لا يبدو أن نتيجة التحقيق بملف سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم "داعش" ستظهر خلال فترة الحكومة الحالية، التي لم يتبق من عمرها سوى ثلاثة أشهر، إذ ما زال الملف نائماً في أدراج القضاء "العسكري" العراقي. وبعد أن أنجزت لجنة التحقيق الخاصة بسقوط الموصل مهامها، بعد أن احتاجت إلى ثمانية أشهر للاستماع إلى نحو مائة شهادة لسياسيين وقادة عسكريين، تنتظر الأوساط البرلمانية والشعبية قرار القضاء لمحاسبة المتورطين بسقوط المدينة، وكلف العراقيين عشرات الآلاف من القتلى والجرحى والمفقودين وخسائر مادية ضخمة.
وقال مسؤول رفيع المستوى في الحكومة العراقية، لـ"العربي الجديد"، إنه "تم حالياً تجميد ملف التحقيق بقضية سقوط الموصل"، مبيناً أن التحقيق يدين بشكل مباشر رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، ومدير مكتبه طارق النجم، ووزير الدفاع الأسبق سعدون الدليمي، ووكيل وزارة الداخلية السابق عدنان الأسدي، فضلاً عن قيادات عسكرية بارزة في الجيش العراقي وضباط كبار في الشرطة الاتحادية ومسؤولين محليين. وشدد المسؤول على أن "التحقيقات وإفادات الضباط ومراجعة تسجيلات هاتفية بين القيادة العسكرية في الموصل، قبيل سقوطها، وبين مكتب المالكي، تشي بوجود أشبه ما يكون بخطة، إذ كانت جميع التفاصيل عن تحركات عناصر داعش وتقدمهم تصل إلى المالكي، من دون أن يصدر أي أمر من قبله". وأضاف "على ما يبدو من سياق بعض الإفادات الواردة في التحقيق، فإن المالكي كان مع سيطرة المسلحين على بعض أحياء ساحل الموصل الأيمن، لتنفذ القوات العراقية هجوماً شاملاً بعد ذلك بساعات، ليتم استعادتها بشكل يحقق له غايات كثيرة، من بينها إسقاط شخصيات معارضة بارزة، سياسية ودينية وعشائرية، في الموصل، بالإضافة إلى تحقيق مكاسب سياسية للمالكي تدعم حملته الانتخابية التي كانت قد انطلقت للتو آنذاك، إلا أن انهيار الجيش بسرعة، وتدفق آلاف المسلحين من سورية أدى إلى فقدان الحكومة والقوات العراقية السيطرة على زمام الأمور"، وفقاً لقوله. وأكد أن الملف لن يفتح خلال المدة المتبقية من حكومة حيدر العبادي، ليس بسبب عدم اكتماله بل بسبب الأسماء التي يدينها التحقيق بالقضية.
وفي الوقت الذي يطالب فيه مجلس محافظة نينوى بتفعيل الملف والكشف عن نتيجته وترك "التسويف" والتوافقات السياسية، أشار برلمانيون إلى أن التحقيق بالحادثة "أهمل" أسماء لشخصيات وتفاصيل مهمة كانت سبباً رئيسياً بسقوط الموصل، فيما أكد قانونيون أن مسؤولية تأخر إجراءات القضاء بحق المتورطين تقع على عاتق لجان المتابعة البرلمانية. وكان البرلمان العراقي صوت، أواخر العام 2014، على تشكيل لجنة للتحقيق بأسباب سقوط نينوى، بناء على طلب مقدم من 89 نائباً، ليوصي في أغسطس/ آب 2015، بمحاكمة 70 مسؤولاً أمنياً وسياسياً، بينهم المالكي، محملاً إياهم مسؤولية هروب القوات العراقية من الموصل وسيطرة تنظيم "داعش" عليها. وتضمن تقرير اللجنة المختصة بالتحقيق شهادات لقادة عسكريين أكدت أن المالكي ومحافظ نينوى آنذاك، أثيل النجيفي، في مقدمة المتورطين بسقوط الموصل. وأكد عضو المجلس المحلي لمحافظة نينوى، حسام العبار، أن "التوافقات السياسية، والمصالح الفئوية والحزبية، أدت إلى تأخر حسم ملف سقوط الموصل، وغياب نتيجته حتى الآن". وبيّن، لـ"العربي الجديد"، أن "حكومة نينوى طالبت أكثر من مرة، خلال لقاءات مع العبادي، ورئيس البرلمان، سليم الجبوري، بالضغط على القضاء ومحاسبة المدانين". وأضاف أن "تأخر إعلان نتيجة التحقيق بالملف، يدل على وجود ضغوط سياسية كبيرة من قبل أطراف وجهات تدافع عن بعض الأسماء المهمة المتورطة بسقوط المدينة".
وكان النائب العراقي عبد الرحمن اللويزي، قد كشف، في يونيو/ حزيران الماضي، عن وجود شخصيات سياسية "أكبر من القانون" متورطة في الحادثة، مشيراً إلى أن "غياب الإرادة السياسية للمحاسبة، خصوصاً أن من في دائرة الاتهام هي شخصيات كبيرة ومن جميع المكونات والأطياف، جعل الجميع يصمت ولا ينادي بالعدالة". ورأى عضو ائتلاف دولة القانون، الذي يتزعمه المالكي، إسكندر وتوت، أن "التحقيق بقضية سقوط الموصل أهمل أسماء شخصيات سياسية وعسكرية"، مبيناً، لـ"العربي الجديد"، أن "معدي الملف أهملوا مثلاً تصريح رئيس أركان الجيش العراقي، بابكر زيباري، الذي قال بلسانه إنه أمر بانسحاب القوات العسكرية من الموصل، فضلاً عن عدم تحميل رئيس إقليم كردستان، مسعود البارزاني، التهمة الكافية بالحادثة". وأضاف "أنا لا أدافع عن المالكي، لكن تحميله كل المسؤولية أمر غير منطقي، فالخلل لم يكن منه، إنما من مستشاره العسكري، فاروق الأعرجي، الذي أخفق بتحذير المالكي من خطر الخرق الذي حدث في الموصل". وأكد أن "الملف حالياً بيد القضاء، ونحن نثق به، لكن لجنة متابعة القضية المكلفة من البرلمان العراقي تعمل بانحياز سياسي واضح".
وفي الوقت الذي يعتقد فيه برلمانيون وشخصيات سياسية، أن ملف التحقيق بيد مجلس القضاء الأعلى، وهو السلطة الإدارية العليا المختصة بشؤون القضاء العراقي، أكد مصدر قانوني من داخل المجلس أن "الملف، الذي سلمته اللجنة المختصة بالتحقيق، هو للاطلاع فقط، وذلك لأن حادثة احتلال داعش لمناطق عراقية، تتواجد فيها عناصر أمنية بأعداد كبيرة، وانسحاب الجيش من الموصل هي جريمة عسكرية". وأضاف المصدر، الذي اشترط عدم الكشف عن اسمه، أن "سقوط الموصل يمثل جريمة عسكرية، وعملية المحاكمة يجب أن تتم أمام المحاكم العسكرية العراقية"، مشيراً إلى أن "القضاء العادي لا علاقة له بهذه القضية".