يبدأ العام الدراسي الجديد في قطاع غزة، اليوم، وسط أزمة اقتصادية كبيرة تلقي بظلالها على غالبية العائلات. نسبة كبيرة بدت عاجزة عن تأمين الاحتياجات الأساسية لأطفالها في وقت لجأت أسر إلى الاستدانة. والخوف الأكبر يتركّز على مصير مدارس "أونروا"
العام الدراسي الجديد بالنسبة لتلاميذ قطاع غزة وعائلاتهم ليس مبهجاً كما في كل عام. مؤشرات عدة تشير إلى أنه سيكون العام الدراسي الأسوأ، في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها جميع العائلات نتيجة أزمة تقليص رواتب موظفي القطاع العام، وتسريح العاملين في المنشآت الصناعية، إضافة إلى أزمة تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التي تضم غالبية تلاميذ القطاع في المرحلتين الابتدائية والإعدادية.
حتّى حركة الأسواق هذا العام تبدو كئيبة. الإقبال على شراء المستلزمات المدرسيّة ضعيف جداً بالمقارنة مع السنوات الماضية. بعض الأمهات والآباء أجبروا أبناءهم على ارتداء الزي المدرسي القديم، ومنهم من عمد إلى إصلاحه لدى محال الخياطة. وكان بعض الأطفال يبكون أمام أهلهم للحصول على زي جديد، حتى لا يراهم زملاؤهم بالزي القديم.
بعض المحال التجارية التي تبيع الحقائب المدرسية واللوازم المكتبية لم تستورد هذا العام بضائع جديدة لعرضها في الأسواق، واكتفت بالبضائع المخزنة من العام الماضي. يقول أحد أكبر تجار الملابس والأزياء المدرسية في غزة، عصام أبو العطا، إن عدداً من زبائنه استدان لشراء الزي المدرسي لأطفاله، لكنّ نسبتهم قليلة بالمقارنة مع الذين لم يحضروا لأطفالهم زياً مدرسياً جديداً. ويوضح أن بعض الأمهات اللواتي يصادف مرورهن على مقربة من محال تبيع الزي المدرسي أو الحقائب الملونة يسارعن إلى تغيير مسارهن حتى لا يراها أطفالهن. "نبيع أكثر من ثلثي البضائع بسعر الجملة لكن من دون نتيجة. لم أبع ربع البضاعة هذا العام، وهي في الأساس بضاعة العام الماضي".
الأسواق خالية
في شارع عمر المختار، تتجول داليا أبو طحل (35 عاماً)، لوحدها من دون أطفالها. اتفقت مع زوجها على شراء بعض اللوازم المدرسية والقمصان الزرقاء لأطفالها الثلاثة الذين يدرسون في المرحلة الابتدائية. لا تريدهم أن يرافقوها ويطلبوا منها حاجيات لن تستطيع تأمينها لهم. تقول لـ"العربي الجديد": "يمكن أن أحرم نفسي من الملبس من أجل أطفالي. لكن ما نطبقه على أنفسنا لا يمكن تطبيقه عليهم. هم أطفال ويجب تأمين بعض حاجياتهم الأساسية. سأخبرهم بأنني لم أجد أحذية وبناطيل مناسبة، علماً أن زوجي استدان بعض المال لتأمين الحاجيات الأساسية".
بدوره، كان أسعد أبو دهيشة (42 عاماً)، يبحث عن محال للخياطة بسعر رخيص في شارع عمر المختار نفسه. لا يملك سوى 70 شيكلاً (نحو 19 دولاراً أميركياً)، ويريد إصلاح مريلة ابنته سمر وبنطال وحذاء ابنه فريد. يقول لـ"العربي الجديد": "أنا موظف في أحد الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية. من كان يصدق أن يأتي يوم وأبحث عن أرخص الخياطين في المحال حتى أصلح ملابس أطفالي. في بعض الأيام، أنام من دون أن أتناول الطعام. لن أستطيع أن أجعل أطفالي سعداء في بداية عامهم الدراسي مثل كلّ عام. وعدتهم بشراء كل ما يحتاجون إليه في حال صرفت رواتبنا".
اقــرأ أيضاً
داخل محل أبو عبد الله للخياطة في حي النصر، يلاحظ صاحب المحل، أحمد ديب، إقبال عدد كبير من الناس على محله حاملين أزياء مدرسية إما مهترئة أو ممزقة. يتقاضى ثمن إصلاح كل قطعة ما بين 3 إلى 5 شيكلات (ما بين 0.9 دولار و1.5 دولار). حتّى أن بعض العائلات أصلحت أزياء أطفالها وأرجأت السداد لأنها لا تملك المال لإصلاح الملابس. يقول ديب لـ"العربي الجديد": "بعض الأزياء المدرسية مهترئة جداً ولا يمكن إصلاحها. مع ذلك، يطلبون مني إصلاحها بأي شكل. أقوم بخياطتها بشكل محكم، وأحياناً أضع قطعة قماش على القميص أو المريول المدرسي حتى لا يتمزق. كان البؤس بادياً على وجوه الأمهات والآباء الذين يحضرون إلي، حتى أن أكثر من 30 شخصاً أرجأوا الدفع إلى حين يتمكنون فيه من تأمين المال".
لا قرطاسية
تأمل بعض العائلات بأن تعمد مؤسسات خيرية محلية أو دولية إلى تأمين القرطاسية هذا العام لأبنائها، كما يشير صاحب إحدى المكتبات في منطقة الرمال، وسط مدينة غزة. ويوضح أن حاجة كل تلميذ من القرطاسية في بداية العام الدراسي تراوح ما بين 70 و90 شيكلاً (ما بين 20 و26 دولاراً أميركياً).
ومراعاة للظروف الاقتصادية الصعبة وعدم استطاعة عدد من الأسر الغزية تأمين القرطاسية المدرسية، أصدر مكتب وكيل وزارة التربية والتعليم في غزة زياد ثابت، تعميماً يقضي بإلزام جميع المدارس والمعلمين مراعاة ظروف التلاميذ في محافظات القطاع، وعدم إلزامهم باحضار مستلزمات مدرسية، والاكتفاء بالحد الأدنى من الطلبات الخاصة من دفاتر ومسلتزمات.
انقسام
يشير وكيل وزارة التربية والتعليم العالي في غزة زياد ثابت، إلى أن أكثر من 240 ألف تلميذ سينتظمون في المدارس الحكومية التابعة لغزة في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، موضحاً أن المدارس الحكومية تشهد اكتظاظاً في المراحل الثانوية، علماً أن مدارس "أونروا" لا توفر التعليم الثانوي. يضيف: "سيكون عاماً صعباً، لأن الوزارة تقدمت بملفات احتياجات الموازنات التشغيلية واحتياجات تدريب المدرسين على المناهج الجديدة والأنشطة التعليمية المتنوعة. لكن الوزارة في رام الله لم تلب هذه الاحتياجات، ما يشير إلى أن الانقسام الفلسطيني يستمر بالتأثير على المنظومة التعليمية".
وفي وقت تشعر غالبية العائلات الغزية بالقلق على مستقبل أطفالها في مدارس أونروا، تكثر الرسائل التي تتلقاها الإذاعات المحلية للاستفسار عن مستقبل التعليم، علّهم يحصلون على ردّ من المسؤولين في الوكالة. في هذا الإطار، يشير المتحدث باسم الوكالة عدنان أبو حسنة، إلى الاتفاق مع كل المؤسسات التعليمية في فلسطين على أن يكون الأربعاء، 29 أغسطس/ آب (اليوم)، أول يوم دراسي، على الرغم من الأزمة التي تواجهها الوكالة. ويقول لـ"العربي الجديد": "كثيرون ظنّوا أن إعلان أونروا عن بدء المدارس هو تجاوز للأزمة، لكن الحقيقة أن الميزانية الحالية تكفي فقط لنهاية شهر سبتمبر/ أيلول، ما يعني أن إعلان فتح المدارس هو دعوة للتفاؤل. قررنا أن تكون خطوة فتح المدارس نقطة تفاؤل فقط، ونتطلع من خلال ذلك إلى جعل الناس أكثر تفاؤلاً، عسى أن يتحرك العالم لسد العجز وجمع التبرعات لاستمرار المسيرة التعليمية".
ويلفت إلى أن العجز القائم بلغ 217 مليون دولار أميركي. وتجرى حالياً جهود لتأمين حاجات المدارس مع بعض الدول لخدمة نحو 270 ألف تلميذ في مدارس أونروا في غزة.
حتّى حركة الأسواق هذا العام تبدو كئيبة. الإقبال على شراء المستلزمات المدرسيّة ضعيف جداً بالمقارنة مع السنوات الماضية. بعض الأمهات والآباء أجبروا أبناءهم على ارتداء الزي المدرسي القديم، ومنهم من عمد إلى إصلاحه لدى محال الخياطة. وكان بعض الأطفال يبكون أمام أهلهم للحصول على زي جديد، حتى لا يراهم زملاؤهم بالزي القديم.
بعض المحال التجارية التي تبيع الحقائب المدرسية واللوازم المكتبية لم تستورد هذا العام بضائع جديدة لعرضها في الأسواق، واكتفت بالبضائع المخزنة من العام الماضي. يقول أحد أكبر تجار الملابس والأزياء المدرسية في غزة، عصام أبو العطا، إن عدداً من زبائنه استدان لشراء الزي المدرسي لأطفاله، لكنّ نسبتهم قليلة بالمقارنة مع الذين لم يحضروا لأطفالهم زياً مدرسياً جديداً. ويوضح أن بعض الأمهات اللواتي يصادف مرورهن على مقربة من محال تبيع الزي المدرسي أو الحقائب الملونة يسارعن إلى تغيير مسارهن حتى لا يراها أطفالهن. "نبيع أكثر من ثلثي البضائع بسعر الجملة لكن من دون نتيجة. لم أبع ربع البضاعة هذا العام، وهي في الأساس بضاعة العام الماضي".
الأسواق خالية
في شارع عمر المختار، تتجول داليا أبو طحل (35 عاماً)، لوحدها من دون أطفالها. اتفقت مع زوجها على شراء بعض اللوازم المدرسية والقمصان الزرقاء لأطفالها الثلاثة الذين يدرسون في المرحلة الابتدائية. لا تريدهم أن يرافقوها ويطلبوا منها حاجيات لن تستطيع تأمينها لهم. تقول لـ"العربي الجديد": "يمكن أن أحرم نفسي من الملبس من أجل أطفالي. لكن ما نطبقه على أنفسنا لا يمكن تطبيقه عليهم. هم أطفال ويجب تأمين بعض حاجياتهم الأساسية. سأخبرهم بأنني لم أجد أحذية وبناطيل مناسبة، علماً أن زوجي استدان بعض المال لتأمين الحاجيات الأساسية".
بدوره، كان أسعد أبو دهيشة (42 عاماً)، يبحث عن محال للخياطة بسعر رخيص في شارع عمر المختار نفسه. لا يملك سوى 70 شيكلاً (نحو 19 دولاراً أميركياً)، ويريد إصلاح مريلة ابنته سمر وبنطال وحذاء ابنه فريد. يقول لـ"العربي الجديد": "أنا موظف في أحد الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية. من كان يصدق أن يأتي يوم وأبحث عن أرخص الخياطين في المحال حتى أصلح ملابس أطفالي. في بعض الأيام، أنام من دون أن أتناول الطعام. لن أستطيع أن أجعل أطفالي سعداء في بداية عامهم الدراسي مثل كلّ عام. وعدتهم بشراء كل ما يحتاجون إليه في حال صرفت رواتبنا".
داخل محل أبو عبد الله للخياطة في حي النصر، يلاحظ صاحب المحل، أحمد ديب، إقبال عدد كبير من الناس على محله حاملين أزياء مدرسية إما مهترئة أو ممزقة. يتقاضى ثمن إصلاح كل قطعة ما بين 3 إلى 5 شيكلات (ما بين 0.9 دولار و1.5 دولار). حتّى أن بعض العائلات أصلحت أزياء أطفالها وأرجأت السداد لأنها لا تملك المال لإصلاح الملابس. يقول ديب لـ"العربي الجديد": "بعض الأزياء المدرسية مهترئة جداً ولا يمكن إصلاحها. مع ذلك، يطلبون مني إصلاحها بأي شكل. أقوم بخياطتها بشكل محكم، وأحياناً أضع قطعة قماش على القميص أو المريول المدرسي حتى لا يتمزق. كان البؤس بادياً على وجوه الأمهات والآباء الذين يحضرون إلي، حتى أن أكثر من 30 شخصاً أرجأوا الدفع إلى حين يتمكنون فيه من تأمين المال".
لا قرطاسية
تأمل بعض العائلات بأن تعمد مؤسسات خيرية محلية أو دولية إلى تأمين القرطاسية هذا العام لأبنائها، كما يشير صاحب إحدى المكتبات في منطقة الرمال، وسط مدينة غزة. ويوضح أن حاجة كل تلميذ من القرطاسية في بداية العام الدراسي تراوح ما بين 70 و90 شيكلاً (ما بين 20 و26 دولاراً أميركياً).
ومراعاة للظروف الاقتصادية الصعبة وعدم استطاعة عدد من الأسر الغزية تأمين القرطاسية المدرسية، أصدر مكتب وكيل وزارة التربية والتعليم في غزة زياد ثابت، تعميماً يقضي بإلزام جميع المدارس والمعلمين مراعاة ظروف التلاميذ في محافظات القطاع، وعدم إلزامهم باحضار مستلزمات مدرسية، والاكتفاء بالحد الأدنى من الطلبات الخاصة من دفاتر ومسلتزمات.
انقسام
يشير وكيل وزارة التربية والتعليم العالي في غزة زياد ثابت، إلى أن أكثر من 240 ألف تلميذ سينتظمون في المدارس الحكومية التابعة لغزة في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، موضحاً أن المدارس الحكومية تشهد اكتظاظاً في المراحل الثانوية، علماً أن مدارس "أونروا" لا توفر التعليم الثانوي. يضيف: "سيكون عاماً صعباً، لأن الوزارة تقدمت بملفات احتياجات الموازنات التشغيلية واحتياجات تدريب المدرسين على المناهج الجديدة والأنشطة التعليمية المتنوعة. لكن الوزارة في رام الله لم تلب هذه الاحتياجات، ما يشير إلى أن الانقسام الفلسطيني يستمر بالتأثير على المنظومة التعليمية".
وفي وقت تشعر غالبية العائلات الغزية بالقلق على مستقبل أطفالها في مدارس أونروا، تكثر الرسائل التي تتلقاها الإذاعات المحلية للاستفسار عن مستقبل التعليم، علّهم يحصلون على ردّ من المسؤولين في الوكالة. في هذا الإطار، يشير المتحدث باسم الوكالة عدنان أبو حسنة، إلى الاتفاق مع كل المؤسسات التعليمية في فلسطين على أن يكون الأربعاء، 29 أغسطس/ آب (اليوم)، أول يوم دراسي، على الرغم من الأزمة التي تواجهها الوكالة. ويقول لـ"العربي الجديد": "كثيرون ظنّوا أن إعلان أونروا عن بدء المدارس هو تجاوز للأزمة، لكن الحقيقة أن الميزانية الحالية تكفي فقط لنهاية شهر سبتمبر/ أيلول، ما يعني أن إعلان فتح المدارس هو دعوة للتفاؤل. قررنا أن تكون خطوة فتح المدارس نقطة تفاؤل فقط، ونتطلع من خلال ذلك إلى جعل الناس أكثر تفاؤلاً، عسى أن يتحرك العالم لسد العجز وجمع التبرعات لاستمرار المسيرة التعليمية".
ويلفت إلى أن العجز القائم بلغ 217 مليون دولار أميركي. وتجرى حالياً جهود لتأمين حاجات المدارس مع بعض الدول لخدمة نحو 270 ألف تلميذ في مدارس أونروا في غزة.