"الحرس الثوري العراقي"... حلم النظام الإيراني بتصدير "ثورته"

11 يونيو 2016
ترتكب المليشيات جرائم عدة بحق المدنيين بالفلوجة(حيدر حمداني/فرانس برس)
+ الخط -
تندرج الدعوات الإيرانية لتحويل مليشيات "الحشد الشعبي" العراقية إلى حرس ثوري، على غرار التجربة الإيرانية، في خانة تنامي قوة وطموح "الحشد" العسكري والسياسي، وترسيخها كذراع إيرانية في المنطقة. فقد أكّد قائد الحرس الثوري الإيراني السابق، العميد محسن رفيق دوست، قبل أيام، استعداد بلاده لمساعدة العراق في تأسيس حرس ثوري خاص به، وأنّه يمكن للعراق "الاستفادة من تجارب إيران الجيدة في هذا المجال". ولم يغفل رفيق دوست الدور الإقليمي للحرس الثوري العراقي "المفترض"، إذ أشار إلى أن نموذج الحرس الثوري الإيراني "خاض معارك مهمة على المستوى الداخلي والخارجي، ويستطيع خدمة دول المنطقة بخبراته". ويهدف تحويل "الحشد الشعبي" إلى "حرس ثوري"، برعاية إيرانية، إلى ترجمة الدور العسكري للمليشيات على هيئة قوة سياسية في بغداد، وإعطاؤها صفة رسمية في الدولة وشرعية سياسية تضمن عدم حلّها في المستقبل لأيّ سبب كان.

لقد تزامن العرض الإيراني، مع إطلاق أحد قادة "الحشد"، زعيم مليشيا "بدر"، هادي العامري، تصريحات نارية ضد الحكومة العراقية، والتي اتهمها بالمسؤولية عن تعثُّر معارك الفلوجة، والافتقار إلى وجود خطط اقتحام، وأن العمليات عشوائية ومفككة. كما حذّر العامري رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي من فتح أي جبهة قبل دخول الفلوجة، والتي اعتبرها "معركة حاسمة". أما التطور الثالث الملفت في هذا السياق، فهو تصريح وزير الخارجية العراقي، إبراهيم الجعفري، والذي أكد فيه أن قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، يعمل مستشاراً للحكومة العراقية، وذلك لتبرير مشاركته في التخطيط مع المليشيات لمعارك الفلوجة.

وتعكس هذه التطورات مجتمعة رغبة إيران في ترسيخ حضورها في العراق، عبر تحويل مليشيات "الحشد الشعبي" إلى "مؤسسة عسكرية" معترف بها، بالتوازي مع إضعاف دور الحكومة العراقية، وتزايد طموح قادة مليشيات "الحشد" السياسية، كما في رغبة العامري الذي يفرض أجندته على العبادي. أما المؤشر الثالث والأهم، فهو عجز الحكومة العراقية عن التحكم في مسار هذه المليشيات، والتدخلات الإيرانية، إذ جاء الاعتراف بقاسم سليماني كمستشار حكومي، ليرسّخ هذا العجز.

وأثار وجود سليماني مع المليشيات على أبواب الفلوجة الكثير من الجدل، إذ يعتبر كثيرون أنّ معركة الفلوجة "إيرانية طائفية"، يُستشار فيها سليماني وتشارك فيها المليشيات القريبة من طهران، بإسناد من الحرس الثوري الإيراني. ويرى مراقبون أن عجز الحكومة العراقية عن منع سليماني من الظهور في أراضي المعارك في الأنبار ومواجهة المليشيات تُرجم بإعطاء سليماني صفة "مستشار" لدى الحكومة، ليكون وجوده مبرراً، ولو على المستوى الشكلي. ويأتي ذلك، في الوقت الذي يجتمع فيه سليماني مع العامري، لا وزير الدفاع العراقي، خالد العبيدي، شبه المغيّب عن معارك الفلوجة.

في سياق هذه التطورات، تأتي العروض الإيرانية لتحويل المليشيات إلى حرس ثوري، في استنساخ لتجربة الحرس الثوري الإيراني، لتأكيد هيمنتها السياسية على بغداد، وتثبيت شرعية السلاح التابع لها في الدولة العراقية، والأكثر خطورة، لقيام "الحرس الثوري العراقي" المفترض، بدور عسكري أوسع في المنطقة، بحسب المشككين بنوايا النظام الإيراني.

شرعية السلاح
عرض طهران يأتي مدفوعاً بتجارب المليشيات المسلحة المدعومة إيرانياً في المنطقة. فتجربة إيران في تأسيس حزب الله كقوة عسكرية في لبنان اصطدمت، بعد عقود، بعائق عدم وجود شرعية سياسية لسلاح الحزب ضمن الدولة اللبنانية، وعدم تحوّل "سلاح المقاومة" إلى "مؤسسة رسمية" على غرار الحرس الثوري الإيراني. فشرعية سلاح حزب الله ارتبطت بالمقاومة والدعم الشعبي لمعركة الحزب ضد الكيان الصهيوني. وكانت حالة الاعتراف الوحيدة بسلاح حزب الله هي استثناؤه من خطط تسليم السلاح إلى الدولة اللبنانية، في "اتفاق الطائف" عام 1989 بين فرقاء الحرب الأهلية اللبنانية. وجاء هذا الاستثناء، بتوافق سعودي – سوري، باعتبار سلاح حزب الله موجهاً ضد إسرائيل.

بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، بدا وكأن "سلاح المقاومة" قد أدّى غرضه. لكن شرعية السلاح لم تتأثر إلا بعد توجيه الاتهام إلى حزب الله باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، زعيم تيار المستقبل، رفيق الحريري. وبعد استخدام الحزب سلاحه في 7 مايو/أيار 2008، أو كما تُعرف بـ"أحداث 7 أيار"، تعالت الأصوات في لبنان مُطالبة بنزع أي سلاح خارج سلاح الدولة. هذه الحادثة جاءت نتيجة لدعوات رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، النائب اللبناني وليد جنبلاط لتفكيك شبكة الاتصالات الخاصة بحزب الله، والذي بات يُعتبر بمثابة دويْلة داخل الدولة.

وتفجّرت أزمة "شرعية سلاح حزب الله" مع تدخله في سورية، إذ بدا أن الدعم الشعبي، خارج الدوائر الطائفية للحزب، قد انتهى تماماً، وشرعية السلاح انتهت، وهي المرتبطة بمقاومة إسرائيل لا الدفاع عن نظام الرئيس السوري بشار الأسد. فأصبح وجود السلاح في يد حزب الله في لبنان، محمياً بالسلاح نفسه، وبات الحزب يقوم بدور إقليمي لخدمة إيران، ويهدد أمن المنطقة ككل.

مخاطر إقليمية
نصّ تصريح قائد الحرس الثوري المتقاعد، العميد محسن رفيق دوست، على أنّ من مبررات استنساخ تجربة الحرس الثوري الإيراني في العراق، "خوضه معارك هامة على المستوى الداخلي والخارجي". ويشير هذا التصريح، بصورة مباشرة، إلى كل التدخلات الإيرانية في المنطقة، (العراق، وسورية، ولبنان، واليمن)، وحتى زرع خلايا عسكرية أو تجسسيّة في الكويت، والبحرين، والسعودية، بحسب الاتهامات الرسمية. ولا يُخفي الإيرانيون هنا، أن للحرس الثوري أدواراً إقليمية أوسع يجب أن يقوم بها أيضاً "الحرس الثوري العراقي" المُفترض. فإيران، والتي نشطت في تجنيد المليشيات العراقية، والأفغانية، واللبنانية، والإيرانية لصالح نظام الأسد في سورية، تريد أن تمنح شرعية أوسع لمليشياتها، وتريد أن تبدأ من العراق.

ويأتي هذا في سياق تأكيدات قائد الحرس الثوري الإيراني، محمد علي جعفر، سابقاً، أن الحرس الثوري قام بتدريب 200 ألف مسلح من دول المنطقة الموالين لـ"الثورة الإسلامية والنظام الإسلامي"، بهدف "محاربة التكفيريين وتمهيداً لظهور المهدي". ويتزامن ذلك مع تأكيد قائد البحرية الإيرانية، العميد علي فدوي، منذ ثلاثة أيام، أن الحرس الثوري يقوم بتدريب مقاتلين أجانب في جزيرة فارور، باعتبارهم قوات تابعة لـ"محور المقاومة".

وبذلك، يظهر "الحرس الثوري العراقي" كحلم لـ"الثورة الإسلامية في إيران"، إذ ترغب طهران في تنظيم ذراع عسكرية جديدة لها في دول الخليج العربي، بصورة مباشرة. ولم يتردد قادة مليشيات "الحشد الشعبي"، يوماً، في تهديد دول الخليج. فقد سبق لأحد قادة مليشيا "أبو الفضل العباس"، أوس الخفاجي، وواثق البطاط من حزب الله العراقي، وزعيم مليشيا "بدر"، هادي العامري، وأحد أبرز قادة "الحشد"، أبو مهدي المهندس، أن هددوا دول الخليج، وتوعدوا السعودية، تحديداً، بتنفيذ هجمات على أراضيها.

وكانت صور رجل الدين السعودي، نمر النمر، والتي رُسمت على قاذفات صواريخ "الحشد"، حادثة رمزية أخرى، تؤكد أن لهذه المليشيات نوايا لا تخفيها في استهداف دول الخليج، إذ وضعت صور النمر، في إشارة إلى "الثأر لإعدام السعودية له"، بقصف مدينة الفلوجة العراقية.

آفاق نجاح التجربة 
حالة الانقسام الطائفية في العراق لن تسمح باستنساخ تجربة الحرس الثوري الإيراني، إلا في حالة التسليم بتقسيم العراق على أسس طائفية. فليس أمام هذه المليشيات إلا أن تبتلع الدولة وتُهيمن على بغداد، وبالتالي تؤسس لتقسيم العراق، أو تنحلّ المليشيات وتختفي، وهو الأمر الذي لا تريده طهران أبداً.

من هنا، فإن أي دور إيراني لتحويل مليشيات "الحشد الشعبي" إلى حرس ثوري يأتي لمأسسة الحكم المليشياوي في بغداد، وضمان شرعيته واستمراره، وضمان هيمنة إيران على القرار العراقي، بقوة السلاح هذه المرة، لا بولاء الأحزاب الدينية العراقية، كما هو الآن. ومن الصعب التنبؤ بنهاية تجربة مليشيات "الحشد الشعبي" العراقية، لكن المؤكد أن هيمنة هذه المليشيات على بغداد يعني استمرار الحكم الطائفي، وتحوُّله إلى حكم طائفي مليشياوي، ما ينهي أي أمل في إصلاح العملية السياسية، وإدماج العرب السنة في النظام السياسي في بغداد، وإيقاف دائرة الثأر والإقصاء الطائفي في البلاد. وتعني مأسسة تجربة مليشيات "الحشد" ضرب آخر أمل في استعادة العراق كدولة وطنية يمكن أن تضمّ، يوماً، مواطنين من أعراق وأديان ومذاهب مختلفة.

تجربة الحرس الثوري
أنشأ قائد الثورة الإيرانية، آية الله الخميني، الحرس الثوري، ليكون حارساً للثورة. وذلك باعتباره مؤسسة عسكرية عقائدية تحمل ولاءً خالصاً للثورة الإسلامية في إيران، وتقوم بأدوار محلية، تتعلق بفرض "القيم الإسلامية" على المجتمع من جهة، وتصفية خصوم النظام من جهة أخرى، بالإضافة إلى تأدية أدوار إقليمية في تصدير الثورة الإيرانية إلى دول المنطقة.

تأسس الحرس الثوري، كقوة عسكرية موازية للثورة، في وقت كان فيه الخميني مشككاً بولاء الجيش الإيراني الذي ورثه من حقبة حكم الشاه محمد رضا بهلوي. وبالتوازي مع تصفية الساحة السياسية الإيرانية من المعارضة السياسية، والمؤسسة العسكرية من الموالين للشاه، أو غير المؤمنين بالثورة الإسلامية، خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية، نمت قوة الحرس الثوري الإيراني، حتى تغوّل وأصبح اللاعب الرئيسي في إيران اليوم، بالتوازي مع سلطة المرشد الأعلى، علي خامنئي، ورجال الدين.

وأدى الحرس الثوري الإيراني أدواراً إقليمية واسعة، إذ يُتهم بتجنيد مقاتلين محليين في الكويت، والسعودية، والبحرين، قاموا بشن هجمات داخل دولهم، في الثمانينيات، ومحاولات اغتيال سياسي، تحت ما يُعرف بـ"حزب الله الحجاز". كما قام الحرس الثوري بإنشاء مجموعات مسلحة في دول عربية، مثل فيلق "بدر" في العراق، وحزب الله في لبنان. ودعم مجموعات أخرى، حديثاً، مثل جماعة "أنصار الله" الحوثية في اليمن.

وكان الدور الإقليمي الأكبر والأحدث للحرس الثوري هو دعم نظام الأسد في سورية. وقام فيلق القدس، بقيادة قاسم سليماني، والذي يتولى المهام الخارجية في الحرس الثوري، بتجنيد وتدريب مليشيات من العراق، وإيران، ولبنان، وأفغانستان، وإرسالهم للقتال إلى جانب القوات الموالية للأسد. كما أرسل الحرس الثوري جنوداً إلى العراق وسورية، يدّعي أنهم مستشارون. في الوقت الذي وصل فيه عدد هؤلاء "المستشارين" في سورية إلى ما يقارب 8 آلاف عسكري، تُعلن وكالات الأنباء الإيرانية عن مقتل بعضهم بشكل شبه يومي.

المساهمون