وقوبلت اللائحة التي تحمل عنوان "إعلان رفض البرلمان للتدخل الخارجي في الشقيقة ليبيا ومناهضته لتشكيل قاعدة لوجستية داخل التراب التونسي قصد تسهيل تنفيذ هذا التدخل" برفض غالبية الكتل.
ورغم الإجماع على مبدأ رفض التدخل الخارجي في الشأن الليبي ورفض جعل تونس منصة أو قاعدة لذلك إلا أن غالبية الكتل عبرت عن رفضها ذكر اسمي دولتين صديقتين لتونس في هذه اللائحة، الشيء الذي اعتبره برلمانيون محاولات لضرب علاقات تونس الدبلوماسية.
وتساءل الوزير السابق سمير ديلو والنائب عن كتلة "حزب النهضة" عن "سبب ذكر قطر وتركيا فقط في اللائحة، معتبرا أن أصحابها لديهم مشكل إيديولوجي مع قطر وتركيا ولأن الأطراف التي تقف وراء اللائحة هي الطرف المقابل".
وبين ديلو خلال الجلسة أن الظاهر والعنوان أن اللائحة ضد التدخل في الشأن الليبي لكن أصحابها يسمحون لأنفسهم بالتدخل، قائلا "من يقدم نصف الحقيقة يكذب بشكل غير مباشر".
وتوجه ديلو ساخرا بالتحية إلى رئيسة كتلة "الدستوري الحر"، عبير موسي، قائلا: "أحييها لأنها لم تتغير، كانت قبل الثورة تشتمني بحماية البوليس السياسي واليوم بحماية الدستور الذي لا تؤمن به، يعني هي وفية للشيء الذي تقدر عليه، وكلٌّ لما سُخر له".
وأضاف ديلو "رئيسة كتلة الدستوري الحر تتكلم على الفساد؟ وهذه السيدة مرفوع ضدها قضية في الفساد، وإلى حدود قيام الثورة وسقوط الشهداء وفي الأيام الأولى لما بعد الثورة وهي لازالت رسميا مكلفة بمهمة لدى الوزير الأول لدى بن علي وتتسلم راتبا شهريا!!".
وقال ديلو إن "المسألة كلها تتعلق بتسجيل نقاط في إطار استهداف رئيس البرلمان ولكن نقول لهم شكرا على المحاولة، دستورنا يحميكم وهذه ليست مزية.. ولكن رصيدكم لا يسمح بذلك".
الغنوشي: صراع بين الديمقراطية والاستبداد
في سياق مواز، أكد رئيس مجلس نواب الشعب التونسي، راشد الغنوشي، خلال الجلسة أن "المعلن هو استهداف رئيس البرلمان ولكن المعني بالاستهداف الحقيقي هو البرلمان ومن ورائه التجربة الديمقراطية، وما الصّراع في عمقه إلاّ صراع بين الخيار الديمقراطي والاستبداد".
وأضاف الغنوشي أنه "بالرّغم من الحياد الإيجابي في موقفنا من المسألة الليبية إلاّ أنّ العديد من الأطراف في الدّاخل والخارج وظّفت هذا الموضوع توظيفا سلبيا فكان بمثابة الشّجرة التي تخفي الغابة".
وشدّد الغنوشي في خطاب افتتاح الجلسة الحواريّة حول الدبلوماسيّة البرلمانيّة، بعد إسقاط لائحة حزب "الدستوري الحر"، على أنّ تونس "مَعْنِيَّة مباشرة بالحريق الليبي، فلا مناص من العمل على حل سلمي يضمن وحدة أراضي ليبيا وشعبها والدَّفْعِ بكلّ الأطراف إلى الحلّ السياسي الذي يُجنِّب الليبيين الاقتتال والفوضى".
وأشار إلى أن رئيس الجمهورية عبّر عن هذا الموقف في كلّ المناسبات، حتى أنه عندما أَدْلَى أحد الوزراء بتصريح خارج ضوابط السّياسة التّونسيّة ( في إشارة لوزير الدفاع عماد الحزقي) تَدَخَّل الرئيس لِيُعِيد الأمور إلى نِصابها، مؤكّدا موقف تونس الثّابت والذي يتقاطع مع الشّرعيّة الدّولية ومُخْرجات مؤتمر الصّخِيرات في المغرب.
وفيما يتعلّق بموضوع تهنئة حكومة "الوفاق" خلال المكالمة الهاتفية مؤخرا، قال رئيس مجلس نواب الشعب إنها "تهنئة بروتوكوليّة فرضها سياق المكالمة وتمّ خلالها التذكير بالموقف التونسي في حلّ النزاعات عن طريق الحوار والحلول السلميّة".
من جانبه، قال النائب عن "كتلة ائتلاف الكرامة" ماهر زيد، إن الديبلوماسية التونسية "يجب أن تنخرط في إطار الشرعية الدولية المعترفة بحكومة فائز السراج في ليبيا، التي حسمت المعركة على المستوى العسكري"، وفق تأكيده.
وأكد زيد خل الجلسة العامة وجود شبهات حول الدور الإماراتي في هجمات 11 سبتمبر / أيلول بتمويل إماراتي مشددا على أن الإمارات "تقف وراء كل توتر في المنطقة وأن طائراتها محطمة على الحدود التونسية".
وأضاف ماهر زيد، في سياق متصل، أن "الجواسيس ترتع في البلاد"، مشيرا إلى أن الجاسوس المصري محمد سماحي الذي تم القبض عليه في تونس قبل ترحيله، في وقت سابق، كان يتواصل مع مدير مكتب ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد ويتلقى تمويلًا منه.
ودعا زيد، بالمناسبة رئيس الجمهورية والديبلوماسية التونسية للانضمام للسباق الاقتصادي حول إعادة ليبيا.
انتقادات للإمارات والسعودية
وفي السياق، انتقد نواب بسخرية تركيز قنوات إماراتية وسعودية على الجلسة العامة البرلمانية إلى حد نقل أعمالها بحرص كبير، فيما تعمدت أيضا تزييف الحقائق والمعطيات ومجريات الجلسة بحسب تدخلات النواب من "حزب النهضة" و"ائتلاف الكرامة".
ودعا النائب عن "التيار الديمقراطي" محمد عمّار رئيس الجمهورية قيس سعيّد إلى إقامة مؤتمر دوليّ لترجمة التحدّيات الخارجية إلى فرص حقيقيّة، مشيرا إلى أنه لابد من الاصطفاف وراء الشعوب وحقّها في تقرير مصيرأن يكون لنا كدولة تونسية دور في السلام في ليبيا خاصة بوصفنا أوّل دولة عربيّة ديمقراطية، ولابدّ أن يكون للشعب الليبي الحقّ في تقرير مصيره".
أما النائبة عن "حزب مشروع تونس" نسرين العماري وهي ممثلة عن "كتلة الإصلاح"، فقالت "كنّا نودّ أن تحتوي اللائحة على رفض استعمال تونس كمنصّة للتدخل العسكري ضد جيرانها، كما كان على البرلمان أن يندّد بمرور الأسلحة من تونس إلى ليبيا والعكس بالعكس".
وشددت العماري على أن "علاقة تونس بليبيا تتجاوز العلاقات الدولية بل هي علاقات أخوية وشعبية وكل عبث بهذه العلاقات يعتبر جريمة عظمى".
واعتبر النائب يسري الدالي عن "كتلة ائتلاف الكرامة" أن "اللائحة أُريد بها باطل فهي ترفض التدخل التركي والقطري في ليبيا فقط وتخفي الانحياز إلى الإمارات العربية المتحدة ولنظام السيسي ولروسيا.. وكأن الإمارات وروسيا وبقية الدول لم تتدخّل في الشأن الليبي".
واعتبر هشام بن أحمد النائب عن "كتلة تحيا تونس" خلال الجلسة أيضاً أن التدخل التونسي في الشأن الليبي "يجب أن يكون بهدف تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين"، مؤكدا رفض تدخّل البرلمان في السياسة الخارجية للبلاد.
وقال بن أحمد: "نحن نقبل هذه اللائحة من ناحية المضمون ولكن نرفض الإشارة لبعض الدول التي وقع ذكرها في التوطئة على حساب دول أخرى".
من جانبه، اعتبر النائب علي البجاوي عن "حزب الدستوري الحرّ" أن تونس تنتمي لدول عدم الانحياز وهذه اللائحة تذكير بأن مصلحة تونس تكمن في عدم الاصطفاف وراء الولاءات بل للوقوف إلى جانب الشعب الليبي وخدمة مصالحه، داعيا بالتصويت لفائدتها.
في المقابل، اعتبر النائب عن "حزب النهضة" ناجي الجمل أنه "لا قيمة قانونية للائحة الصادرة عن البرلمان لا على مستوى السلطة التنفيذية ولا على المستوى الوطني ولا على المستوى الدولي".
وشدد الجمل على أن "لا معنى للثبات في السياسة الخارجية التونسية التي يتحدث عنها، باعتبارها سياسة رسمت منذ عقود في سياق مختلف وفي أوضاع مختلفة عن الثورة التي قامت في تونس والمسار الديمقراطي".
ويرى مراقبون أن اللوائح البرلمانية تعد بمثابة التوصيات التي لا تأخذ صبغة إلزامية لرئيس الجمهورية بوصفه المسؤول دستوريا عن السياسة الخارجية للبلاد ولا للمجتمع الدولي.
يذكّر أن الجلسة انطلقت في العاشرة والنصف من صباح يوم أمس الأربعاء وطرحت أولا التصويت على لائحة برلمانية عرضها "الحزب الدستوري الحر" الذي ترأسه عبير موسي، ولكن البرلمان أسقطها بعد فشلها في الحصول على أغلبية 109 أصوات، ثم توصلت للنظر في موضوع الديبلوماسية البرلمانية.
وسبق للبرلمان التونسي أن صادق خلال العهدة البرلمانية السابقة على لائحة لمناصرة الشعب الفلسطيني في كفاحه من أجل قضيته العادلة باعتبارها قضية توحد التونسيين، في المقابل تعثرت مناقشة لوائح من بينها لائحة لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري باعتباره موضوعا خلافيا قسم البرلمان التونسي ولم يجمعه وقتها.