مع بداية العام الدراسي الجديد، تفاجأ كثيرون بتغيير المناهج في المناطق السورية الخاضعة للإدارة الذاتية الكردية، ولم يجدوا حلاً إلا الرحيل
خلال الأشهر القليلة الماضية، شهدت المدن والبلدات السورية الخاضعة للإدارة الذاتية الكردية نزوح عشرات العائلات منها في اتجاه مدن وبلدات سورية أخرى بسبب المناهج الجديدة التي فرضتها الإدارة الذاتية على المدارس الخاضعة لسلطتها. فخوف تلك العائلات على مستقبل أولادها دفعها إلى الانتقال إلى أقرب منطقة يستطيعون فيها إلحاق أولادهم بمدارس لا تتحكم فيها الإدارة الذاتية.
تركت عشرات العائلات العربية والكردية التي كانت تعيش في مدينة عفرين بيوتها وانتقلت إلى مدينة حلب، في حين انتقلت عائلات أخرى من مدن وبلدات تقع في ريف الحسكة إلى وسط مدينتَي القامشلي والحسكة. هناك، ما زالت إدارات مدارس عدّة تتبع لوزارة التربية في حكومة النظام ولم تطلها التغييرات التي تفرضها إدارات "قوات سورية الديمقراطية" (قسد).
أبو عادل مهندس سوري كان يعيش في ريف الحسكة، يقول: "شأني شأن كثيرين، انتقلت في بداية العام الدراسي مع عائلتي إلى مدينة القامشلي، واضطررت إلى تبديل عملي من أجل ولدَيّ، كذلك استأجرت منزلاً صغيراً هنا مع أنّ الأسعار أغلى بكثير". يضيف أنّ "أحد الولدَين في صفّ الشهادة الإعدادية، والثاني في الصف الحادي عشر الثانوي وعليه التقدّم في العام المقبل إلى امتحان الشهادة الثانوية"، مؤكداً "نحن لا نريد أن يكونوا ضحايا التغييرات في المناهج الجديدة التي تفرضها الإدارة الذاتية".
ويشرح أبو عادل أنّ "شهادة الإعدادية لم تعد تُمنح في الصف التاسع على سبيل المثال، وفقاً للمناهج الكردية. بالتالي، فإنّ ابني لن يتمكّن بعد ثلاثة أعوام من الخضوع لامتحان الشهادة الثانوية أو التقديم إلى أيّ جامعة سورية وسوف يضيع مستقبله". ويتابع: "أمّا ابني البكر الذي ينوي تقديم امتحان الشهادة الثانوية العام المقبل، لا أريد له أن يضيع كلّ تعب سنواته السابقة ويدرس مناهج جديدة. ما أريده هو أن يدرس في الجامعة وينجح في حياته، على الرغم من أنّ التغييرات في المناهج لم تشمل الشهادة الثانوية حتى اليوم. لكنّهم يتحدثون عن تغييرها في العام المقبل، وهذا ليس من مصلحة أيّ شاب عربي ولا كردي يعيش هنا، بالإضافة إلى أنّهم يمنعون الدورات الخاصة للتلاميذ، على الرغم من عدم وجود مدرّسين مؤهّلين في مدارس كثيرة، خصوصاً في الأرياف".
اقــرأ أيضاً
ويلفت أبو عادل إلى أنّه "في مدينة القامشلي، ثمّة خمس مدارس لا تخضع لسيطرة الإدارة وهي داخل مربّع سيطرة النظام، من بينها ثانويتان لكنّ الكثافة كبيرة جداً فيهما. لذا يحتاج إلحاق أيّ تلميذ جديد بها إلى وساطة كبيرة، بالتالي يغادر الكثيرون إلى محافظات أخرى".
أمّا عفرين، وهي إحدى المدن الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية الكردية، شمالي غرب سورية، فقد انتقلت عشرات العائلات منها إلى مدينة حلب، ومنها عائلة إدريس وهو موظف سابق. يقول: "عشنا زمناً طويلاً في مدينة حلب، لكنّنا رجعنا إلى عفرين قبل أربعة أعوام، مذ بدأت الأمور تسوء داخل المدينة. لديّ أربعة أولاد في الإعدادية والثانوية، وقد بدأوا في العام الماضي يدرسون مناهج جديدة، لست راضياً عن مضمونها، فقد تغيّرت كلياً. لذا قرّرت ووالدتهم العودة من جديد إلى حلب من أجلهم، لنلحقهم بأقرب مدرسة لا تتبع للإدارة. أقرب منطقة علينا هي نبل والزهراء وهي كذلك من المناطق المتوترة جداً. لذا كان لا بدّ من الانتقال، وهو ما فعله كثيرون من معارفنا الذين لديهم أولاد في المدارس".
يضيف أنّه "على الرغم من عناء الانتقال والتكاليف المادية، فإنّني أجد أنّ مستقبل أطفالي يستحق ذلك. وتخليت عن الكثير، لا سيّما أراضٍ هناك هي مصدر رزقنا الوحيد اليوم. وقد سلّمتها إلى أخي ليديرها". ويتابع إدريس أنّ "هذا التغيير الجذري الذي قامت به الإدارة الذاتية كان خطوة متسرّعة جداً لم تلتفت إلى مصلحة التلاميذ ولا إلى حقّهم في الحصول على شهادات معترف بها".
من جهته، يشير رودي الكردي وهو ناشط سوري من ريف الحسكة إلى أنّه "بالإضافة إلى خوف الأهالي على مستقبل أولادهم، ثمّة حالة احتقان وغضب عامة تجاه المناهج الجديدة في معظم المناطق. من يستطيع مادياً الانتقال إلى منطقة أخرى، انتقل. لكنّ الغالبية لا تستطيع". يضيف أنّ "أكثر التغييرات التي أثارت الغضب الشعبي هي أولاً تغيير اللغة إلى الكردية. ففي الصف الواحد، باتت هناك مناهج بالعربية وأخرى بالكردية. الرياضيات والعلوم على سبيل المثال صارت بالكردية الفصحى، وهي لغة صعبة بالنسبة إلى أكراد كثيرين يفهمونها سماعياً وليس كتابة وقراءة".
يتابع أنّ "أبرز ما أثار الاعتراضات كذلك، هو حذف منهاج الديانة الإسلامية واستبداله بكتاب الأخلاق والثقافة الذي تُدرَس فيه مواضيع جدلية كالديانة الزردشتية، في الوقت الذي لا يزيد عدد أتباع هذه الديانة عن 10 في المائة من السكان في أحسن تقدير". ويشرح الكردي أنّ "كثيرين هم الأهالي الذين يعون أدلجة المناهج الجديدة ودسّ الفكر المسلح في أذهان التلاميذ صغيري السنّ، من قبيل تدريس أقوال عبد الله أوجلان والحديث عن الحرب مع تركيا، وهو ما لا يقبله كثيرون". ويلفت إلى أنّه "قبل أيام، وقع تحت يدي كتاب يمجّد ضحايا قوات قسد ويصفهم بالشهداء من خلال القصائد ويوجّه التلاميذ إلى اعتبارهم قدوة لهم".
ولأنّه يصعب على عائلات كثيرة الانتقال إلى مناطق أخرى، فقد اختار بعضها إرسال الأولاد وحدهم للدراسة في مدن أخرى على الرغم من صغر سنّهم. جيلان على سبيل المثال واحد من هؤلاء، فهو من أبناء منطقة عفرين وقد انتقل الشهر الماضي إلى مدينة حلب وسكن في منزل أحد أقاربه. يقول: "جئت إلى هنا لأتابع تعليمي وأدخل الجامعة بعد سنتين. فهناك، لا يوجد تعليم. المناهج جديدة وسيئة وبلا جدوى. لو بقيت ودرست على هواهم، من يعترف بشهادتي؟ لا أحد. لن أستفيد منها، في حين أنّ طموحي هو السفر إلى الخارج. لذا كان لا بدّ من الانتقال إلى هنا، مع أنّ عائلتي لم تستطع مرافقتي".
ويشير جيلان إلى أنّهم "في البداية، كانوا رافضين للفكرة، لكنّهم عادوا ليبدّلوا رأيهم. على الأقل، ثمّة دورات خاصة هنا، ومدرّسون جيّدون، وفي النهاية شهادة. لكنّ الأمر مكلف جداً، فكثيرون من زملائي أرادوا الانتقال لكنّ أهلهم لا يملكون المال الكافي لذلك، بالتالي هم مضطرون إلى دارسة منهاج الثانوية وحدهم وتقديم الامتحان النهائي هنا".
فرض بقوة السلاح
قامت في مدن خاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية الكردية تظاهرات واعتصامات مع بداية العام الدراسي الحالي، احتجاجاً على المناهج الجديدة. ويقول الناشط رودي الكردي إنّ "أحداً من المدرّسين أو أهالي التلاميذ لم يعد يجرؤ على الاعتراض على تلك المناهج المفروضة بقوّة السلاح. وكلّ من يرفع صوته يُعتقل، لذا لم يبقَ أمام الناس سوى الرحيل".
اقــرأ أيضاً
خلال الأشهر القليلة الماضية، شهدت المدن والبلدات السورية الخاضعة للإدارة الذاتية الكردية نزوح عشرات العائلات منها في اتجاه مدن وبلدات سورية أخرى بسبب المناهج الجديدة التي فرضتها الإدارة الذاتية على المدارس الخاضعة لسلطتها. فخوف تلك العائلات على مستقبل أولادها دفعها إلى الانتقال إلى أقرب منطقة يستطيعون فيها إلحاق أولادهم بمدارس لا تتحكم فيها الإدارة الذاتية.
تركت عشرات العائلات العربية والكردية التي كانت تعيش في مدينة عفرين بيوتها وانتقلت إلى مدينة حلب، في حين انتقلت عائلات أخرى من مدن وبلدات تقع في ريف الحسكة إلى وسط مدينتَي القامشلي والحسكة. هناك، ما زالت إدارات مدارس عدّة تتبع لوزارة التربية في حكومة النظام ولم تطلها التغييرات التي تفرضها إدارات "قوات سورية الديمقراطية" (قسد).
أبو عادل مهندس سوري كان يعيش في ريف الحسكة، يقول: "شأني شأن كثيرين، انتقلت في بداية العام الدراسي مع عائلتي إلى مدينة القامشلي، واضطررت إلى تبديل عملي من أجل ولدَيّ، كذلك استأجرت منزلاً صغيراً هنا مع أنّ الأسعار أغلى بكثير". يضيف أنّ "أحد الولدَين في صفّ الشهادة الإعدادية، والثاني في الصف الحادي عشر الثانوي وعليه التقدّم في العام المقبل إلى امتحان الشهادة الثانوية"، مؤكداً "نحن لا نريد أن يكونوا ضحايا التغييرات في المناهج الجديدة التي تفرضها الإدارة الذاتية".
ويشرح أبو عادل أنّ "شهادة الإعدادية لم تعد تُمنح في الصف التاسع على سبيل المثال، وفقاً للمناهج الكردية. بالتالي، فإنّ ابني لن يتمكّن بعد ثلاثة أعوام من الخضوع لامتحان الشهادة الثانوية أو التقديم إلى أيّ جامعة سورية وسوف يضيع مستقبله". ويتابع: "أمّا ابني البكر الذي ينوي تقديم امتحان الشهادة الثانوية العام المقبل، لا أريد له أن يضيع كلّ تعب سنواته السابقة ويدرس مناهج جديدة. ما أريده هو أن يدرس في الجامعة وينجح في حياته، على الرغم من أنّ التغييرات في المناهج لم تشمل الشهادة الثانوية حتى اليوم. لكنّهم يتحدثون عن تغييرها في العام المقبل، وهذا ليس من مصلحة أيّ شاب عربي ولا كردي يعيش هنا، بالإضافة إلى أنّهم يمنعون الدورات الخاصة للتلاميذ، على الرغم من عدم وجود مدرّسين مؤهّلين في مدارس كثيرة، خصوصاً في الأرياف".
أمّا عفرين، وهي إحدى المدن الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية الكردية، شمالي غرب سورية، فقد انتقلت عشرات العائلات منها إلى مدينة حلب، ومنها عائلة إدريس وهو موظف سابق. يقول: "عشنا زمناً طويلاً في مدينة حلب، لكنّنا رجعنا إلى عفرين قبل أربعة أعوام، مذ بدأت الأمور تسوء داخل المدينة. لديّ أربعة أولاد في الإعدادية والثانوية، وقد بدأوا في العام الماضي يدرسون مناهج جديدة، لست راضياً عن مضمونها، فقد تغيّرت كلياً. لذا قرّرت ووالدتهم العودة من جديد إلى حلب من أجلهم، لنلحقهم بأقرب مدرسة لا تتبع للإدارة. أقرب منطقة علينا هي نبل والزهراء وهي كذلك من المناطق المتوترة جداً. لذا كان لا بدّ من الانتقال، وهو ما فعله كثيرون من معارفنا الذين لديهم أولاد في المدارس".
يضيف أنّه "على الرغم من عناء الانتقال والتكاليف المادية، فإنّني أجد أنّ مستقبل أطفالي يستحق ذلك. وتخليت عن الكثير، لا سيّما أراضٍ هناك هي مصدر رزقنا الوحيد اليوم. وقد سلّمتها إلى أخي ليديرها". ويتابع إدريس أنّ "هذا التغيير الجذري الذي قامت به الإدارة الذاتية كان خطوة متسرّعة جداً لم تلتفت إلى مصلحة التلاميذ ولا إلى حقّهم في الحصول على شهادات معترف بها".
من جهته، يشير رودي الكردي وهو ناشط سوري من ريف الحسكة إلى أنّه "بالإضافة إلى خوف الأهالي على مستقبل أولادهم، ثمّة حالة احتقان وغضب عامة تجاه المناهج الجديدة في معظم المناطق. من يستطيع مادياً الانتقال إلى منطقة أخرى، انتقل. لكنّ الغالبية لا تستطيع". يضيف أنّ "أكثر التغييرات التي أثارت الغضب الشعبي هي أولاً تغيير اللغة إلى الكردية. ففي الصف الواحد، باتت هناك مناهج بالعربية وأخرى بالكردية. الرياضيات والعلوم على سبيل المثال صارت بالكردية الفصحى، وهي لغة صعبة بالنسبة إلى أكراد كثيرين يفهمونها سماعياً وليس كتابة وقراءة".
يتابع أنّ "أبرز ما أثار الاعتراضات كذلك، هو حذف منهاج الديانة الإسلامية واستبداله بكتاب الأخلاق والثقافة الذي تُدرَس فيه مواضيع جدلية كالديانة الزردشتية، في الوقت الذي لا يزيد عدد أتباع هذه الديانة عن 10 في المائة من السكان في أحسن تقدير". ويشرح الكردي أنّ "كثيرين هم الأهالي الذين يعون أدلجة المناهج الجديدة ودسّ الفكر المسلح في أذهان التلاميذ صغيري السنّ، من قبيل تدريس أقوال عبد الله أوجلان والحديث عن الحرب مع تركيا، وهو ما لا يقبله كثيرون". ويلفت إلى أنّه "قبل أيام، وقع تحت يدي كتاب يمجّد ضحايا قوات قسد ويصفهم بالشهداء من خلال القصائد ويوجّه التلاميذ إلى اعتبارهم قدوة لهم".
ولأنّه يصعب على عائلات كثيرة الانتقال إلى مناطق أخرى، فقد اختار بعضها إرسال الأولاد وحدهم للدراسة في مدن أخرى على الرغم من صغر سنّهم. جيلان على سبيل المثال واحد من هؤلاء، فهو من أبناء منطقة عفرين وقد انتقل الشهر الماضي إلى مدينة حلب وسكن في منزل أحد أقاربه. يقول: "جئت إلى هنا لأتابع تعليمي وأدخل الجامعة بعد سنتين. فهناك، لا يوجد تعليم. المناهج جديدة وسيئة وبلا جدوى. لو بقيت ودرست على هواهم، من يعترف بشهادتي؟ لا أحد. لن أستفيد منها، في حين أنّ طموحي هو السفر إلى الخارج. لذا كان لا بدّ من الانتقال إلى هنا، مع أنّ عائلتي لم تستطع مرافقتي".
ويشير جيلان إلى أنّهم "في البداية، كانوا رافضين للفكرة، لكنّهم عادوا ليبدّلوا رأيهم. على الأقل، ثمّة دورات خاصة هنا، ومدرّسون جيّدون، وفي النهاية شهادة. لكنّ الأمر مكلف جداً، فكثيرون من زملائي أرادوا الانتقال لكنّ أهلهم لا يملكون المال الكافي لذلك، بالتالي هم مضطرون إلى دارسة منهاج الثانوية وحدهم وتقديم الامتحان النهائي هنا".
فرض بقوة السلاح
قامت في مدن خاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية الكردية تظاهرات واعتصامات مع بداية العام الدراسي الحالي، احتجاجاً على المناهج الجديدة. ويقول الناشط رودي الكردي إنّ "أحداً من المدرّسين أو أهالي التلاميذ لم يعد يجرؤ على الاعتراض على تلك المناهج المفروضة بقوّة السلاح. وكلّ من يرفع صوته يُعتقل، لذا لم يبقَ أمام الناس سوى الرحيل".