المعارضة السورية تستشعر "طبخة روسية ــ أميركية سامة وخطيرة"

13 يوليو 2016
799DCF96-2633-42F6-8863-7AA39D30F811
+ الخط -
يشهد الملف السوري أجواء تتعاطى معها المعارضة بتشاؤم يُختصر بتعليق قيادي في صفوفها بالقول إنها "مؤشرات إلى طبخة روسية أميركية سامة". تشاؤم يستند إلى عدد من المعطيات، من أبرزها الاستعجال الروسي لتحديد موعد جديد لجولة جنيف جديدة، والزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى موسكو، مع ما يرجح أن يتخللها اتفاق على خطة عسكرية مشتركة ضد ما تعتبره موسكو وواشنطن "إرهاباً" تحت عنوان القضاء على تنظيم جبهة النصرة (بالإضافة إلى "داعش" طبعاً)، وهو ما قد يشمل عدداً من فصائل المعارضة المسلحة بالضرورة، بما أنّ مناطق سيطرة المعارضة المسلحة و"النصرة" مشتركة في الكثير من الأماكن، خصوصاً في الشمال حيث يضم "جيش الفتح" تنظيمات من الفصائل المسلحة بالإضافة إلى جبهة النصرة. ملامح اتفاق ينص على التخلص من "النصرة" في مقابل تخفيف الضغوط الروسية عما تسميه الولايات المتحدة والغرب الأوروبي عموماً "المعارضة المعتدلة"، واستئناف العملية السياسية من حيث انتهت في إبريل/نيسان الماضي، حين رفض النظام السوري كل مقترحات التفاوض المباشر وبنود التفاهمات الدولية حول تسليم رأس النظام السلطة التنفيذية لهيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات. ومما يدور في الكواليس الأميركية ــ الروسية أيضاً، تشكيل مجلس عسكري قبل هيئة الحكم الانتقالية بشكل يكون للنظام الحصة الكبرى فيه، على وقع تطورات عسكرية لمصلحة معسكر النظام في حلب وداريا والغوطة الشرقية، لا بدّ أن تنعكس في أي اتفاق سياسي أميركي ــ روسي. اتفاق سيحكم مصير الملف السوري على حد اعتراف مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، الذي تلقّى مجموعة انتقادات روسية غير مسبوقة من قبل وزير الخارجية سيرغي لافروف على خلفية عدم تحديد المبعوث الأممي موعد منتصف الشهر الحالي لاستئناف جولة جديدة من محادثات جنيف.


ومن المرتقب أن يصل كيري، غداً إلى موسكو، التي اتهمت دي ميستورا، بـ"التنصل من التزاماته". وقال لافروف خلال زيارته إلى العاصمة الأذرية باكو: "يقلقنا أن (...) دي ميستورا، يتنصل من التزاماته ولا يدعو إلى جولة جديدة من المفاوضات السورية-السورية، ويبدأ بالإدلاء بتصريحات علنية مفادها أنه يجب أن تتفق روسيا والولايات المتحدة على كيفية العمل على التسوية السياسية في سورية، وحينئذ ستدعو الأمم المتحدة وأمانتها إلى جولة جديدة من المشاورات السورية-السورية". وأضاف لافروف: "يمكن ويجب على اللاعبين الخارجيين، وبشكل خاص روسيا والولايات المتحدة بصفتهما الرئيستين المشاركتين للمجموعة الدولية لدعم سورية، التأثير على هذه العملية وحث الأطراف على تبني مواقف بناءة. لكن الثنائي الروسي الأميركي لن يحل محل عملية المفاوضات". وتابع لافروف قائلاً: "أعتقد أن هذه إشارة مضرة جداً للمعارضة المتشددة، ما يسمى الهيئة العليا للمفاوضات التي تطالب برحيل (بشار) الأسد".

وكان دي ميستورا أعلن يوم الاثنين أن الحل السياسي للأزمة السورية يكمن في اتفاق محتمل بين الولايات المتحدة وروسيا، مشيراً إلى أن المرحلة "حاسمة" لـ"إيجاد حل يوفق بين محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، وجبهة النصرة وبين العملية السياسية الانتقالية في سورية"، في تلميح إضافي لصفقة ما تنص على التخلص من "النصرة" قبل أي اتفاق سياسي يطيح النظام، وهو ما يصب بالضرورة في مصلحة معسكر دمشق ــ طهران ــ موسكو.

ويرى نائب رئيس الائتلاف الوطني السوري، موفق نيربية، أن واشنطن فوّضت موسكو في بلورة حل سياسي في سورية انطلاقاً من حرص إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما على "عدم التورط" مرة أخرى في قضايا الشرق الأوسط بعد العراق وافغانستان، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد" أن دي مستورا "قدم في البداية أداء منسجماً إلى حد بعيد مع الرؤية الروسية، ولكن عندما ازداد التدخل الروسي في سورية وتحوّل إلى عدوان عسكري حاول أن يحافظ على الحد الادنى من وظيفته كموفد أممي يفترض به الحيادية، وأن يكون على مسافة واحدة من جميع الأطراف، وخاصة أن النظام يريد مناقشة قضايا شكلية، كي يبتعد عن القضايا الجوهرية المتعلقة بالانتقال السياسي المنصوص عنه في قرارات أممية".

في سياق متصل، أشار الناطق الرسمي باسم الهيئة العليا للمفاوضات، رياض نعسان آغا، في تصريح لـ "العربي الجديد" إلى أن دي ميستورا "علّق المفاوضات حتى توفر ظروف مؤاتية"، مضيفاً: "هذا أفضل من الدعوة إلى مفاوضات فاشلة".

حجاب في روما
بموازاة ذلك، عقد المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات، التابعة للمعارضة السورية، رياض حجاب، اجتماعاً مع وزير الخارجية الإيطالي، باولو جينتيلوني، في روما أول من أمس الاثنين، وأكد، وفق بيان صدر عن الهيئة، التزام المعارضة بـ"الحل السياسي"، مشيراً إلى أن "الوسيلة الأنجع لتخفيف معاناة الشعب السوري تكمن في التطبيق الفوري وغير المشروط للقرارات الأممية ذات الصلة، وخاصة المواد 12 و13 و14 من قرار مجلس الأمن 2254، فيما يتعلق بفك الحصار عن المدن والمناطق المحاصرة، وتمكين الوكالات الإنسانية من إيصال المساعدات لجميع من هم في حاجة إليها، والإفراج عن جميع المعتقلين، ووقف عمليات القصف الجوي والمدفعي والهجمات ضد المدنيين والأهداف المدنية"، وفق البيان.

وطالب حجاب خلال لقاء جمعه مع دي ميستورا في روما، بـ"تبني الأمم المتحدة استراتيجية جديدة للدفع بالعملية السلمية، أكثر حزماً إزاء الانتهاكات ضد الشعب السوري"، و"تبني أطروحات جديدة قبل الدعوة إلى عقد جولة رابعة من المفاوضات في جنيف، تتضمن إبداء الحزم إزاء مماطلة النظام، واستمراره في انتهاك الحقوق الأساسية للشعب السوري". كما طالب حجاب بـ"وضع جدول زمني واضح، وأجندة جادة وفق قرار أممي ملزم، وتعزيز أدوات الرقابة الأممية لوقف قصف المدنيين، واستحداث سياسات جزائية بالتزامن مع أي اختراق أو تلاعب أو إضاعة للوقت"، مجدداً مطالب المعارضة بـ"توفير البيئة الملائمة للتفاوض عبر تطبيق المواد الإنسانية من قرار مجلس الأمن 2254".

ويتوقع مراقبون أن تحاول إيطاليا تأدية دور في الملف السوري، ولكن سفير الائتلاف الوطني السوري في روما، بسام العمادي، يرى أنه غير مسموح للدور الأوروبي أن يتحرك "إلا ضمن الهامش المعطى له أميركياً".

وكانت المفاوضات بين وفدي المعارضة والنظام توقفت في إبريل/نيسان الماضي إثر تعليق المعارضة لمشاركتها احتجاجاً على مماطلة النظام في الدخول إلى جوهر التفاوض وهو تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات، واستمراره في ارتكاب المجازر بحق المدنيين، وعدم تنفيذه لقرارات دولية دعت إلى فك الحصار عن مناطق محاصرة، واطلاق سراح المعتقلين.

كيري يزور موسكو
في غضون ذلك، يقوم وزير الخارجية الأميركي غداً الخميس بزيارة إلى موسكو، حيث يُتوقع أن يكون الملف السوري محورياً في اللقاءات التي سيجريها كيري مع المسؤولين الروس. وكانت مصادر مطلعة ذكرت أن واشنطن وموسكو تناقشان العديد من السيناريوهات المطروحة للتوصل إلى حلول للقضية السورية، منها تشكيل مجلس عسكري يكون له دور حاسم في مرحلة انتقالية طال انتظار السوريين لها، وخاصة أن ما يجري في الميدان العسكري لا يوحي أن حلاً سياسياً بات في الأفق.

ولا تعوّل المعارضة السورية على زيارة كيري المرتقبة إلى موسكو في إحداث اختراق في الموقف الروسي الصلب تجاه دعمه اللامحدود للأسد ونظامه، إذ قال نعسان آغا: تمت لقاءات عديدة بين موسكو وواشنطن من دون تحقيق تقدم في الموقف الروسي". وذكرت مصادر في المعارضة السورية فضّلت عدم ذكر اسمها، أنه بات من الواضح "أن طبخة الروس والأميركيين للمنطقة سامة وخطيرة، تعتمد على رؤية حليفهم الأخطر في المنطقة وهو إسرائيل" لناحية اعتبار أن كل الفصائل الإسلامية المعارضة هي "إرهابية".

وفي السياق، تعقد الهيئة العليا للمفاوضات اجتماعات في مقرها بالعاصمة السعودية الرياض في الخامس عشر والسادس من الشهر الجاري، لمناقشة العديد من القضايا الملحة، من بينها الموقف من جولة جديدة من المفاوضات في حال الدعوة الأممية لها، ومناقشة وثيقة أعدتها الهيئة تتضمن رؤية وخارطة طريق للحل، ونتائج أعمال لجنة الحوار مع منظمات المجتمع المدني، والقوى الوطنية في الداخل، وما يعرف بمنصتي موسكو والقاهرة.
أما الائتلاف الوطني، الذي عقد مؤتمراً في إسطنبول، أمس الثلاثاء، فطالب رئيسه، أنس العبدة، بعقد مجلس الأمن الدولي والجامعة العربية اجتماعاً طارئاً لدراسة أسباب عدم تطبيق القرارات الدولية، وإدانة ما سماه "الاحتلال الإيراني الروسي للأراضي السورية". وأضاف العبدة أن "على أصدقاء سورية مغادرة ميدان المناشدات والتحرك تجاه تحمل المسؤوليات السياسية والقانونية والأخلاقية، وعدم التطبيع معه تحت أي ظروف (...) لأنه لم يعد مقبولاً من شقيق أو صديق الصمت أو الاكتفاء بالمواساة"، في معرض حديثه عن الجرائم التي ترتكب في حلب وداريا والمدن السورية الأخرى.

ذات صلة

الصورة
من مجلس العزاء بالشهيد يحيى السنوار في إدلب (العربي الجديد)

سياسة

أقيم في بلدة أطمة بريف إدلب الشمالي وفي مدينة إدلب، شمال غربي سورية، مجلسا عزاء لرئيس حركة حماس يحيى السنوار الذي استشهد الأربعاء الماضي.
الصورة
آثار قصف روسي على إدلب، 23 أغسطس 2023 (Getty)

سياسة

شنت الطائرات الحربية الروسية، بعد عصر اليوم الأربعاء، غارات جديدة على مناطق متفرقة من محافظة إدلب شمال غربيّ سورية، ما أوقع قتلى وجرحى بين المدنيين.
الصورة
غارات روسية على ريف إدلب شمال غرب سورية (منصة إكس)

سياسة

 قُتل مدني وأصيب 8 آخرون مساء اليوم الثلاثاء جراء قصف مدفعي من مناطق سيطرة قوات النظام السوري استهدف مدينة الأتارب الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة
الصورة
وفد أممي في مخيم نازحين سوريين في إدلب - سورية - 14 أكتوبر 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

زار وفد من الأمم المتحدة مدينة إدلب السورية، للاطلاع على أوضاع مواطنين سوريين وصلوا أخيراً بعد مغادرتهم لبنان وسط العدوان الإسرائيلي المتصاعد هناك.
المساهمون