قمة ترامب وبوتين: مجاملات واتفاق على أمن إسرائيل

هلسنكي

العربي الجديد

لوغو العربي الجديد
العربي الجديد
موقع وصحيفة "العربي الجديد"
16 يوليو 2018
B40E835D-C175-482F-B161-2654DB8D31B2
+ الخط -
يُتوقع أن تنطلق حملة جديدة داخل الولايات المتحدة ضد مواقف وسلوكيات الرئيس دونالد ترامب، بعد ما قاله في مؤتمره الصحافي مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في أول قمة رسمية بينهما في هلسنكي اليوم الاثنين.

وبدا ترامب مدافعاً شرساً عن بوتين وعن روسيا في معظم الملفات، تحديداً في قضية التدخل الروسي في انتخابات أميركا 2016، حتى أنه لم يتردد في تبرئة موسكو من التهم الرسمية الموجهة إليها من قبل لجنة روبرت مولر التي وصفها ترامب بـ"الكارثية" و"السخيفة".

وصحيح أن الكلام الصادر عن ترامب وبوتين في مؤتمرهما الصحافي المشترك أكد أن القمة لم تخرج بأي اتفاقات رسمية، لكن المؤكد أيضاً أن الاجتماع جاء لمصلحة روسيا وبوتين بالكامل. واتفق الزعيمان على أن أولويتهما في سورية تقتضي حماية أمن إسرائيل، وأجمعا على إعادة تفعيل اتفاقية وقف إطلاق النار في عام 1974 قرب الجولان المحتل، وهو ما يمكن أن يُفهم منه اتفاق على إبعاد القوات الإيرانية أو المليشيات التابعة لها عن حدود الأراضي السورية المحتلة، من دون أن يتحدث ترامب، بكلمة واحدة، عن النظام السوري ومصير رئيسه بشار الأسد، مع عدم ذكر بقية الملفات الخلافية بين البلدين.

"مرحلة جديدة"

"الولايات المتحدة وروسيا لم تتفقا جيداً في السنوات الأخيرة، آمل أن ذلك سيتغير وسننتهي بإقامة علاقات استثنائية". عبارات اختارها الرئيس الأميركي بدقة ليس فقط لتكون ضمن أولى تصريحاته التي أدلى بها خلال افتتاح القمة الفردية الأولى له مع بوتين، التي استضافتها العاصمة الفنلندية هلسنكي، اليوم الإثنين، بل ليرسم مبكراً المحصلة النهائية لنتائج القمة التي اتجهت أنظار العالم إليها لمعرفة ما إذا كانت ستقود إلى مجرد كلمات دبلوماسية واتفاق على إصلاح العلاقات الأميركية - الروسية المتدهورة، وربما التوصل لاتفاق بشأن بدء محادثات في قضايا مثل الأسلحة النووية وسورية، أم أن الأيام المقبلة  ستكشف تباعاً، أنها أفضت إلى صفقة شاملة.

وبالفعل بعد نحو أربع ساعات من بدء الاجتماعات بين ترامب وبوتين، والتي تخللها اجتماع مغلق استمر لنحو ساعتين، ثم اجتماع موسع بحضور مسؤولين من البلدين، خرج ترامب وبوتين، في مؤتمر صحافي مشترك، ليعلنا عن مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين، وإن أشارت تصريحاتهما إلى استمرار وجود خلافات عدة حول عدد من الملفات، باستثناء "أمن إسرائيل في جنوب سورية" الذي حضر بنداً أساسياً، وسط تأكيد بوتين وترامب ضرورة حمايتها.

 

وبينما أكد بوتين أن المحادثات مع ترامب كانت "ناجحة جداً ومفيدة كثيراً"، لفت إلى أن الحرب الباردة انتهت، وأن على روسيا والولايات المتحدة العمل معاً من أجل حل المشاكل، بما في ذلك على الصعيد الاستخباري. لكن ذلك لم يمنع بوتين من الإقرار بأن هناك مشاكل كثيرة لم تستطع قمة هلسنكي حلها، متوقفاً عند الملف السوري بقوله إن "تأمين السلام يمكن أن يكون مثالاً للعمل المشترك الناجح، الولايات المتحدة وروسيا تستطيعان أن تقوما بدور ريادي وتتعاونا في حل الأزمة الإنسانية وعودة اللاجئين"، معيداً اللعب على وتر تدفق المهاجرين إلى أوروبا. كما شدد على ضرورة الالتزام بوقف إطلاق النار في الجولان المحتل وفقاً لاتفاقية 1974.

وإلى جانب ذلك، أكد بوتين القلق من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، فضلاً عن إشارته إلى أهمية تطبيق اتفاقات مينسك بخصوص أوكرانيا.

في موازاة ذلك، كان بوتين حريصاً على مراعاة الضغوط التي يواجهها ترامب، وذلك بإشارته إلى أن محادثاتهما تطرقت إلى القضية، قائلاً: "كان عليّ أن أكرر ما سبق أن قلته عدة مرات: الحكومة الروسية لم تتدخل إطلاقاً ولا تنوي التدخل في الشؤون الداخلية للولايات المتحدة، بما في ذلك العملية الانتخابية".

من جهته، أكد ترامب أن محادثات الاثنين لم تكن سوى البداية، لافتاً إلى أنه تخللها حوار بناء وعميق، ونقاش للمشاكل وسبل التعاون لتحقيق المصالح المشتركة. وفيما لفت إلى أن العلاقات مع روسيا تحسنت، شدد على ضرورة الضغط على إيران من أجل وقف عنفها في الشرق الأوسط. كما أكد العمل من أجل أمن إسرائيل، مضيفاً: "أنا وبوتين متفقان على ذلك". كما استغل ترامب حديث بوتين عن عدم تدخل بلاده في الحملة الانتخابية الأميركية ليقول إن التحقيق الذي يقوده روبرت مولر سخيف.

وبينما حرص مسؤولون من البلدين على خفض سقف التوقعات من القمة التي حضرت فيها ملفات عدة، بدءاً من العلاقات الثنائية، مروراً بملفي سورية والنووي الإيراني، وصولاً إلى العلاقة مع حلف شمال الأطلسي والملف الأوكراني وقضايا التسلح والتجارة وسباق التسلح النووي، جاءت عبارات ترامب، عند بدء اللقاء مع بوتين فضلاً عن تحميله قبل ذلك بساعات، بلاده مسؤولية تدهور العلاقة مع روسيا عوضاً عن التصويب على تدخلات الأخيرة داخل الولايات المتحدة وعلى الصعيد الدولي، لتعزز حجم المخاوف داخل الولايات المتحدة وخارجها من تنازلات قدمها ترامب، الباحث عن انتصار جديد، لنظيره الروسي في الغرفة المغلقة التي جمعتهما مع مترجميهما لنحو ساعتين عوضاً عن ساعة ونصف كما كان مقرراً.

ولعل طريقة إدارة الرئيس الأميركي علاقات بلاده الخارجية، والتي يغلب عيلها طابع المقاربة الشخصية والصفقات، فضلاً عن عدم تردده سابقاً في إبداء إعجابه ببوتين وهي النقطة التي يتلاقى فيها مع قادة اليمين المتطرف في أوروبا، وإلى جانب فارق السنوات الطويل في العمل السياسي وإدارة البلدين بين ترامب، قطب الأعمال الذي يتولى منصبه في البيت الأبيض منذ 18 شهراً فقط، وبين بوتين (65 عاماً) ضابط الاستخبارات السابق الذي يدير روسيا منذ 18 عاماً، جميعها عوامل عززت المخاوف من حجم التنازلات التي قد يكون ترامب قدمها ترامب في فنلندا.

وفي حين جاءت القمة في توقيت داخلي صعب للرئيس الأميركي، إذ يتواصل التحقيق الذي يقوده المحقق المستقل روبرت مولر حول التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية في العام 2016 لمصلحة حملة ترامب، خصوصاً مع توجيهه الاتهام إلى 12 عميل استخبارات روسياً بقرصنة أجهزة كمبيوتر للحزب الديمقراطي، فإن توقيتها على الصعيد الدولي لا يقل أهمية، وسط ارتسام ملامح تحالفات جديدة للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية نتيجة النهج العدائي الذي يعتمده ترامب مع حلفائه، وهو ما تجلى بوضوح في قمة مجموعة السبع الاقتصادية قبل أسابيع وفي قمة حلف شمال الأطلسي قبل أيام، والذي اضطر فيه قادة العديد من الدول إلى الاستماع مطولاً لانتقادات وتهديدات وحتى ابتزاز ترامب لهم قبل أن يتوج تصريحاته بتصنيف الاتحاد الأوروبي في خانة "العدو"، بينما يختار تعابيره المهادنة بدقة في كل مرة يكون فيها الحديث عن العلاقات مع روسيا، أو مع بوتين، على غرار ما حدث في القمة.

وكانت القمة بدأت بعد تأجيل دام لنحو 45 دقيقة، بعد تأخر وصول طائرة بوتين إلى هلسنكي بنحو 30 دقيقة عن الموعد المخطط له، وهو ما رد عليه ترامب سريعاً، إذ انتظر وصول بوتين إلى قصر الرئاسة قبل أن يغادر فندقه. ومن على كرسيين خشبيين مزخرفين أمام العلمين الأميركي والروسي في غرفة داخل قصر الرئاسة الفنلندي، ترك ترامب لبوتين فرصة الإدلاء بتعليقات افتتاحية أكد فيها أن الوقت قد حان للتحدث عن العلاقات بين موسكو وواشنطن. وأضاف أن عليهما أيضاً مناقشة قضايا دولية معقدة متعددة الطرف. ويعتقد بوتين أن عقد القمة، يمثل مكسباً جيوسياسياً لأنه، بالنسبة للروس، يعكس اعترافاً أميركياً بأن روسيا قوة عظمى ينبغي وضع مصالحها في الاعتبار.

من جهته، قال الرئيس الأميركي إنه يعتقد أن "العالم يريد أن يرانا نتعايش". كما ذكر أنه يعتقد أن بإمكان البلدين إقامة "علاقة استثنائية". في موازاة ذلك، تجاهل ترامب تساؤلات عما إذا كان سيحذر الرئيس الروسي من التدخل في انتخابات التجديد النصفي المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل خلال اللقاء المنفرد الذي عقداه بحضور مترجميهما فقط، وأثار هواجس أميركية عدة ترجمت بتوجيه عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين رسالة مفتوحة لترامب لحثه على عدم التفاوض على انفراد. وكتبوا له قائلين: "لا بد من وجود أميركيين آخرين في الغرفة".

لكن ترامب تجاهل هذه النصيحة وخرج عقب انتهاء اللقاء الثنائي، ليؤكد أن الاجتماع مع بوتين بداية جيدة. وأضاف ترامب خلال جلوسه إلى مائدة اجتماعات محاطة بكبار المسؤولين في بداية "غداء عمل" بين الطرفين: "أعتقد أنها بداية جيدة. بداية جيدة جداً للجميع".

وشارك في الاجتماع الموسع عن الجانب الروسي كل من وزير الخارجية، سيرغي لافروف، مستشار الرئيس للسياسة الخارجية، يوري أوشاكوف، والمتحدث باسم الرئاسة، دميتري بيسكوف، ومدير قسم أميركا الشمالية في الخارجية، غيورغي بوريسينكو، والسفير الروسي لدى واشنطن، أناطولي أنطونوف، فيما شمل وفد الولايات المتحدة كلاً من وزير الخارجية، مايك بومبيو، ومستشار الرئيس للأمن القومي، جون بولتون، وكبير موظفي البيت الأبيض، جون كيلي، وكبيرة المستشارين في مجلس الأمن القومي المعنية بروسيا، فيونا هيل.

 

وكان ترامب قد استبق بدء القمة بتصريحات حمّل فيها مكتب التحقيقات الفدرالي "إف بي آي" والإعلام الأميركي مسؤولية تردي العلاقة مع روسيا. وكتب ترامب تغريدة قال فيها: "علاقتنا بروسيا لم تكن أسوأ مما هي عليه اليوم. الكثير من سنوات الغباء والحماقة الأميركية والآن، المطاردة المزيفة".

كما وصف ترامب وسائل الإعلام الأميركية بأنها "عدوة الشعب". وأضاف، في تغريدة أثناء توجهه إلى فنلندا، أنه مهما حقق من إنجازات خلال القمة فسيواجه انتقادات بأنها غير كافية. وأضاف: "إذا منحت مدينة موسكو العظيمة تكفيراً عن كل الذنوب والشرور التي ارتكبتها روسيا على مدار سنوات فسأعود لأجد انتقادات بانتظاري بأن هذا غير كاف، وأنه كان عليّ أن أحصل على مدينة سان بطرسبورغ أيضاً". وكان ترامب بدا في الآونة الأخيرة وكأنه يقف في صف بوتين الذي نفى مراراً أي تدخل في الانتخابات الأميركية، على الرغم من إجماع وكالات الاستخبارات الأميركية على العكس.

إلى ذلك، كانت الساعات التي سبقت القمة كافية لإظهار حجم الفجوة التي تفصل بين ترامب وقادة الاتحاد الأوروبي، خصوصاً بعد أن وصف الاتحاد الأوروبي بأنه من ألدّ أعداء واشنطن، ما استدعى ردود فعل أوروبية عدة تراوحت بين محاولة ضبط التوتر، على غرار تأكيد وزيرة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني أن الولايات المتحدة تظل "صديقة" للاتحاد المكون من 28 دولة، مضيفة أن "تغير الإدارة لا يغير الصداقة بين الدول والشعوب" وبين الدعوة إلى عدم الاعتماد على الولايات المتحدة بعد الآن.

كرة في ملعب ترامب

أهدى الرئيس الروسي إحدى كرات مونديال 2018 إلى نظيره الأميركي، قائلًا إن "الكرة في ملعبك".

وأهدى بوتين الكرة إلى ترامب "تكريمًا لاستضافة الولايات المتحدة، وكندا، والمكسيك كأس العالم عام 2026".

وردًا على سؤال صحافي حول كأس العالم، قال بوتين: "سيدي الرئيس، سأعطيك الكرة، الآن هي في ملعبك".

واستقبل ترامب موقف بوتين بالضحك والشكر، وقام بالتقاط الكرة ثم إعادة تمريرها إلى زوجته ميلانيا التي كانت في صفوف حاضري المؤتمر الصحافي.

وبدوره أضاف ترامب: "هذا لطيف جدًا، نتمنى أن نقوم بعمل جيد (في مونديال 2026)، وهذه الكرة ستكون لابني بارون".

وبارون هو الابن الوحيد لترامب وميلانيا، ويبلغ من العمر 12 عامًا.

ذات صلة

الصورة
الملياردير الأميركي إيلون ماسك/بولندا/25أكتوبر2024(Getty)

اقتصاد

حقق إيلون ماسك استثمارًا غير مسبوق في التاريخ، حيث تمكن من حصد أكثر من 13 مليار دولار بعد فوز ترامب، وكان قد تبرع له بنحو 120 مليون دولار.
الصورة
ترامب يلتقي زيلينسكي في نيويورك / 27 سبتمبر 2024 (Getty)

سياسة

تبدو أوروبا اليوم متعايشة مع احتمالية عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لكنها تنظر للأمر من باب أنه "سيتعين" على القارة العجوز "أن تكون حقاً بمفردها".
الصورة
آثار قصف روسي على إدلب، 23 أغسطس 2023 (Getty)

سياسة

شنت الطائرات الحربية الروسية، بعد عصر اليوم الأربعاء، غارات جديدة على مناطق متفرقة من محافظة إدلب شمال غربيّ سورية، ما أوقع قتلى وجرحى بين المدنيين.
الصورة
قوات روسية في درعا البلد، 2021 (سام حريري/فرانس برس)

سياسة

لا حلّ للأزمة السورية بعد تسع سنوات من عمر التدخل الروسي في سورية الذي بدأ في 2015، وقد تكون نقطة الضعف الأكبر لموسكو في هذا البلد.