تواجه حكومة تصريف الأعمال الجزائرية صعوبة في إعداد موازنة العام 2020. إذ تجد حكومة نور الدين بدوي نفسها أمام تحدي الحسابات السياسية، التي تلقي بظلالها على إعداد قانون المالية، وتواجه امتحان الإبقاء على ميزانية الدعم، لشراء السلم الاجتماعي. وفي موازاة ذلك، تعاني من صعوبة في جمع الأموال، في ظل شح الموارد المالية وارتفاع الإنفاق الذي رفع حجم الموازنة إلى 64 مليار دولار سنة 2019.
وتزايد الحديث في البلاد عن تأخر الحكومة المؤقتة في إعداد موازنة 2020. حتى التسريبات الأولى للخطة المالية التي كانت تسربها الحكومة سابقاً لجس نبض الشارع الجزائري، غائبة هذه السنة، ما يؤكد أن إعداد موازنة البلاد للسنة المقبلة لا تزال في مرحلة الدراسة.
ويؤكد وزير المالية السابق عبد الرحمان بن خالفة أن "إعداد الموازنة العامة في العادة ينتهي في منتصف آب/أغسطس، من طرف خبراء وزارة المالية بعدما يتم جمع المعلومات والاقتراحات من مختلف الوزارات، لتكون المسودة جاهزة في نهاية الشهر الثامن من السنة، على أن ترسل مسودة الموازنة العامة إلى مكتب رئيس الحكومة مطلع سبتمبر/أيلول.
اقــرأ أيضاً
وفي كل عام تقريباً يتم تسريب بعض النقاط من الموازنة إلى الصحافة، خاصة المتعلقة مباشرة بالمواطن كرفع الضرائب أو زيادة أسعار المواد واسعة الاستهلاك، على أن تُعدل المسودة على ضوء ردة فعل الشارع، تمهيداً لعرضها على رئيس البلاد الذي يحولها إلى البرلمان في شهر نوفمبر/تشرين الثاني".
ويضيف الوزير السابق لـ "العربي الجديد" أن "المعلومات القادمة من داخل الحكومة تفيد أن إعداد موازنة 2020 يشهد تأخراً كبيراً، فوزارة المالية تجد صعوبة في جمع الأموال اللازمة لتغطية النفقات، وذلك وسط توقعات بأن يرتفع الإنفاق العام بحدود 8 في المائة السنة المقبلة لتحريك المشاريع الكبرى المعطلة.
شح الموارد
وأكبر عقبة تواجه حكومة تصريف الأعمال في رسم موازنة السنة المقبلة، هي نقص الموارد المالية. فعادة ما تلجأ الحكومة إلى عائدات النفط واحتياطي الصرف لتغطية ميزانية الدولة، إلا أن المعطيات هذه المرة تغيرت، فعائدات النفط لا تزال متهاوية، واحتياطي الصرف يتبخر بسرعة ولم تعد الجزائر قادرة على مساره الهبوطي، لارتفاع الإنفاق، على الاستيراد خاصة.
ويقول الخبير الاقتصادي والمستشار السابق لدى الحكومة عبد الرحمان مبتول إن "الحكومة ملزمة بجمع 65 مليار دولار على الأقل لموازنة 2020، وضخها في الخزينة العمومية قبل نهاية السنة الحالية، وهي مهمة صعبة في الوقت الراهن، لسببين وهما تراجع احتياطي الصرف إلى مستويات "حمراء" بعدما بلغ نهاية أبريل/نيسان المنصرم 72 مليار دولار، واستقرار عائدات النفط عند مستويات 37 مليار دولار عند نهاية السنة الحالية".
اقــرأ أيضاً
ويضيف المتحدث نفسه لـ "العربي الجديد" أن "الحكومة خسرت ورقة تمويلية هامة هذه السنة، وهي التمويل غير التقليدي، الذي سمح السنة الماضية للمركزي الجزائري بطبع 60 مليار دولار وإقراضها للخزينة العمومية. يضاف إلى كل هذه العقبات مشكلة أخرى تتعلق بسد العجز في الخزينة المُقدر بـ 30 مليار دولار. وفوق ذلك يأتي ضمان الواردات، أي أن الحكومة لا تستطيع توجيه كل الأموال الموجودة في الموازنة العامة وتترك تمويل الواردات عالقاً، خاصة وأن الجزائر لا تنتج الكثير من السلع والخدمات".
تعدي الخطوط الحمراء
وكانت احتياطات صرف الجزائر قد تراجعت إلى 72.6 مليار دولار مع نهاية إبريل/نيسان 2019، مقابل 79.88 مليار دولار في نهاية سنة 2018، أي بانخفاض قدره 7.28 مليارات دولار في أربعة أشهر، حسب أرقام وزارة المالية. وفي 2018، تقلصت الاحتياطات بـ 17.45 مليار دولار مقارنة بنهاية 2017، عندما استقر الاحتياطي عند 97.33 مليار دولار. وتوقعت الحكومة الجزائرية في موازنة سنة 2019، انخفاضا في احتياطات الصرف إلى 62 مليار دولار، ثم إلى 47.8 مليار دولار في 2020 ليصل إلى 33.8 مليار دولار في عام 2021.
وتلخّص الأرقام التي توقّعتها الحكومة الجزائرية، المتعلقة باحتياطي البلاد من النقد الأجنبي، امتداد الوضعية الحرجة لاقتصاد الدولة العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) خلال السنتين المقبلتين. إذ تشير التوقعات الرسمية إلى سرعة تآكل احتياطي العملة الصعبة لدى البنك المركزي الجزائري، متعدياً الخطوط الحمراء مستقبلاً.
الحسابات السياسية
وتدخل الحكومة الجزائرية سباقها ضد الزمن من أجل إعداد موازنة السنة المقبلة، تحت ضغط الحسابات السياسية التي تفرضها الظروف التي تعيشها البلاد، منذ انطلاق الحراك الشعبي قبل 6 أشهر وما تبعه من سقوطٍ لنظام عبد العزيز بوتفليقة. فحكومة نور الدين بدوي المرفوضة شعبيا تجد نفسها بين مطرقة "شح الموارد المالية" وسندان "شراء السلم الاجتماعي"، حتى لا تثير الشارع الجزائري الذي يرفض كل أشكال الحوار مع السلطة الحالية.
اقــرأ أيضاً
ولعل أصعب ورشة تفتحها الحكومة الجزائرية هي ورشة الإبقاء على ميزانية الدعم عند مستويات 2019 المرتفعة، والتي تعدت فيها فاتورة الدعم 1.77 ترليون دينار أي ما يقارب 16 مليار دولار، منها 10 مليارات دولار دعما مباشرا للأسعار والخدمات.
ويرى الخبير الاقتصادي فرحات علي أن "الحكومة ملزمة بشراء السلم الاجتماعي في موازنة 2020 وذلك بإبقاء ميزانية الدعم مرتفعة مقارنة بسنتي 2019 و2018، وتأجيل قرار مراجعة سياسة الدعم، بعدما كان من المقرر وقف العمل به السنة المقبلة. الشارع الجزائري يغلي بسبب مماطلة السلطة والمؤسسة العسكرية في تلبية مطالبه، ولن تخاطر الحكومة باتخاذ أي إجراءات قد تُغضب الشارع".
ويضيف لـ "العربي الجيد" أن "الدعم ارتفع في السنوات الأخيرة من حكم بوتفليقة من 12 مليار دولار إلى 16 مليارا، وذلك بعد تبني الحكومات السابقة سياسة "شراء السلم الاجتماعي" للتغطية على مرض الرئيس منذ 2013، وبالتالي حكومة بدوي ورثت تركة ثقيلة عليها، وتواجه تحديات في هذا الصدد".
اقــرأ أيضاً
وكلفت فاتورة الدعم الخزينة الجزائرية أكثر من 150 مليار دولار منذ 2010، وشهدت الفاتورة ارتفاعاً كبيراً منذ سنة 2013، حيث ارتفعت من 13 مليار دولار إلى 20 مليار دولار سنة 2014 بعد مرض الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ثم استقرت عند 17 مليار دولار في 2015، و18 مليار دولار سنة 2016، و16 مليار دولار سنة 2017، قبل أن ترتفع مجددا عند 17 مليار دولار في 2018، و16 مليار دولار في السنة الحالية.
وتزايد الحديث في البلاد عن تأخر الحكومة المؤقتة في إعداد موازنة 2020. حتى التسريبات الأولى للخطة المالية التي كانت تسربها الحكومة سابقاً لجس نبض الشارع الجزائري، غائبة هذه السنة، ما يؤكد أن إعداد موازنة البلاد للسنة المقبلة لا تزال في مرحلة الدراسة.
ويؤكد وزير المالية السابق عبد الرحمان بن خالفة أن "إعداد الموازنة العامة في العادة ينتهي في منتصف آب/أغسطس، من طرف خبراء وزارة المالية بعدما يتم جمع المعلومات والاقتراحات من مختلف الوزارات، لتكون المسودة جاهزة في نهاية الشهر الثامن من السنة، على أن ترسل مسودة الموازنة العامة إلى مكتب رئيس الحكومة مطلع سبتمبر/أيلول.
ويضيف الوزير السابق لـ "العربي الجديد" أن "المعلومات القادمة من داخل الحكومة تفيد أن إعداد موازنة 2020 يشهد تأخراً كبيراً، فوزارة المالية تجد صعوبة في جمع الأموال اللازمة لتغطية النفقات، وذلك وسط توقعات بأن يرتفع الإنفاق العام بحدود 8 في المائة السنة المقبلة لتحريك المشاريع الكبرى المعطلة.
شح الموارد
وأكبر عقبة تواجه حكومة تصريف الأعمال في رسم موازنة السنة المقبلة، هي نقص الموارد المالية. فعادة ما تلجأ الحكومة إلى عائدات النفط واحتياطي الصرف لتغطية ميزانية الدولة، إلا أن المعطيات هذه المرة تغيرت، فعائدات النفط لا تزال متهاوية، واحتياطي الصرف يتبخر بسرعة ولم تعد الجزائر قادرة على مساره الهبوطي، لارتفاع الإنفاق، على الاستيراد خاصة.
ويقول الخبير الاقتصادي والمستشار السابق لدى الحكومة عبد الرحمان مبتول إن "الحكومة ملزمة بجمع 65 مليار دولار على الأقل لموازنة 2020، وضخها في الخزينة العمومية قبل نهاية السنة الحالية، وهي مهمة صعبة في الوقت الراهن، لسببين وهما تراجع احتياطي الصرف إلى مستويات "حمراء" بعدما بلغ نهاية أبريل/نيسان المنصرم 72 مليار دولار، واستقرار عائدات النفط عند مستويات 37 مليار دولار عند نهاية السنة الحالية".
ويضيف المتحدث نفسه لـ "العربي الجديد" أن "الحكومة خسرت ورقة تمويلية هامة هذه السنة، وهي التمويل غير التقليدي، الذي سمح السنة الماضية للمركزي الجزائري بطبع 60 مليار دولار وإقراضها للخزينة العمومية. يضاف إلى كل هذه العقبات مشكلة أخرى تتعلق بسد العجز في الخزينة المُقدر بـ 30 مليار دولار. وفوق ذلك يأتي ضمان الواردات، أي أن الحكومة لا تستطيع توجيه كل الأموال الموجودة في الموازنة العامة وتترك تمويل الواردات عالقاً، خاصة وأن الجزائر لا تنتج الكثير من السلع والخدمات".
تعدي الخطوط الحمراء
وكانت احتياطات صرف الجزائر قد تراجعت إلى 72.6 مليار دولار مع نهاية إبريل/نيسان 2019، مقابل 79.88 مليار دولار في نهاية سنة 2018، أي بانخفاض قدره 7.28 مليارات دولار في أربعة أشهر، حسب أرقام وزارة المالية. وفي 2018، تقلصت الاحتياطات بـ 17.45 مليار دولار مقارنة بنهاية 2017، عندما استقر الاحتياطي عند 97.33 مليار دولار. وتوقعت الحكومة الجزائرية في موازنة سنة 2019، انخفاضا في احتياطات الصرف إلى 62 مليار دولار، ثم إلى 47.8 مليار دولار في 2020 ليصل إلى 33.8 مليار دولار في عام 2021.
وتلخّص الأرقام التي توقّعتها الحكومة الجزائرية، المتعلقة باحتياطي البلاد من النقد الأجنبي، امتداد الوضعية الحرجة لاقتصاد الدولة العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) خلال السنتين المقبلتين. إذ تشير التوقعات الرسمية إلى سرعة تآكل احتياطي العملة الصعبة لدى البنك المركزي الجزائري، متعدياً الخطوط الحمراء مستقبلاً.
الحسابات السياسية
وتدخل الحكومة الجزائرية سباقها ضد الزمن من أجل إعداد موازنة السنة المقبلة، تحت ضغط الحسابات السياسية التي تفرضها الظروف التي تعيشها البلاد، منذ انطلاق الحراك الشعبي قبل 6 أشهر وما تبعه من سقوطٍ لنظام عبد العزيز بوتفليقة. فحكومة نور الدين بدوي المرفوضة شعبيا تجد نفسها بين مطرقة "شح الموارد المالية" وسندان "شراء السلم الاجتماعي"، حتى لا تثير الشارع الجزائري الذي يرفض كل أشكال الحوار مع السلطة الحالية.
ولعل أصعب ورشة تفتحها الحكومة الجزائرية هي ورشة الإبقاء على ميزانية الدعم عند مستويات 2019 المرتفعة، والتي تعدت فيها فاتورة الدعم 1.77 ترليون دينار أي ما يقارب 16 مليار دولار، منها 10 مليارات دولار دعما مباشرا للأسعار والخدمات.
ويرى الخبير الاقتصادي فرحات علي أن "الحكومة ملزمة بشراء السلم الاجتماعي في موازنة 2020 وذلك بإبقاء ميزانية الدعم مرتفعة مقارنة بسنتي 2019 و2018، وتأجيل قرار مراجعة سياسة الدعم، بعدما كان من المقرر وقف العمل به السنة المقبلة. الشارع الجزائري يغلي بسبب مماطلة السلطة والمؤسسة العسكرية في تلبية مطالبه، ولن تخاطر الحكومة باتخاذ أي إجراءات قد تُغضب الشارع".
ويضيف لـ "العربي الجيد" أن "الدعم ارتفع في السنوات الأخيرة من حكم بوتفليقة من 12 مليار دولار إلى 16 مليارا، وذلك بعد تبني الحكومات السابقة سياسة "شراء السلم الاجتماعي" للتغطية على مرض الرئيس منذ 2013، وبالتالي حكومة بدوي ورثت تركة ثقيلة عليها، وتواجه تحديات في هذا الصدد".
وكلفت فاتورة الدعم الخزينة الجزائرية أكثر من 150 مليار دولار منذ 2010، وشهدت الفاتورة ارتفاعاً كبيراً منذ سنة 2013، حيث ارتفعت من 13 مليار دولار إلى 20 مليار دولار سنة 2014 بعد مرض الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ثم استقرت عند 17 مليار دولار في 2015، و18 مليار دولار سنة 2016، و16 مليار دولار سنة 2017، قبل أن ترتفع مجددا عند 17 مليار دولار في 2018، و16 مليار دولار في السنة الحالية.