في أحدث قراءات مؤشرها لأكثر الدول صحة حول العالم، أعلنت وكالة "بلومبيرغ" أن إسبانيا وإيطاليا وآيسلندا واليابان وسويسرا احتلت المراكز الخمسة الأولى بالترتيب بين دول العالم، وأن إسرائيل جاءت في المركز العاشر، والولايات المتحدة في المركز الخامس والثلاثين.
بينما تأخر ظهور الدول العربية، حيث لم تظهر أي دولة منها قبل المركز السادس والثلاثين، واحتلته البحرين، لتليها قطر في المركز السابع والثلاثين، ولم تظهر مصر، ولا أي دولة أفريقية، ضمن القائمة التي نشرتها الوكالة للدول الست والخمسين الأكثر صحة في العالم.
وقالت الوكالة أن المؤشر الذي استخدمته صنّف الدول وفقاً لعدة عوامل، من ضمنها متوسطات الأعمار عند الوفاة، وأيضاً المخاطر الناجمة عن التدخين والسمنة، كما العوامل البيئية الأخرى، ومنها توفر المياه النظيفة والصرف الصحي.
لم يكن غياب مصر عن المراكز الأولى وفقاً لهذا المؤشر مفاجأة، كما لم يكن تراجع ترتيبها في كل مؤشرات التنمية الأخرى، وعلى رأسها التعليم والبحث العلمي، مفاجأة، بعد أن ارتفع العجز في الموازنة العامة للدولة، بضغط من مصاريف خدمة الدين، كما التورط في مشروعات، تطلق عليها صفة القومية، ولا يعلم أحد من خارج المؤسسات السيادية كيفية تمويلها.
اقــرأ أيضاً
وفي الموازنة العامة التي يتم العمل على إعدادها حالياً، لتقديمها إلى مجلس النواب خلال الشهر القادم، لا يتوقع أحد أن تقل نسبة ما يتم توجيهه من الإيرادات العامة للدولة لبند خدمة الدين وحده، أي الفائدة على ما يتم اقتراضه، ودون سداد أي أقساط، عن خمسين بالمائة من إجمالي الإيرادات، بعد أن اقترب الدين العام للدولة من أربعة ونصف تريليون جنيه في بداية السنة المالية الحالية، وتشير أغلبية التوقعات إلى وصوله لمستوى خمسة ونصف تريليون جنيه، منها ما يقرب من مائة مليار دولار ديوناً خارجية، مع بداية السنة المالية القادمة 2019-2020 التي ستبدأ بداية يوليو/تموز المقبل.
ومع زيادة ما تستحوذ عليه خدمة الدين من الإيرادات العامة للدولة، كان طبيعياً أن يقل ما يتم توجيهه للإنفاق على الصحة والتعليم والبحث العلمي، وهو ما نتج منه ما نراه من تدهور تلك الخدمات، وتراجع ترتيب مصر في المؤشرات العالمية مقارنةً بالدول الأخرى.
ورغم غياب الكفاءة الظاهر في العديد من القرارات والسياسات المتبعة، إلا أنه من الواضح أن الحكومة المصرية مدركة لهذا الخلل الواضح في الموازنة العامة للدولة، على الأقل من خلال ملاحظة تزايد المبالغ التي يتعين عليها اقتراضها طوال الوقت، وهو ما دفعها إلى العمل على إعداد استراتيجية، تقول إنها تنوي إشراك مجلس النواب في إعدادها، من أجل تنشيط الإيرادات العامة للدولة على المدى المتوسط.
ونقلت مواقع إخبارية أخيراً أن الحكومة المصرية قالت إنها ستعمل على تقليل الفجوة بين إيرادات ومصروفات الدولة "من خلال ترشيد الإعفاءات الضريبية وتحسين إدارة أصول الدولة".
لكن الحكومة قالت إن استراتيجيتها تشمل "إعادة النظر في خمسة قطاعات مهمة، هي الصحة والتعليم وبرامج الحماية الاجتماعية والنقل والبنية التحتية، والتي تمثل الجزء الأكبر من الإنفاق الحكومي"، وأكدت أنها تنوي "إعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام في تلك القطاعات"، الأمر الذي يبدو أنه تمهيد لتخفيض ما يتم توجيهه لتلك القطاعات، رغم وجود النصوص الدستورية التي تمنع ذلك.
السياسات المالية والضريبية، وتخصيص الأموال المتاحة للإنفاق الحكومي، ليست من أمور الرفاهية في أي دولة، وتمثل أهمية كبيرة للدول التي تمر بمراحل انتقالية في حياتها الاقتصادية والسياسية، كما هو الحال في مصر حالياً.
وفي الدول التي تسمح بانتخابات حرة وتداول سلمي للسلطة، يختار المواطنون المرشحين المؤيدين للسياسات التي تخدم مصالح الأغلبية، وتوفر أسباب الحياة الكريمة للطبقات الأضعف، من خلال الإنفاق على القطاعات التي تهمهم، ومنها بالتأكيد القطاعات الخمسة التي قررت الدولة المصرية تخفيض الإنفاق عليها.
اقــرأ أيضاً
المشكلة الحقيقية في مصر أن من يضعون السياسات، ومن تُعرض عليهم السياسات، ومن يُسمح لهم بمناقشة تلك السياسات، لا يُعالجون في المستشفيات الحكومية، وربما لا يُعالجون في مصر من الأساس، كما أن أبناءهم لا يذهبون إلى المدارس الحكومية، وتزداد يوماً بعد يوم عزلتهم عن الغالبية العظمى من المواطنين، الذين لا يتقدمون إلى الواجهة إلا عند البحث عمن يتحمل تكاليف ما يطلق عليه اسم "الإصلاح الاقتصادي"، من رفع للدعم وزيادة أسعار المياه والكهرباء والوقود والمواصلات والعلاج.
بينما تنهال الإعفاءات الضريبية، والمزايا الاستثمارية على الطبقات الأعلى، وبآليات غير موجودة في أي دولة أخرى، ويتم تحديثها بانتظام، لضمان وصولها إلى الفئات المستهدفة من "علية القوم".
قضية انحياز السلطة الحاكمة لبعض جماعات المصالح موجودة في كل دول العالم، وتثير الجدل بدرجات متفاوتة، تتناسب مع تفشي الظاهرة في كل دولة.
وفي الولايات المتحدة، التي ازداد فيها التفاوت في الدخول، بدرجات غير مسبوقة، خلال الأربعين سنة الأخيرة، لا يتوقف البحث عن الأفكار التي تقلل من حدة ذلك التفاوت، وتعمل على إعادة توزيع الثروات بين الطبقات الاقتصادية المختلفة، من خلال سياسات ضرائبية عادلة، لا يفلت منها أحد.
لكن بعيداً عن تلك السياسات، التي تحددها بشكل كبير هوية الفائز في الانتخابات الرئاسية، ضمنت الحكومة الأميركية لكل المواطنين، بل وللمهاجرين أيضاً من غير مكتملي الأوراق، حداً أدنى من التعليم المجاني عالي الكفاءة، حتى الوصول إلى الجامعة، مع وجود فرص حقيقية كبيرة، لإتمام التعليم الجامعي، بتكاليف محدودة، تكاد تقترب من الصفر في كثير من الحالات، وتأمين طبي مجاني لطلبة المدارس.
أتصور أن الحكومة المصرية الحالية لو نجحت في توفير هذين البندين للأجيال الجديدة، لوفرت مئات المليارات من الجنيهات، التي يتم توجيهها لعمليات غسيل المخ والقمع والتجسس على المواطنين، وهو ما يأخذنا لنقطةٍ محورية، وهي مدي تقارب أولويات الحكومة مع أولويات المواطنين، لكنّ لهذا حديثاً آخر، إن كان لنا عمر.
بينما تأخر ظهور الدول العربية، حيث لم تظهر أي دولة منها قبل المركز السادس والثلاثين، واحتلته البحرين، لتليها قطر في المركز السابع والثلاثين، ولم تظهر مصر، ولا أي دولة أفريقية، ضمن القائمة التي نشرتها الوكالة للدول الست والخمسين الأكثر صحة في العالم.
وقالت الوكالة أن المؤشر الذي استخدمته صنّف الدول وفقاً لعدة عوامل، من ضمنها متوسطات الأعمار عند الوفاة، وأيضاً المخاطر الناجمة عن التدخين والسمنة، كما العوامل البيئية الأخرى، ومنها توفر المياه النظيفة والصرف الصحي.
لم يكن غياب مصر عن المراكز الأولى وفقاً لهذا المؤشر مفاجأة، كما لم يكن تراجع ترتيبها في كل مؤشرات التنمية الأخرى، وعلى رأسها التعليم والبحث العلمي، مفاجأة، بعد أن ارتفع العجز في الموازنة العامة للدولة، بضغط من مصاريف خدمة الدين، كما التورط في مشروعات، تطلق عليها صفة القومية، ولا يعلم أحد من خارج المؤسسات السيادية كيفية تمويلها.
وفي الموازنة العامة التي يتم العمل على إعدادها حالياً، لتقديمها إلى مجلس النواب خلال الشهر القادم، لا يتوقع أحد أن تقل نسبة ما يتم توجيهه من الإيرادات العامة للدولة لبند خدمة الدين وحده، أي الفائدة على ما يتم اقتراضه، ودون سداد أي أقساط، عن خمسين بالمائة من إجمالي الإيرادات، بعد أن اقترب الدين العام للدولة من أربعة ونصف تريليون جنيه في بداية السنة المالية الحالية، وتشير أغلبية التوقعات إلى وصوله لمستوى خمسة ونصف تريليون جنيه، منها ما يقرب من مائة مليار دولار ديوناً خارجية، مع بداية السنة المالية القادمة 2019-2020 التي ستبدأ بداية يوليو/تموز المقبل.
ومع زيادة ما تستحوذ عليه خدمة الدين من الإيرادات العامة للدولة، كان طبيعياً أن يقل ما يتم توجيهه للإنفاق على الصحة والتعليم والبحث العلمي، وهو ما نتج منه ما نراه من تدهور تلك الخدمات، وتراجع ترتيب مصر في المؤشرات العالمية مقارنةً بالدول الأخرى.
ورغم غياب الكفاءة الظاهر في العديد من القرارات والسياسات المتبعة، إلا أنه من الواضح أن الحكومة المصرية مدركة لهذا الخلل الواضح في الموازنة العامة للدولة، على الأقل من خلال ملاحظة تزايد المبالغ التي يتعين عليها اقتراضها طوال الوقت، وهو ما دفعها إلى العمل على إعداد استراتيجية، تقول إنها تنوي إشراك مجلس النواب في إعدادها، من أجل تنشيط الإيرادات العامة للدولة على المدى المتوسط.
ونقلت مواقع إخبارية أخيراً أن الحكومة المصرية قالت إنها ستعمل على تقليل الفجوة بين إيرادات ومصروفات الدولة "من خلال ترشيد الإعفاءات الضريبية وتحسين إدارة أصول الدولة".
لكن الحكومة قالت إن استراتيجيتها تشمل "إعادة النظر في خمسة قطاعات مهمة، هي الصحة والتعليم وبرامج الحماية الاجتماعية والنقل والبنية التحتية، والتي تمثل الجزء الأكبر من الإنفاق الحكومي"، وأكدت أنها تنوي "إعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام في تلك القطاعات"، الأمر الذي يبدو أنه تمهيد لتخفيض ما يتم توجيهه لتلك القطاعات، رغم وجود النصوص الدستورية التي تمنع ذلك.
السياسات المالية والضريبية، وتخصيص الأموال المتاحة للإنفاق الحكومي، ليست من أمور الرفاهية في أي دولة، وتمثل أهمية كبيرة للدول التي تمر بمراحل انتقالية في حياتها الاقتصادية والسياسية، كما هو الحال في مصر حالياً.
وفي الدول التي تسمح بانتخابات حرة وتداول سلمي للسلطة، يختار المواطنون المرشحين المؤيدين للسياسات التي تخدم مصالح الأغلبية، وتوفر أسباب الحياة الكريمة للطبقات الأضعف، من خلال الإنفاق على القطاعات التي تهمهم، ومنها بالتأكيد القطاعات الخمسة التي قررت الدولة المصرية تخفيض الإنفاق عليها.
المشكلة الحقيقية في مصر أن من يضعون السياسات، ومن تُعرض عليهم السياسات، ومن يُسمح لهم بمناقشة تلك السياسات، لا يُعالجون في المستشفيات الحكومية، وربما لا يُعالجون في مصر من الأساس، كما أن أبناءهم لا يذهبون إلى المدارس الحكومية، وتزداد يوماً بعد يوم عزلتهم عن الغالبية العظمى من المواطنين، الذين لا يتقدمون إلى الواجهة إلا عند البحث عمن يتحمل تكاليف ما يطلق عليه اسم "الإصلاح الاقتصادي"، من رفع للدعم وزيادة أسعار المياه والكهرباء والوقود والمواصلات والعلاج.
بينما تنهال الإعفاءات الضريبية، والمزايا الاستثمارية على الطبقات الأعلى، وبآليات غير موجودة في أي دولة أخرى، ويتم تحديثها بانتظام، لضمان وصولها إلى الفئات المستهدفة من "علية القوم".
قضية انحياز السلطة الحاكمة لبعض جماعات المصالح موجودة في كل دول العالم، وتثير الجدل بدرجات متفاوتة، تتناسب مع تفشي الظاهرة في كل دولة.
وفي الولايات المتحدة، التي ازداد فيها التفاوت في الدخول، بدرجات غير مسبوقة، خلال الأربعين سنة الأخيرة، لا يتوقف البحث عن الأفكار التي تقلل من حدة ذلك التفاوت، وتعمل على إعادة توزيع الثروات بين الطبقات الاقتصادية المختلفة، من خلال سياسات ضرائبية عادلة، لا يفلت منها أحد.
لكن بعيداً عن تلك السياسات، التي تحددها بشكل كبير هوية الفائز في الانتخابات الرئاسية، ضمنت الحكومة الأميركية لكل المواطنين، بل وللمهاجرين أيضاً من غير مكتملي الأوراق، حداً أدنى من التعليم المجاني عالي الكفاءة، حتى الوصول إلى الجامعة، مع وجود فرص حقيقية كبيرة، لإتمام التعليم الجامعي، بتكاليف محدودة، تكاد تقترب من الصفر في كثير من الحالات، وتأمين طبي مجاني لطلبة المدارس.
أتصور أن الحكومة المصرية الحالية لو نجحت في توفير هذين البندين للأجيال الجديدة، لوفرت مئات المليارات من الجنيهات، التي يتم توجيهها لعمليات غسيل المخ والقمع والتجسس على المواطنين، وهو ما يأخذنا لنقطةٍ محورية، وهي مدي تقارب أولويات الحكومة مع أولويات المواطنين، لكنّ لهذا حديثاً آخر، إن كان لنا عمر.