وربما تعتبر قمة الإثنين الفرصة الأخيرة للحيلولة دون انزلاق المنطقة إلى صدام عسكري واسع النطاق، من شأنه وأد كل المساعي من أجل التوصل لحلول سياسية، ليس لمشكلة إدلب فحسب بل للقضية السورية برمتها. وربما تكون في ذهن بوتين وأردوغان، عندما يجتمعان اليوم، ضرورة التوصل إلى حل وسط لعقدة إدلب، بما لا يكسر إرادة أي من الدولتين. حل وسط من غير المعروف كيف يمكن أن يولد، لكنه ربما يتركز على وضع خطط لهجمات محدودة على مناطق تسيطر عليها "جبهة النصرة" منفردة في المحافظة وفي بعض مناطق ريفي اللاذقية وحماة، بموازاة تسريع الجهد التركي الهادف إلى حل "النصرة" وتسليم سلاحها، أو ربما يولد اتفاق على اقتطاع منطقة جسر الشغور في ريف إدلب لتكون بمثابة منطقة فاصلة بين مناطق المعارضة وقوات النظام.
وتبحث أنقرة عن تفاهم مع الجانب الروسي يعطيها فرصة، ربما تكون أخيرة، لتفتيت كل عوامل التأزم التي يتخذ منها الروس ذريعة لاقتحام المنطقة، وأبرزها "هيئة تحرير الشام"، التي تعد "جبهة النصرة"، المصنفة على قوائم الإرهاب الدولي، عمودها الفقري، وتنظيمات أخرى هي أقل خطورة عسكرياً من "هيئة تحرير الشام"، لكنها متهمة بالتشدد أكثر منها. كما أن الروس يبدون غير متحمسين لعمل عسكري شامل، في ظل رفض غربي قاطع خشية اندفاعة جديدة للاجئين إلى أوروبا. ولوّحت تركيا بورقة اللاجئين بوجه أوروبا في حال لم تساند دول الاتحاد الأوروبي موقف أنقرة من أجل تفادي عمل عسكري من قبل قوات النظام ومليشيات إيرانية، تحت غطاء من الطيران الروسي، الذي يرتكب مجازر بحق المدنيين، ما يدفع الآلاف إلى النزوح داخل سورية، أو اللجوء إلى تركيا ومنها إلى أوروبا عبر قوارب في البحر المتوسط. ووسط ترويج إعلامي روسي بأن موسكو وأنقرة اقتربتا من تجاوز الخلاف بينهما حول إدلب، فإن تركيا ارتأت استباق القمة بإرسال المزيد من الحشود العسكرية إلى إدلب، في إشارة إلى تمسكها برفض أي حملة عسكرية ضد المحافظة.
من جانبها، زعمت صحيفة "الوطن"، التابعة للنظام السوري، أن "أنقرة تريد التوصل إلى حل وسط مع موسكو، ومن خلالها مع دمشق لتفادي هذه المعركة التي ستكلفها فقدان أي نفوذ لها في سورية". كما زعمت أن أنقرة "مستعدة أن تقاتل من لا يريد الاستسلام، بالتعاون مع سلاح الجو الروسي الذي قد يوفر التغطية الجوية، في حال كان هناك أي اتفاق روسي تركي لخوض هذه المعركة، على أن تتم تسوية أوضاع المقاتلين المعتدلين والإبقاء على نفوذهم المحدود وعودة مؤسسات الدولة إلى العمل داخل محافظة إدلب وفتح الطريق الدولي الرابط بين حماة وحلب وبين حلب واللاذقية". لكن الوقائع العسكرية على الأرض تؤكد أن الجيش التركي مصر على منع قوات النظام من التقدم باتجاه إدلب، حيث نشر هذا الجيش سلاحاً ثقيلاً في نقاط مراقبة له داخل محافظة إدلب ومحيطها، وهو ما دفع بمسؤولين روس إلى الإعلان عن تأجيل العملية العسكرية ضد شمال غربي سورية. وتتوزع نقاط المراقبة التركية في أرياف حلب وإدلب وحماة واللاذقية، حيث تقع النقطة الأولى في قرية صلوة بريف إدلب الشمالي، والنقطة الثانية في قلعة سمعان بريف حلب الغربي، أما الثالثة ففي جبل الشيخ عقيل بريف حلب الغربي. وتقع النقطة الرابعة في تلة العيس بريف حلب الجنوبي، والخامسة في تل الطوقان بريف إدلب الشرقي، والسادسة قرب بلدة الصرمان بريف إدلب الجنوبي. وتقع النقطة السابعة في جبل عندان بريف حلب الشمالي، والنقطة الثامنة في الزيتونة في جبل التركمان، شمال اللاذقية، أما النقطة التاسعة فهي في مورك بريف حماة الشمالي، والعاشرة في الراشدين الجنوبية بريف حلب الغربي، أما الحادية عشرة ففي شيارمغار بريف حماة الغربي، والنقطة 12 ففي جبل اشتبرق بريف إدلب الغربي.
وتبدو فرص الاتفاق بين تركيا وروسيا حيال الأوضاع في إدلب أكبر من تلك التي قد تؤدي إلى انهيار علاقة تحالف وشراكة، خصوصاً على صعيد الاقتصاد، والتي يبدو أن الطرفين حريصان عليها، في وقت لم تظهر أي معطيات ميدانية، حتى الآن، حيال تصريح أطلقه رئيس لجنة مجلس الدوما للشؤون الخارجية، ليونيد سلوتسكي، إذ قال إن بلاده تخطت الخلافات مع تركيا بشأن إدلب، و"أهم ما سيحدث في سورية في القريب العاجل هو بدء هجوم متفق عليه ضد الإرهابيين هناك"، بمشاركة "العديد من الدول". غير أن كلام المسؤول الروسي بقي غامضاً دون أي تفاصيل، في حين اعتبره محللون سوريون مجرد "بروباغندا" روسية، للتغطية على فكرة تأجيل الحملة ضد إدلب.
من جانبه، يرى العقيد فاتح حسون، القيادي في الجيش السوري الحر ورئيس حركة "وطن"، أن الرفض التركي للمعركة "كان واضحاً في قمة طهران الثلاثية، التي جمعت رؤساء الدول الضامنة في مباحثات أستانة، فيما ظهر الإصرار الروسي على المعركة، والميل الإيراني لترك روسيا في الواجهة مع رضى ضمني بالمعركة". وأضاف "بعد القمة كانت التصريحات الواضحة والرافضة للرئيس التركي تترجمها القوات التركية على الأراضي السورية، بتعزيز نقاط المراقبة التابعة لها، كماً ونوعاً، وتترجمها السياسة التركية بحشد المواقف الدولية معها، والتي تجلى نجاحها برفض مجلس الأمن إعطاء روسيا شرعية للمعركة". وأعرب عن اعتقاده "بأن هناك اندفاعاً تركياً، عسكرياً وسياسياً، باتجاه مغاير تماماً للاتجاه الروسي"، مضيفاً "قد يتطور لصدام متعدد ذي تداعيات خطيرة على العلاقات الثنائية بين البلدين إن قامت روسيا، ومن ورائها من يشجعها، على تنفيذ المعركة". وأشار إلى أن "حاجة تركيا وروسيا لبعضهما البعض في ظل السياسة الأميركية في المنطقة ضرورية لسحب أي فتيل خلاف يؤدي لذلك"، لافتاً إلى أن إعلان الرئيس التركي عن عقد اللقاء الثنائي بعد مغادرته طهران "يدل على وجود إصرار تركي على أمرين: منع معركة إدلب، والحفاظ على العلاقات التركية الروسية. وهذا يصب في مصلحة الشعب السوري أولاً، والأمن القومي والاقتصاد التركي ثانياً".
وفي ظل ما يجري في أروقة السياسة الإقليمية والدولية حيال حسم مصير شمال غربي سورية، تؤكد المعارضة السورية المسلحة أنها تعوّل فقط على جاهزيتها القتالية، في وقت لا تزال قوات النظام السوري تتوعد بعمل عسكري. وفي هذا الصدد، قال النقيب ناجي أبو حذيفة، الناطق باسم "الجبهة الوطنية للتحرير"، أكبر تجمع لفصائل المعارضة السورية المسلحة في شمال غربي سورية، إن المفاوضات الدولية "ما زالت مستمرة، خصوصاً بين تركيا وروسيا حول إدلب ومحيطها"، مشيراً، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن فصائل المعارضة "تعول على جاهزيتها لإفشال المخططات الروسية كافة". وفي المقابل، ذكرت وسائل إعلام تابعة للنظام أن قوات الأخير "لا تزال تستعد لآخر معاركها الكبرى في سورية"، زاعمة أن المعركة "قد تنطلق خلال أيام، أو أسابيع". وجاءت زيارة وزير الدفاع في حكومة النظام، علي أيوب، أخيراً، إلى تشكيلات في قوات النظام في أرياف حماة وإدلب واللاذقية، في سياق الحرب النفسية والإعلامية التي يشنها النظام على شمال غربي سورية، حيث لا تجرؤ هذه القوات والمليشيات المحلية التي تساندها على خوض معركة ضد المعارضة السورية المسلحة المستعدة جيداً لكل الاحتمالات، من دون غطاء سياسي وعسكري روسي.