تُواصل حركة "السترات الصفراء" في فرنسا، احتجاجاتها الأسبوعية، وتتظاهر، اليوم السبت، للأسبوع الخامس والعشرين على التوالي، بينما قدّمت 3 قوائم للانتخابات الأوروبية المقررة في 23 مايو/أيار الحالي.
وتأتي تظاهرات اليوم السبت، بعد ثلاثة أيام من تظاهرات يوم العمال 1 مايو/أيار، التي شهدت خروج ما بين 150 ألفا و300 ألف متظاهر.
وتخلل التظاهرات بعض مظاهر العنف في العاصمة باريس، وما عُرف بـ"الهجوم" على مستشفى "بيتييه سالبيتريير"؛ وهي قضية استغلّتها الحكومة، لبعض الوقت، من أجل إدانة العنف الذي تقول إنّ عناصر متطرفة ساهمت فيه ولم تتردد في مهاجمة مستشفى عمومي.
غير أنّ وزير الداخلية كريستوف كاستانيير، اضطر، أمس الجمعة، للتراجع عن فرضية "الهجوم"، واحتفظ في الوقت عينه بمصطلح "اقتحام عنيف"، وهي رواية يرفضها 31 شخصاً تمّ توقيفهم في يوم التظاهرة، قبل أن يطلق سراحهم بعد 23 ساعة من الاعتقال الاحتياطي.
وشدّد هؤلاء على أنّهم لجؤوا إلى المستشفى، من أجل وقاية أنفسهم من هجمات رجال الشرطة والغازات المسيلة للدموع، وأكدوا أنّهم لم يحطموا أي شيء في المستشفى ولم يهددوا موظفيه.
وتأتي تظاهرات اليوم السبت، أيضاً، بعد فتح "المفتشية العامة للشرطة الوطنية"، ثلاثة تحقيقات داخلية؛ أولها ضد شرطي رمى متظاهرين بالحجارة، وأخرى ضد شرطي أولج عصاه في سروال أحد المتظاهرين، والثالثة ضد شرطي قام بصفع متظاهر.
وتترقّب باريس ثلاث تظاهرات، في عدة مواقع، لكنها بعيدة عن جادة الشانزيليزيه والجمعية الوطنية (البرلمان) ومحيط كاتدرائية نوتردام التي يُحظر التظاهر فيها منذ أسابيع.
كما ينتظر أن تشهد مدينة ليون تنظيم تظاهرة مشتركة بين "السترات الصفراء" و"الشباب من أجل المناخ"، في حين تشهد مدن أخرى تظاهرات كسانت إتيان وروان ومونبلييه وتولوز وأميان، وينظم في مدينة "بورغ" تجمع وطني للمعاقين تزامناً مع التظاهرات.
ومنذ 17 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تشهد فرنسا، في أيام السبت، احتجاجات نظمتها "السترات الصفراء" بداية ضد رفع أسعار الوقود، وارتفاع تكاليف المعيشة، وتطورت إلى المطالبة بإصلاحات واسعة، وتخلّلتها أعمال عنف حيث استخدمت الشرطة القوة ضد المحتجين.
ولا تزال شعارات الحراك حاضرة، ومنها استقالة الرئيس إيمانويل ماكرون، ووزير داخليته كريستوف كاستانيير.
وتلخّص بريسيلا لودوسكي أحد وجوه "السترات الصفراء"، المطالب الرئيسية للحراك في تحقيق العدالة الاجتماعية والضريبية والديمقراطية المباشرة، والتي تقول أغلبية "السترات الصفراء" إنّ الإعلانات الرئاسية الأخيرة، في خطاب ماكرون، لا تلبّيها، وأنّ الرئيس لا يزال مصرّاً على عدم الإنصات للحراك الاجتماعي.
واعترف ماكرون، في خطاب، مساء الخميس، بانخفاض نسبة شعبيته، وتحدّث عن "الحوار الوطني الكبير"، الذي بادر بإطلاقه سعياً لحل الأزمة، ووعد بمعاودته خلال السنتين المقبلتين، كما اعترف بحقيقة معاناة الكثير من الفرنسيين "الذين يشعر بعضهم بأن الدولة تخلّت عنهم".
وشدد على ضرورة خفض الضرائب، وقدّر قيمتها في خمسة مليارات يورو، تاركاً التفاصيل لرئيس حكومته إدوار فيليب، مع تذكيره بخفض الضرائب الذي بدأه قبل اندلاع حراك "السترات الصفراء"، وخاصة التخلص من الضريبة على السكن.
كما عبّر ماكرون عن رفضه مقترح "استفتاء المبادرة المواطنية"، وهو مقترح لـ"السترات الصفراء" يحظى بشعبية كبيرة، واقترح عوضه خفض عتبة التوقيعات المطلوبة من أجل تنظيم "استفتاء المبادرة المتقاسَمة" إلى مليون توقيع، وهي موجودة في الدستور. وجدد الرئيس الفرنسي فكرة اختيار 150 مواطناً عن طريق القرعة، من أجل تشكيل ما سماه "مجلس المشاركة المواطنية"، من أجل تمثيل المجتمع المدني، عبر منح الحيوية للديمقراطية، وهو مجلس سيتم إدماجه بـ"المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئوي".
وتزامناً مع تحركات "السترات الصفراء" في الشارع، أُودِعت، مساء أمس الجمعة، 33 قائمة انتخابية، وهو رقم غير مسبوق، للمشاركة في الانتخابات الأوروبية المقررة، في 23 مايو/ أيار الحالي.
وفيما يخص قوائم "السترات الصفراء"، فإنّه ثبت حضور ثلاث قوائم في الانتخابات الأوروبية، وهي "التحالف الأصفر"، ويقودها المغني الفرنسي فرانسيس لالان، و"تطور مواطني" ويقودها كريستوف شلانسون، وهو من وجوه الحراك المعروفة والمثيرة للجدل (خاصة بعد لقائه بقياديين إيطاليين، وهو ما أغضب السلطات الفرنسية في حينه)، و"الحركة من أجل المبادرة المواطنية"، ويشارك فيها عناصر يدافعون عن "استفتاء المبادرة المواطنية"، وهو من مطالب الحراك الرئيسية التي سخر منها ماكرون.
كما أنّ عنصرين آخرين من "السترات الصفراء"، التحقا بحزبين سياسيين يمينيين؛ هما بنجامان كوشي الذي انضم لحزب "انهضي فرنسا" اليميني المتطرف، ويترأسه نيكولا دوبون إينيان، وجان-فرانسوا بارنابا، الذي انضم للقائمة التي يترأسها فلوريان فيليبو العضو السابق في "الجبهة الوطنية"، والذي أسس حزب "الوطنيون"، المطالب بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
في المقابل، تفضل أغلبية من وجوه "السترات الصفراء"، ألا تؤسس قوائم مستقلة، وألاّ تنضمّ لأحزاب سياسية أو نقابات، تراها مسؤولة عن الأزمة الاجتماعية المستدامة التي تشهدها فرنسا.