صاحب المصنع، ماهر حجازي، لـ"العربي الجديد": "مصنعي ما زال كما هو بمعداته وماكيناته، لكن لا يوجد عمل، نعمل فقط في المواسم، مثلاً قبيل بدء موسم المدارس، لذلك لا يمكن أن ترهن المصنع بأجور عاملين دون طلب"، مؤكدًا على أن الحصار الإسرائيلي يعتبر سببًا مباشرًا في ركود مصانع الخياطة وتسريح موظفيها.
وتشتد معاناة نحو مليوني مواطن في غزة، مع العام الحادي عشر للحصار الإسرائيلي، والذي ألقى بظلاله على فصول جديدة من المعاناة، من تفاقم أزمة الكهرباء والصحة، وازدياد الأوضاع المعيشية والاقتصادية سوءًا، فضلاً عن اقتطاعات في رواتب موظفي القطاع من جانب السلطة الفلسطينية، وتسريحٍ للموظفين والعمال من أماكن عملهم، بفعل سوء الأوضاع.
وتكمن معضلة تسريح الموظفين والعاملين في الشركات والمصانع والمؤسسات والمحلات التجارية في غزة، في رفع نسبة البطالة في غزة، في ظل عدم توافر فرص بديلة، وانعدام مدخول الأفراد، وانحسار دخل الغزّي بدولار واحد يومياً فقط، ما يُخلف مشاكل اقتصادية ويؤسس لتدهور مشاكل الفقر وفرص العمل بالمدينة المحاصرة.
في غضون ذلك، بيّن رئيس جمعية رجال الأعمال بغزة، علي الحايك، أن العام الجاري هو الأسوأ اقتصادياً على القطاع، حيث أدى تفاقم مشكلة الكهرباء واشتداد الحصار الإسرائيلي والمناكفات السياسية وتبعات الانقسام الفلسطيني-الفلسطيني إلى ركود اقتصادي واضح.
وقال الحايك: "جميع الأزمات، التي تمر بها غزة، ألقت بظلالها على الموظفين، حيث عملت المؤسسات والشركات على تسريح جزء من موظفيها بسبب تردي الأوضاع"، مشددًا على أن العاملين في القطاع الصناعي كانوا الأكثر ضررًا من تلك التبعات، فضلاً عن العاملين في القطاعات التجارية والمقاولات وغيرها.
ارتفاع البطالة والفقر
وأشار الحايك إلى أن تردي الأوضاع الاقتصادية في غزة أدى إلى تسريح نحو 30 ألف عامل في القطاعات الصناعية، والتي ألقت بظلالها على ارتفاع نسب البطالة ومعدلات الفقر، ناهيك عن سحب تصاريح ما يقارب 2500 عامل غزّي كانوا يعملون في الأراضي المحتلة عام 1948.
ونوه رئيس الجمعية إلى أن الموظفين لم يكونوا المتضررين وحدهم من سوء الأوضاع، فأرباب العمل تكبدوا خسائر بفعل أزمة الكهرباء التي تعتبر مشكلة أساسية في سوء الاقتصاد، عدا عن وقف المشاريع وعدم توفر الدعم لمنشآتهم وصناعاتهم، مما نتج عنه نقص في الإنتاجية، والذي دفعهم للاستغناء عن بعض العاملين لديهم.
وبشأن إيجاد حلول بالأفق، أكد الحايك على ضرورة إيجاد حل لأزمة الكهرباء عن طريق العمل على إنهاء الانقسام الفلسطيني، ورفع الحصار وفتح المعابر أمام قطاع غزة، لتمكين الشركات والمصانع والمؤسسات من العمل بدلاً من الركود الذي يغزوها منذ أوائل العام الجاري.
وبالنظر إلى الحرب الإسرائيلية الأخيرة على القطاع خلال صيف 2014، وتأثيراتها سلباً على اقتصاد غزة، فإن آلة الاحتلال دمرت 500 منشأة تجارية بشكل كلي وجزئي، ما رفع من معدلات البطالة، عدا عن أن إسرائيل فرضت قيودًا على عملية دخول مواد الإعمار إلى القطاع، ما جعل وتيرة الإعمار تسير ببطء كبير.
وقال مدير العلاقات العامة في الغرفة التجارية بغزة، ماهر الطباع، إن عمل المؤسسات والشركات على تقليص موظفيها في الآونة الأخيرة جاء بسبب الوضع الاقتصادي السيىء الذي تعيشه غزة، وبطء عملية الإعمار، وانخفاض الإنتاجية للقطاعات الاقتصادية، ما فرض حالة من الكساد التجاري للقطاع المحاصر إسرائيلياً.
وأوضح الطباع لـ"العربي الجديد" أن تعاقب الأزمات على غزة عكس اتجاه حل مشاكل البطالة والفقر، حيث عمل على تفاقم الوضع الاقتصادي، مشيراً إلى أن هناك انخفاضاً في المساعدات الدولية الإغاثية الإنسانية، والمساعدات الخاصة بالمشاريع في النصف الأول من العام 2017 بنحو 75% عن النصف الأول من العام 2016.
ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن غزة على مدار 11 عاماً من الحصار الإسرائيلي المفروض عليها، لم تشهد أفضل من الفترة ما بين 2011 و2013 في الانفراجات الاقتصادية، حيث كان الفلسطينيون يعملون في الأنفاق، ما خفض من نسب البطالة، مؤكدًا على أن الحل يكمن في تسريع عملية إعادة إعمار القطاع.
ومع تعاقب الأزمات المتعددة على القطاع، جاءت أزمة الاقتطاعات في رواتب الموظفين بالسلطة الفلسطينية قبل نحو أربعة أشهر، لتزيد من حالة التدهور الاقتصادي في القطاع.
وتضررت أسواق غزة بشكل كبير، بعد الاقتطاعات، التي أنهكت أحوال الموظفين المعيشية وانعكست سلباً على حركة التجارة، حيث باتت ملحوظةً ندرة الحركة الشرائية داخل الأسواق المركزية.