تقف هذه الزاوية مع الكتّاب العرب في قراءاتهم أثناء فترة الوباء، وما يودّون مشاركته مع القرّاء في زمن العزلة الإجبارية.
في بداية الحجر الصحي، العزلة الاضطرارية، لم أجد تلك الرغبة الجامحة في القراءة، أنا الذي تشكّل القراءة الجزء الأكبر من يومياتي، بل لا أعتبر اليوم الذي أقضيه في القيام بأشياء كثيرة يوماً مهماً إن لم اقرأ فيه صفحة واحدة من كتاب على الأقل، أنا الذي أضع الكتب في كل مكان بالبيت حتى أشعر بالأمان النفسي.
ولكن مع ظهور هذا الفيروس الشبح الذي خربط وجودنا بالكامل، وفرض علينا المكوث في بيوتنا، وجدت صعوبة في تحقيق ما كنت أقوم به كل يوم تقريباً، ربما لأن فكرة الحجر نفسها فكرة مزعجة للكاتب الذي يتحسس من كل ما يعادي الحرية الشخصية، سواء في الكتابة أو الكلام أو الحركة، ومع ذلك، لم يحدث هذا الأمر إلا في الأسبوع الأول المتوتر والحزين، ثم سرعان ما كان عليّ التكيّف من جديد مع عالم الحجر الصحي، والعودة إلى تصفح مكتبتي المنزلية من جديد، لحسن الحظ هي مكتبة عامرة ولديّ اختيارات كثيرة في القراءة، وإن كنت أميل لقراءة الأدب، رواية، قصصاً، شعراً، لكن عندي فضول لقراءة كل الأنواع الأخرى فكرية أو تاريخية أو علمية.
ولهذا أكملت قراءة كتاب "الضحك، بوصفه تاريخاً هداماً، دراسة في النقد الثقافي" لـ بيري سندرز، والذي ترجمه ترجمة جيدة سهيل نجم، والكتاب ممتع ومفيد في نفس الوقت، إلى جانب طرافته. ولعلي اخترته عن قصد لأنه في عالم يعيش حالة من الكآبة والخوف وكل يوم يحصي موتاه الذين أخذهم الفيروس اللعين، من غير كتابٍ عن الضحك يستطيع أن يخفّف قليلاً من هذه المشاعر الموحشة، مع أن هدف بيري سندرز من الكتاب ليس أن يُضحك قراءه بالتأكيد حتى لو كان موضوع الكتاب هو الضحك نفسه، بل كيف تمكن مقاربة حتى موضوع كهذا من زاوية نقدية مختلفة.
صحيح يوجد كتاب الفيلسوف الفرنسي الشهير برغسون عن الضحك، ولكن يختلف كتاب سندرز عنه بشكل جذري، لأنه يحاول أن يقدم تاريخاً ثقافياً للضحك، منذ بروز الإنسان إلى اليوم، مع ما في الضحك من قدرة على تحريض الناس ضد السلاطين المستبدين، ولهذا بمجرد ما فرغت من قراءته حتى أخذت الكتاب الذي نشره الجزائري بشير ضحاك بالفرنسية "الضحك والسياسة منذ 1962 إلى اليوم"، وهو كتاب يكشف كيف قاوم الجزائريون بالضحك، والسخرية كل أشكال الاستبداد والعنف السياسي الذي مورس ضدهم.
كما ترون الضحك ليس مجرد تسلية عابرة، أو لعبة للمرح، وتزجية الوقت، هو مسألة ثقافية جديرة بالقراءة، ولحظة سياسية جديرة بالتأمل.
* روائي جزائري من مواليد عام 1969. له في الرواية: "المراسيم والجنائز" (1998)، "أرخبيل الذباب" (2000)، "شاهد العتمة" (2002)، "بخور السراب" (2007)، "أشجار القيامة" (2006)، "خرائط لشهوة الليل" (2008)، "دمية النار" (2010)، "أشباح المدينة المقتولة" (2012)، "غرفة الذكريات" (2014)، "لعبة السعادة" (2016)، "اختلاط المواسم" (2018). وفي القصة: "أمطار الليل" (1992)، "الظل والغياب" (1995)، "شتاء لكل الأزمنة" (2004). إضافة إلى كتابي مقالات ونصوص: "سيرة طائر الليل" (2013)، و"والأرض تحترق بالنجوم" (2015).