مدارس لبنان... أزمة مالية تطاول المدارس والأهل

20 مايو 2020
قبل إغلاق المدارس (حسين بيضون)
+ الخط -

ما يعيشه لبنان من أزمات لا يستثني أي قطاع. وكان لانتشار كورونا والأزمة الاقتصادية تأثير كبير على القطاع التربوي، في ظل إصرار المدارس على تحصيل الأقساط من الأهل علماً أنّ العام الدراسي كان قصيراً في ظل ثورة 17 أكتوبر وانتشار كورونا
يتخبّط العام الدراسي الحالي في لبنان بأعباء ماديّة تستنزف الأسرة التربويّة في المدارس الخاصّة على وجه التحديد، وتطاول المدرسين والتلاميذ وأهلهم وأصحاب المدارس على حدّ سواء. وما زالت الحلول للأزمة الاقتصادية مجرّد بيانات واجتماعات. ونتيجة لفيروس كورونا، ألغيت جميع الامتحانات الرسمية (المتوسطة والثانوية العامة، والشهادة الفنية بكلّ مراحلها) كما تقرر استكمال العام الدراسي عن بعد، وترفيع جميع التلاميذ إلى صفّ أعلى تلقائياً.

وفي حين تعلو المناشدات لتقاسم المسؤوليات وتوزيع الأعباء والخسائر بشكل منصف وعادل بين المدارس والأساتذة والأهالي من أجل إنقاذ القطاع التربوي، باعتباره قطاعاً حيويّاً واقتصاداً قائماً بحد ذاته، تتّفق الأسرة التربوية على أنّ "الجميع في مأزق ولن يستطيع أيّ طرف أن ينجو بمفرده"، بحسب البيان الصادر عن اجتماع وزير التربية والتعليم العالي طارق المجذوب مع ممثّلي المؤسسات التربوية الخاصّة ونقابة المعلمين ولجان الأهل مؤخراً.



التعليم الرسمي... وطأةٌ أخفّ
وفي وقت تغيب هذه الأزمة عن المدارس الرسمية في البلاد، كون أقساطها مدعومة ولا تستوفي إلا مبالغ رمزية كرسم للجان الأهل، يقول المستشار الإعلامي لوزير التربية والتعليم العالي ألبير شمعون لـ "العربي الجديد" إنّ "رواتب الأساتذة والمعلّمين في المدارس الرسمية يتمّ دفعها لغاية تاريخه في وقتها، إذ إنّهم يُعتبرون من موظّفي القطاع العام. وبالنسبة للمتعاقدين تتمّ كل فترة جدولة رواتبهم ليتمّ دفعها عند انتهاء الجداول".

حقوق المعلّمين أولويّة
وفي سياق متّصل، يؤكّد نقيب المعلمين في المدارس الخاصة رودولف عبّود، أنّه "تمّ خلال الاجتماع الأخير مع وزير التربية الاتفاق على دفع الرواتب كاملة للمعلّمين، وعلى خفض الأقساط المدرسية بحسب الظروف الخاصة بكل مدرسة، وذلك بعد إعادة دراسة الموازنات وخفض النفقات التشغيلية، إذ أنّ 35 في المائة من الأقساط هي عبارة عن مصاريف تطوير واستهلاك مازوت وكهرباء وتعويض لصاحب الإجازة، وهي نفقات لم يتمّ صرفها هذه السنة كما السنوات السابقة، ما يسمح بإعادة النظر فيها، إضافة إلى إمكانيّة تأجيل تكاليف الضرائب والضمان الاجتماعي".

ويوضح عبود لـ "العربي الجديد" أنّ "الاتفاق شمل ضرورة دفع الأقساط مع تقديم حسومات لأولياء الأمور عن مستحقات السنوات الماضية، بنسبة تعادل ما يدفعه الأهل عن العام الدراسي الحالي"، لافتاً إلى أنّ "بعض المدارس وضعها متعثّر، غير أنّ بعضها الآخر قادر على الدفع، لكنّه لا يريد ذلك، علماً أنّ المدارس الخاصة بمعظمها تابعة لجمعيات دينية، ما يعني أنّها تستفيد من التبرعات واحتياط صناديقها. لذلك، تبقى مسألة حسم هذا الأمر بيد وزارة التربية".



وإذْ يُعرب عبّود عن تفاجئه ببيان لجان الأهل أخيراً الذي عاود المطالبة بإلغاء العام الدراسي وعدم دفع الأقساط، يتحدّث عن "محاولة لإيجاد مخرج إذ إنّه في حال لم يتمّ دفع الأقساط سيكون الأساتذة الوحيدين بين الأسرة التربوية من دون رواتب، غير أنّنا طلبنا من الزملاء التوقّف عن التعليم عن بُعد أو حتّى العودة إلى المدارس في حال عدم دفع الرواتب، وسنلجأ كذلك للإضراب".

وأمس أعلن عبود، في مؤتمر صحافي، أنّ هناك 13 ألف معلم لم يقبضوا رواتبهم منذ أشهر عديدة، مشيراً إلى أنّ قرار وقف العام الدراسي أراح الأهل والتلاميذ، لكنّ صدوره مجتزأ في غياب أيّ آلية بشأن رواتب المعلمين هو أمر مرفوض.

المعلّمون والمتعلّمون في خطر
ويؤكّد أمين عام المدارس الكاثوليكية في لبنان الأب بطرس عازار ضرورة حلّ "مسألة الأقساط المدرسية والرواتب"، قائلاً أنه "يجب ألا ننسى أهميّة تأمين استمرارية وصمود المدارس كي تكفل بدورها للمعلمين رواتبهم وللتلاميذ فرص التعليم، من خلال تحصيل مستحقاتنا من وزارة التربية والأقساط من الأهالي، وإلا فإنّ المعلّمين والمتعلّمين في خطر".

ويوضح لـ "العربي الجديد" أنّ "الأهالي ليسوا كلّهم متعثّرين؛ هناك من هم متعثّرون جداً، وهناك القادرون على المساهمة من أجل تسديد الأقساط وتأمين رواتب المعلّمين، والتي كنّا قد ناشدنا الدولة اللبنانية بدفعها كونها مرهقة للمدارس في ظلّ هذه الظروف". يتابع أن "المدارس التي تتلقّى المساعدات لم تعد قادرة على الصمود بعدما فرغ صندوقها وباتت تعمل باللحم الحي. المساعدات من المؤسّسات الأم نفدت والأموال التي كانت تحتفظ بها لدفع تعويضات المعلمين في حال استقالتهم أو صرفهم نفدت أيضاً، فكيف بالأحرى بالمدارس غير التابعة لمؤسسات؟ لذلك، يكمن الحل اليوم بالتضامن بين الأهل والمعلّمين والمدارس لنصل إلى توافق ينطبق عليه المثل القائل "لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم".

يتابع: "لهذا السبب تمنّينا على وزير التربية تحويل المنح المدرسية المستحقة من الجيش والوزارات وغيرها بصورة مباشرة إلى المؤسسات التربوية، إضافة إلى سداد المساهمات للمدارس الخاصة المجانية من قبل الدولة والتي تعود للعام 2015 و 2016، وإعادة النظر بالمستلزمات التي تدفعها المدارس عن المعلّم أو الموظف إن كان لصندوق التعويضات للمعلّمين أو لصندوق الضمان الاجتماعي للموظفين والأساتذة، والتي تبلغ وحدها نسبة 15 في المائة من قيمة الراتب. فإذا تمّ إعفاء المدارس منها أقلّها مدّة سنتين من الممكن أن تدفع المدارس الرواتب وأن تخفّف الأعباء على الأهالي".



ويرى عازار أنه "في حال لم يسدّد الأهالي بعض الأقساط، وفي حال أصرّ المعلّمون على تحصيل رواتبهم كاملة، لن تكون المدارس قادرة على الاستمرار وسنكون أمام أزمة كبيرة جداً. اليوم، الجميع يتحدث عن انهيار التعليم الخاص". ويقول: "دفعنا الأقساط كاملة لـ 80 في المائة من المعلمين في أكثريّة المدارس الكاثوليكية لغاية شهر فبراير/ شباط الماضي، لكنّنا دفعنا فقط 50 في المائة من خلال شهري مارس/ آذار وإبريل/ نيسان. وهناك من دفع أقل أيّ نحو 40 في المائة، فمدارسنا استوفت 36 في المائة فقط من قيمة الفصل الأول و19 في المائة فقط في الفصل الثاني".

تسديد الأقساط بالتبرّعات
من جهتها، تؤكّد مستشارة أمين عام مدارس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية للشؤون التربوية الدكتورة غنى البدوي، أنّ "رواتب الأساتذة لن تُمسّ فهي حق لهم، وعلى الرغم من أنّنا لا نستطيع حالياً دفع رواتبهم كاملة بسبب عدم توفر السيولة، إلا أن حقوقهم محفوظة". وتقول البدوي لـ "العربي الجديد" إننا "لجأنا العام الماضي إلى إطلاق حملة تبرّعات وتمكّنا بفضل الخيّرين من جمع مساعدات بقيمة مليار و500 مليون ليرة لبنانية (نحو مليون دولار أميركي بحسب سعر الصرف الرسمي) ساهمت في تسديد أقساط أبناء العائلات المحتاجة"، مضيفة "ما زلنا مستمرين هذا العام بحملات عدة لجمع التبرعات. ومن المؤكّد أنّ طلبات المساعدة سترتفع نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة".



وتلفت البدوي إلى أنّ "80 في المائة من مدارس المقاصد مجانية، أي يوجد 18 مدرسة مجانية والقسط فيها يبلغ ما يقارب مليون ليرة لبنانية فقط، فكيف يمكننا أن نخفضه أكثر، كما أنّ مستحقاتنا مع الدولة تبلغ 24 مليار ليرة لبنانية (نحو 16 مليون دولار بحسب سعر الصرف الرسمي) لم تُسدّد منذ 5 سنوات، لكن أي قرار بالتخفيض مرتبط بقرار وزارة التربية، وعندها نكون ملزمين به".

هل تعلّم أبناؤنا؟
روجيه، وهو والد إحدى التلميذات، يقول إنّه تلقّى حديثاً رسالة من المدرسة تطالب بدفع الأقساط كاملة لغاية شهر مارس/ آذار الماضي، مع إمكانيّة التفاوض والتساهل في الأقساط الباقية لناحية إعفاء الأهالي من جزء منها". ويشير لـ "العربي الجديد" إلى أنّه "دفع حتى تاريخه نصف القسط، كونه موظّفاً في القطاع العام. إلا أن البعض لم يدفع أي مبلغ منذ بدء العام الدراسي من منطلق أنّ أولادهم لم يتعلّموا أي شيء فلِمَ سيدفعون؟!". يضيف: "ماذا تعلّم أولادنا منذ انتفاضة 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 ولغاية أزمة فيروس كورونا؟ وهل يُعقل أنّ المدارس التي تمتصّ دماءنا منذ سنوات لا تمتلك الأموال لتدفعها للمعلّمين؟".

بدورها، تلفت سمر وهي أمّ لثلاثة أولاد، أنّ المدرسة تراسلهم كل يومين على مجموعة واتساب للمطالبة بدفع الأقساط، من دون أي حديث لغاية الساعة عن تخفيضات. وتقول لـ "العربي الجديد": "دفعنا ربع القسط تقريباً، لكن طالما لن يعود التلاميذ فلا يجوز للمدارس أن تحصّل الأقساط، لا سيّما أنّنا كأمّهات نتعذّب في مسألة التعليم عن بُعد، وقد بتنا نؤدي دور المعلمين وينتابنا الخوف من إعطاء أبنائنا معلومات خاطئة". وتتساءل: "كيف لنا أن نسدّد أقساط هذه السنة وأن نؤمّن أقساط السنة المقبلة التي باتت على الأبواب، في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها؟".



وفي هذا السياق، تشير فاطمة، وهي معلمة وأم لولدين في الوقت نفسه، إلى أنّ المدرسة التي تعلّم فيها لا تطالب الأهالي بتسديد الأقساط، لكنّها لا تدفع لمعلّميها منذ شهر فبراير/ شباط الماضي، واكتفت بالدفع لهم عن شهرَي ديسمبر/ كانون الأول ويناير/ كانون الثاني نصف راتب، وأبلغتهم أنّها ستدفع أيضاً نصف راتب بدل التعليم عن بُعد". تتابع في حديثها لـ "العربي الجديد": "هناك مدارس لم تبلغ معلّميها إن كانت ستدفع لهم في مقابل التعليم عن بُعد أم لا، في حين دفع بعضها الآخر فقط 250 ألف ليرة لبنانية (نحو 167 دولاراً بحسب سعر الصرف الرسمي) في مقابل شهرَي تعليم عن بُعد، واكتفى البعض الآخر بتبرير عدم دفع الرواتب للمعلّمين بالقول: "رسالتكم أسمى من الماديّات"، لكن هل سألوا كيف سيعيش المعلّم وعائلته ومن أين له أن يدفع بدل الإنترنت مثلاً لمواصلة هذا النوع من التعليم؟". وتلفت إلى أنّ "بعض أصحاب المدارس الخاصة لا تريد سحب أموالها من المصارف ولا تحمّل فرق الدولار. أمّا بالنسبة للأقساط فهناك مدارس تبلغ الأهالي بأنّ أبوابها مفتوحة كل ثلاثاء وخميس لتحصيل الأقساط، لكن كيف للأهالي أن يدفعوا وهم من دون عمل أو مدخول، وكيف للمعلّمين أن يصمدوا من دون رواتب، وكيف سيستمر التعليم؟".