تلقي الأزمة المالية التي تمر بها السلطة الفلسطينية إثر قرصنة سلطات الاحتلال الإسرائيلي أموال المقاصة بظلالها على الفلسطينيين في الضفة الغربية في عيد الفطر، إذ اضطر كثيرون من بينهم إلى تقليص مشترياتهم.
اضطرت السلطة الفلسطينية إلى دفع راتب غير كامل لموظفيها بعد قرصنة سلطات الاحتلال مخصصات الشهداء والأسرى والجرحى من أموال المقاصة، قبل نحو أربعة أشهر، وردّ السلطة بعدم تسلّمها إلّا إذا كانت كاملة. وتلقى الموظفون نصف راتبهم طوال شهرين، و60 في المائة منه في الشهرين الماضيين.
وسط مدينة رام الله، يقف الشاب الفلسطيني محمود المملح، وهو تلميذ ثانوية عامة، يبيع البالونات للأطفال، ففترة عيد الفطر يستغلها لمساعدة ذويه في مصاريفه، كغيره من الباعة على عربات وبسطات البيع الذين يشكل لهم العيد عملاً مؤقتاً، أو موسماً جيداً للبيع. يقول المملح لـ"العربي الجديد"، إنّه خرج للبيع لمساعدة ذويه طوال الأيام العشرة الأخيرة من رمضان، وسيبقى خلال الأيام الثلاثة لعيد الفطر. يصف عائلته وأوضاعها المعيشية بأنّها "مستورة"، لكنّه يرى أنه لا بدّ له من تقديم ولو شيء بسيط لمساعدتها.
في مكان آخر من رام الله، يتخذ الشاب مجدي عبد العال، بسطة، منذ أربعة أعوام، يبيع عليها الملابس إلى جانب أعمال أخرى. فرص العمل ليست سهلة، كما يقول لـ"العربي الجديد"، لكنّ العيد موسم جيد بالنسبة له وللباعة أمثاله، وهو يعتقد أنّ ما يشجع الناس على الشراء منه هو الفارق في الأسعار مع المحلات التجارية، خصوصاً لمن يريد شراء ملابس كسوة العيد لثلاثة أو أربعة من أبنائه مرة واحدة.
ازدادت الحركة في سوق مدينة رام الله، وسط الضفة الغربية، في الأيام القليلة الماضية بعد الإفطار، واضطرت الشرطة الفلسطينية إلى إغلاق أجزاء من الشوارع أمام المركبات في ظل أزمة المشاة والمتسوقين، ولا يقتصر السوق على الباعة، فهناك من يرسم على وجوه الأطفال الألوان والابتسامات، وهناك من جلب حصاناً صغيراً يركب عليه الصغار مقابل بعض المال. لكنّ تلك الحركة في السوق بالرغم من أنّها موسم جيد للتجار، لا تكشف عن كلّ شيء، فالإجابة الأولى التي تأتي بعد السؤال عن أوضاع العيد ستكون الوضع الاقتصادي.
بالرغم من اكتظاظ الأسواق في مدن الضفة الغربية بالمتسوقين، في الأيام التي سبقت عيد الفطر، إلا أنّ تأثير أزمة الرواتب يبدو جلياً في وسط مدينة نابلس، من خلال الإقبال على الشراء من البسطات التي تنتشر بكثافة في المكان.
"أطفالي لا يدركون أنّنا نمر بأزمة مالية كبيرة، يريدون ملابس وأحذية جديدة، وشوكولاتة وكعكاً، ليفرحوا بالعيد كبقية أصدقائهم، لذلك أجد نفسي مضطراً لتدبر أموري"، يقول أبو أشرف أغبر، الموظف الحكومي من نابلس، وهو يقف عند طابور الصراف الآلي لسحب نصف الراتب الذي وفرته الحكومة لموظفيها قبيل العيد. يضيف أغبر لـ"العربي الجديد": "نحن شعب اعتدنا على ظروف كهذه، وليست الأزمة الأولى ولن تكون الأخيرة، لكنّها صعبة ومعقدة، لذلك سأتحايل عليها بشراء ما يلزم بتكاليف أقل".
أما عمر السلامين، وهو مواطن من الخليل يعيش في رام الله ويعمل في طلاء المنازل، فيقول لـ"العربي الجديد": "الأزمة المالية للسلطة الفلسطينية لم تقتصر على الموظفين الحكوميين، فالموظف الذي لم يحصل على أكثر من 60 في المائة من راتبه لن يطلب خدماته في الدهانات أو يدفع أجرته". يؤجّل عمر غير الضروري، لكنّ الضروري الآن ليس كما كان طفلاً حين كان يرضى بعدم شراء أهله كسوة العيد له، فالأطفال الآن لا يقبلون بذلك، كما يقول.
أم محمد أبو ريا، تقول لـ"العربي الجديد"، إنّ زوجها موظف حكومي تقاضى 60 في المائة من راتبه، وهو ما يعني صعوبة الوضع بعد دفع أجرة المنزل والفواتير المتعددة. لكنّها تجد فرحة العيد بفرحة الأبناء وفي وجوههم. وهو ما يؤكده السلامين، فالفرحة والبهجة في العيد ليست للآباء، بل للأبناء الذين يفرحون بالملابس والألعاب وغيرها، علماً انّها عبء على الآباء.
بعيداً عن الملابس والحلويات، حسم محمد أسعد أمره، وقرر قضاء إجازة العيد برفقة ثلاثة من أصدقائه في مدينة العقبة الأردنية. يقول أسعد، وهو مساعد إداري في بنك محلي، لـ"العربي الجديد": "صدقاً، نعاني من قلة الأماكن السياحية في الضفة الغربية، وهكذا قررنا السفر إلى الخارج".
عن تأهيل المتنزهات والحدائق العامة استعداداً للعيد، يؤكد مهندس بلدية نابلس سامح العاصي، أنّها جهزت لتستقبل الزائرين من خلال إزالة الأوساخ والانتهاء من رفع مخلفات الشتاء، وتزيينها وإصلاح "المراجيح" وتوفير المقاعد. يشير في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "نابلس اليوم لم تعد لسكانها فقط، فنحن نستقبل عشرات الآلاف من مختلف المحافظات الفلسطينية، بالإضافة لأهلنا من مدن الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، وهذا يساعد في دوران عجلة الاقتصاد وينعش المطاعم والأسواق والفنادق، لذا نحن معنيون بإنجاز جميع الترتيبات".