في خطوة جديدة من خطوات الحرب على المضاربين في أسواق العملات الأجنبية والذهب والسلع الاستراتيجية، قرر بنك السودان المركزي حجز أموال 89 عميلاً في المصارف السودانية، مع تجميد وإيقاف جميع معاملاتهم المصرفية بالعملات الأجنبية، فضلاً عن طلبه إفادة بالرصيد القائم بصورة عاجلة.
وكان بنك السودان، قد قام بإجراء مماثل في يناير/كانون الثاني الماضي، بحظر 130 شركة استيراد وتصدير، من التعامل المصرفي، لعدم الالتزام بحصائل صادرات مستحقة للفترات السابقة.
ومن بين الشركات المحظورة، شركات تساهم فيها الحكومة، كما أصدر محافظ بنك السودان قرارات أكثر تشدداً في فبراير/شباط الماضي، بإجراءات تأديبية في مواجهة 4 قيادات مصرفية تورطت في تجاوزات مصرفية، مع منع بنكين من العمل في عمليات التصدير والاستيراد بسبب مخالفة للوائح والمنشورات التي يصدرها البنك المركزي، كما وجه البنك المركزي إنذارات لستة بنوك أخرى بسبب مخالفات لضوابط النقد الأجنبي، فضلاً عن إجراءات أخرى بامتصاص السيولة النقدية من السوق وتحديد سقوفات للسحب اليومي من البنوك.
وفي منشوره الأخير، بوضع قائمة سوداء تتضمن عملاء بنوك مشتبهاً في اتجارهم بالعملة، لم يتردد البنك المركزي في نشر القائمة التي تم تداولها بشكل واسع في وسائط التواصل الاجتماعي السودانية، مقرونة بتوجيهات صارمة من البنك المركزي وصادرة من الإدارة العامة للرقابة المصرفية ببنك السودان لكافة المصارف السودانية بالتطبيق الفوري لتلك التوجيهات.
ولم ترد في قائمة العملاء أسماء معروفة من رجالات المال والأعمال في السودان، باستثناء عميل واحد يمت بصلة قرابة لواحد من القيادات النافذة في حزب المؤتمر الوطني الحاكم، بينما تشير مصادر "العربي الجديد"، إلى أن الغالبية العظمى من الأسماء الموجود في القائمة من المشتبه في تورطهم في تجارة العملة، التي تنوي الحكومة ملاحقتهم داخلياً وخارجياً.
ورحبت الأوساط الاقتصادية في السودان بالإجراءات الجديدة باعتبارها ستساهم إلى حد كبير في الحد من تدهور سلع وتمنع دخول مضاربين جدد، فيما يرى بعضهم أن القرارات تأخرت كثيرا، وحذروا من تأثيره على الجهاز المصرفي الذي ربما سيفقد الناس الثقة به، بعد سلسلة من الإجراءات الأخيرة، وأبدى الكثيرون خشيتهم من تغيير المضاربين لأنشطتهم.
وقال الأمين العام لاتحاد المصارف السودانية، مجذوب جلي لـ"العربي الجديد" إن بنك السودان المركزي، ظل يصدر مثل تلك المنشورات بقوائم سوداء منذ زمن طويل، وبصورة قد تكون أقرب للسرية، في حين بات في الشهور الأخيرة، لا يتردد في الكشف عن أسماء الشركات وعملاء المصارف الذين يضعهم في القائمة، وتصل حتى لوسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي.
وأكد أن منهج الشفافية سيردع الكثيرين من الذين يحاولون الدخول إلى عالم المضاربات في العملة والذهب والسلع الاستراتيجية وحصائل الصادر، مؤكدا أن مجمل السياسات التي انتهجها بنك السودان في الفترة الأخيرة سيحد من عمليات تخريب الاقتصاد السوداني.
من جهته، قال الخبير الاقتصادي، طه حسين لـ"العربي الجديد" إن السبب الرئيس للقرار الأخير لبنك السودان هو حجم النشاط غير الواضح لعملاء بعض البنوك، مؤكداً أنها خطوة ممتازة.
وطالب حسين بإجراءات أخرى إدارية مثل تفعيل التجارة الإلكترونية وإلزام المؤسسات الحكومية بأن تجري تعاملاتها بعيداً عن استخدام النقود، وأن تشمل الإجراءات كذلك التحقيق مع أي عميل، حتى في ما يتعلق بعمليات الإيداع، بحيث يتم التحقيق مع أي عميل أودع أكثر من 100 ألف جنيه حتى تتم معرفه نشاطه. وذلك بتفعيل قانون جرائم غسل الأموال ومتابعة أية معاملات خارج القطاع المصرفي.
وفي تصريح صحافي للأمين العام السابق لشعبة مصدري الماشية صديق حدوب، قال إن التلاعب في الحصائل سببه الأساسي هو تهاون الدولة وضعف السياسات الحكومية، وتوقع أن يرجع المحظورون للعمل بصورة أو بأخرى، متسائلاً عن تحرك بنك السودان في هذا التوقيت، بخاصة أن تجار العملة يعملون منذ وقت طويل ولا توجد أية قرارات ناجزة لحسمهم.
وبعد عدد كبير من الإجراءات، بقي سعر الدولار عند حاجز 32 جنيها مع ركود كبير في حركة البيع والشراء، وقال تاجر عملة طلب عدم الكشف عن اسمه، إن كل ما يتخذه بنك السودان من إجراءات تجاه تجار العملة غير مجدية، ولن يكون لها أثر في تخفيض سعر الدولار كما تشتهي الحكومة، مضيفاً أنه "كان بنك السودان قرر تجميد أرصدة 89 تاجراً، فسيبرز في السوق أضاعفهم، وتوقع عدم تصرف سلطات بنك السودان في الأرصدة المحجوزة وستمنحها لأصحابها بالعملة المحلية، متى ما أزيل عنها الحظر".
بدوره يؤكد، الخبير الاقتصادي، عبد الله الرمادي في حديثه لـ"العربي الجديد" أن الإجراءات الأمنية والإدارية ظلت على الدوام غير ذات جدوى، لكنها فقط هذه المرة سيكون لها نتيجة بتنظيف السوق من المضاربين والمتلاعبين بالدولار، مطالباً بإجراء أكثر تشدداً تجاه فئة ليست بعيدة عن المضاربين وهم مهربو الذهب والسمسم والصمغ العربي الذين لا يعيدون حصيلة تهريبهم للمصارف، بل يبيعونها لتجار العملة.
كما طالب باتخاذ إجراءات مماثلة تجاه عمليات الفساد التي تحرم الاقتصاد السوداني من أموال كان يفترض أن تذهب للخزينة العامة وللإنتاج على وجه التحديد، مشيراً إلى أن كل تلك الخطوات ستشجع المستثمر الأجنبي للدخول في مشاريع في السودان.