كثيراً ما جرى طمس تواريخ على حساب أخرى، وهو ما تعبّر عليه المقولة الشهيرة "التاريخ يكتبه المنتصرون". لعل هذا الحكم ينطبق على شمال أفريقيا، حيث أن المرحلتين العربية الإسلامية من جهة، واللاتينية البونية من أخرى، تبدوان وقد ألغتا ما سبقهما من تواريخ.
ضمن هذا الجدال، ألقى أمس الباحث في تاريخ الأمازيع فوزي عبد اللاوي في مكتبة "المركز الثقافي الروسي" في تونس العاصمة، محاضرة بعنوان "الشعب الأصلي لشمال أفريقيا".
انطلق عبد اللاوي من بيت شعري أمازيغي قديم، يقول "مِن هذا البلد تعلّمت كل شيء". ومنه يحدّد المجال الجغرافي الذي تمسحه الأصول الأمازيغية في المنطقة، وهو بحسبه من وادي النيل شرقاً إلى الأطلسي غرباً، ومن المتوسّط شمالاً إلى الصحراء الكبرى جنوباً.
يشير عبد اللاوي إلى فرضيات عديدة حول أصول هذا الشعب، ويؤكّد خصوصاً على تفنيد رواية تاريخية تقول بأنهم أتوا من الشمال، أو أن من نسمّيهم بالأمازيغ هم اختلاط بين السكان الأصليين والغزاة الشماليين.
يدعم الباحث التونسي هذا الرأي بأن الفترة التي وصل فيها "الأوروبيّون" إلى منطقة شمال أفريقيا تأتي بعد قرون طويلة من أول ظهور لأشكال الحضارة في المنطقة، والتي تعود إلى 12 ألف سنة قبل الميلاد، في ما يُعرف بالحضارة القبصية، مشيراً إلى أن الدراسات إلى حدّ الآن تتوقّف عند سؤال "لكن من أين أتى القبصيون؟"، وهو يرى أن هذا المشكل لن يُحلّ ما لم تتم قراءة اللغات المستعمَلة في ذلك العصر، وفي هذا السياق يؤكّد على عدم الوصول إلى هذا الهدف الذي سيكون مفتاح معرفة تاريخ الأمازيغ.
يشير عبد اللاوي إلى وجود مشكلة اصطلاحات تتعلّق بتسمية الشعب الأصلي لشمال أفريقيا، فهُم مرة اللوبيون، حسب تسمية هيردوت، ومرّة الأمازيغ وهي الكلمة الوحيدة من المنطقة، وثالثةً البربر كما سمّاهم العرب انطلاقاً من فعل "يُبربر" أي أنهم كانوا يتكلّمون لغة اعتبرها العرب "بربرة"، وهي تسمية تقاطعت مع تسمية المؤرّخين الرومان مع كل ما هو خارج الحضارة (البربرية).
يعود هذا التذبذب الاصطلاحي، بحسب المحاضر، إلى أن تاريخ المنطقة لم يُكتب فيها. بحسب عبد اللاوي، ينبغي علينا اليوم الاعتماد على الأركيولوجيا والأنثروبولوجيا، وليس على الكتابات التاريخية لمعرفة هذا التاريخ.
اقرأ أيضاً: "الحب المفقود": الملك النوميدي يعود إلى سيرتا