- فرنسا ترفع حالة التأهب الأمني وتعقد اجتماعات لمراجعة الأشخاص المصنفين كـ"شخصيات تحمل مخاطر"، مع تخوفات من تضييق على المسلمين واستهداف القطاع التعليمي.
- الإرهاب يعود إلى صدارة المخاوف الأمنية في أوروبا، متجاوزًا الصراع الأوكراني-الروسي، مع تعزيز فرنسا للإجراءات الأمنية استعدادًا للألعاب الأولمبية والبارالمبية.
عاد تنظيم "داعش" ليقضّ مضاجع أوروبا بعد الهجوم الإرهابي الذي استهدف، مساء الجمعة الماضي، قاعة مركز "كروكوس سيتي" للحفلات الموسيقية في كراسنوغورسك، شمال غربي العاصمة الروسية موسكو، وتبناه التنظيم وراح ضحيته أكثر من 130 قتيلاً.
وبينما وصف الإعلام الفرنسي خلال الأيام الماضية هجوم روسيا الدموي بـ"باتاكلان موسكو"، في إشارة إلى تشابهه مع الهجمات الإرهابية التي ضربت العاصمة الفرنسية باريس في 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2015، ومن بينها في مسرح باتاكلان، والتي راح ضحيتها 130 قتيلاً وتبناها "داعش" أيضاً، أعلنت الحكومة الفرنسية، أول من أمس الأحد، رفع حالة التأهب في البلاد إلى أعلى مستوى، وهو إجراء ليس الأول من نوعه فيها، لكنه ينذر بحسب متابعين بعودة الأنظار الأوروبية إلى خطر الإرهاب الذي تمثلّه الجماعات الإسلامية المتطرفة، في وقت كانت فيه القارة تمنح الأولوية للخطر الروسي.
عودة تنظيم "داعش" تقلق فرنسا
وكان لافتاً، أمس الاثنين، تصدر "عودة داعش" عناوين العديد من الصحف الفرنسية، وقد أفردت له صحيفة "ليبراسيون" ملفاً واسعاً، تزامناً مع انعقاد اجتماع رسمي ضمّ قادة مختلف الأجهزة الأمنية الفرنسية، ومباشرة وزارة الداخلية بقيادة جيرار دارمانان طلب مراجعة أسماء الأشخاص داخل البلاد المصّنفين كـ"شخصيات تحمل مخاطر".
ومن المحتمل أن تقود هذه الإجراءات الجديدة إلى مزيد من التضييق على المسلمين في فرنسا، علماً أن تضييقاً عليهم من نوع آخر كان يحصل منذ أشهر بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة المتواصل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، خصوصاً في ما يرتبط بشعارات مناهضة الحرب، أو ارتداء الكوفية الفلسطينية، وما شابه.
وصف الإعلام الفرنسي خلال الأيام الماضية، هجوم روسيا الدموي بـ"باتاكلان موسكو"
وكان تنظيم "داعش" قد أعلن في اليوم ذاته الذي حصل فيه هجوم موسكو مسؤوليته عنه، وذلك على حساب تابع له على قناة "تلغرام"، وقال إن 4 من مقاتليه الذين نفّذوا الهجوم الذي يستهدف "النصارى"، "انسحبوا إلى قواعدهم بسلام"، لكن السلطات الروسية قالت إنها ألقت القبض على منفذّين، وأعلن الكرملين الذي صوّب اتهاماته باتجاه أوكرانيا، أمس، أنه لن يعلّق على تبني "داعش" لحين انتهاء التحقيقات.
وبينما لم يذكر بيان التنظيم المفترض أي فرع من "داعش" نفّذ الهجوم الدامي، إلا أن خبراء الأمن يشتبهون بأن "داعش" - خراسان، وهو فرع التنظيم في أفغانستان، يقف وراء الهجوم. وكان "داعش" قد تبنى تفجيرين في محافظة كرمان الإيرانية، في يناير/ كانون الثاني الماضي، أوقعا حوالي مائة قتيل، وفي الحالتين، الروسية والإيرانية، أوحت الولايات المتحدة بأنه كانت لديها مؤشرات مسبقة إلى أن تنظيم "داعش" – خراسان، يخطط لهجوم، كما أعلنت أنها حذّرت البلدين من هجوم وشيك.
وعلى وقع هذه التطورات، كانت فرنسا أول البلدان الأوروبية التي أعلنت رفع حالة التأهب الأمني فيها، المتمثلة بخطة "فيجيبيرات" (خطة يقظة أمنية)، إلى أعلى مستوى، وهو مستوى "الطوارئ المرتبط بهجوم". وقال رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل أتال، مساء الأحد، في منشور على "إكس"، إن "السلطات تأخذ في الاعتبار إعلان تنظيم الدولة (داعش) مسؤوليته عن هجوم موسكو، والتهديدات التي تلقي بظلالها على بلادنا"، وذلك في أعقاب اجتماع طارئ لمجلس الدفاع في الإليزيه ترأسه الرئيس إيمانويل ماكرون لبحث "هجوم موسكو وتداعياته". وخلال زيارة له إلى غويانا، أمس، اعتبر ماكرون أن روسيا "كانت ضحية هجوم إسلامي"، لافتاً إلى أن "التنظيم الذي يقف خلف هجوم روسيا، حاول أيضاً القيام بعمليات عدة داخل فرنسا أخيراً".
وعاد أتال ليشرح ذلك بقوله إن مخططَي اعتداء جرى "إحباطهما" في فرنسا منذ بداية 2024، مضيفاً في تصريح أن "التهديد الإرهابي الإسلامي فعلي، إنه قوي، ولم يتراجع أبداً". كما أوضح أتال أن الحكومة سترفع عدد جنودها ضمن وحدة "سانتينال" التي تتعامل مع التهديدات الإرهابية، لافتاً إلى أن 4 آلاف عنصر من الجيش سيكونون في حالة جهوزية للعمل مع الوحدة، بالإضافة إلى الجنود الـ3 آلاف الذين تضمهم الوحدة حالياً.
وتعيش فرنسا بالفعل حالياً المستوى الثاني من حالة التأهب الأمني (فيجيبيرات) استعداداً لانطلاق دورة الألعاب الأولمبية والبارالمبية في باريس خلال الصيف المقبل، والتي من المتوقع أن تجذب ملايين الزائرين إلى البلاد. وتتزايد المخاوف الأمنية بشكل ملحوظ في ما يتعلق بحفل افتتاح الأولمبياد الاستثنائي، والذي من المقرر أن يقام في 26 يوليو/ تموز. وخطة "فيجيبيرات" كان قد تمّ خفضها إلى المستوى الثاني في 15 يناير الماضي، بعد رفعها إلى أعلى مستوى في وقت سابق من العام الماضي، إثر الهجوم الذي نفّذه شاب شيشاني الأصل في أكتوبر الماضي، عبر قتله طعناً بالسكين أستاذاً وإصابة شخصين آخرين في مدرسة بمدينة أراس، شمال فرنسا.
حزب التجمع الوطني: الخطر الأكبر على مجتمعاتنا، سواء كانت روسيا أو فرنسا أو الولايات المتحدة، هو بكل تأكيد الأسلمة
وتحتوي خطة "فيجيبيرات" الفرنسية، أو حالة الطوارئ، على أكثر من 300 إجراء، بعضها سرّي، وتشمل 13 مجالاً، ومن بينها الصحة والأمن السيبراني وحماية المباني وأجهزة الإنذار والتعبئة، ويمكن اتخاذ إجراءاتها القصوى في "المناسبات الوطنية الكبرى"، وفقاً لوثيقة الأمانة العامة للدفاع والأمن الوطني. ومن بين إجراءاتها تعزيز قوات "سانتينل" والقيام بعمليات تفتيش.
وكانت فرنسا قد أقرّت نظام حالة الطوارئ في عام 1955، ضمن إجراءاتها في إطار حرب الجزائر، وطبّقتها أكثر من مرّة بمستواها الأعلى، حيث كانت قد اعتمدتها على سبيل المثال خلال حرب الخليج الأولى (1991)، وعقب الهجمات المتتالية التي شهدتها باريس عام 1995، ثم في 2003 و2012 (هجمات محمد مراح في جنوب فرنسا)، ثم في 2005 وفي 2015 (هجمات باريس)، وفي 2020 في أعقاب حادث الطعن في كنيسة بنيس، جنوب شرق فرنسا.
ويمكن إعلان الطوارئ على سائر الأراضي الفرنسية أو على جزء منها، وفقاً لمستوى الخطر الذي تحدده السلطات. وبموجب ذلك، يمكن للمحافظين منع حركة الأشخاص أو الآليات ضمن أطر جغرافية معينة أو خلال أوقات محددة في مرسوم خاص.
وأول من أمس، قالت رئاسة الوزراء الفرنسية إن "تبني هجوم موسكو أتى من تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان"، لافتة إلى أن "هذا التنظيم يهدّد فرنسا وهو ضالع في العديد من خطط الهجوم المحبطة أخيراً في العديد من الدول الأوروبية، من بينها ألمانيا وفرنسا"، دون تقديم توضيحات.
الصراع الأوكراني إلى المرتبة الثانية؟
وبحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية، أمس، فإن نشاط "داعش خراسان"، أصبح تحت المجهر، خصوصاً بعد إحباط هجوم على سوق للميلاد في ستراسبورغ، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، نقلاً عن مصدر في الحكومة. ورأت أن هجوم موسكو يعيد "فتح جروح" فرنسا، بعد هجمات 2015، وذبح المدرّس سامويل باتي في 2020، والمدرس الآخر دومينيك برنارد في العام الماضي، واللذين قتلا على يد "متطرفين إسلاميين" من منطقة القوقاز.
وطرحت "لوموند" تساؤلاً جانبياً حول ما إذا كانت هذه التطورات قد تنقل الاهتمام بالصراع الأوكراني – الروسي إلى المرتبة الثانية في فرنسا، خصوصاً بعد تلميح اليمين المتطرف الفرنسي المتمثل بحزب "التجمع الوطني" وزعيمته الروحية مارين لوبان بأن الخطر الأساسي المحدق بفرنسا هو الذي يتأتى من الإسلاميين. وقال المتحدث باسم هذا الحزب سيباستيان شينو، أول من أمس: "إن الخطر الأكبر على مجتمعاتنا، سواء كانت روسيا أو فرنسا أو الولايات المتحدة، هو بكل تأكيد الأسلمة".
وتخشى السلطات الفرنسية، بشكل خاص، من عودة الإرهاب لاستهداف القطاع التعليمي. وفي هذا السياق، أكدت الشرطة الفرنسية، أول من أمس، أن مؤسسات تعليمية في شمال البلاد تلقت، مساء الجمعة وصباح السبت (بالتزامن مع هجوم روسيا)، رسائل تهدد بشنّ هجمات عليها بُثت من خلال اختراق مساحات عملها الرقمية. وجاء في رسالة إلى أهالي تلاميذ إحدى المدارس في مدينة ليل، شمال فرنسا، أنه "ستنفجر 122 مؤسسة". كما هددت الرسالة بمهاجمة قناة "سي نيوز" التلفزيونية، و"تم اختراق حسابات مساحات العمل الرقمية التابعة لمؤسسات عديدة، الليلة الماضية"، في أكاديمية أميان، حيث تمّ التهديد "بأن عدداً من المؤسسات" ستستهدف. وتحدث موقع "فرانس إنفو" عن تهديدات بهجمات على مراكز تعليمية في منطقة بيكاردي، ومن بينها في إقليم سوم. وكانت الحكومة الفرنسية قد سجّلت 800 إنذار كاذب بوجود قنابل في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
وأمس، استعادت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية بعض هجمات "داعش خراسان"، مؤكدة أنه تمّ إحباط العديد من خططه تنفيذ هجمات في القارة الأوروبية أخيراً، "ما دفع أجهزة الاستخبارات الغربية للخروج بتقييم بأن هذا الفرع ربما يكون قد وصل إلى حدوده القصوى" من القدرة على العمل.
وذكّرت في هذا السياق بأنه في يوليو الماضي نسّقت ألمانيا وهولندا لتوقيف 7 أشخاص طاجيك وتركمان ومن قيرغيستان، مرتبطين بشبكة لـ"داعش خراسان"، ويشتبه في أنهم كانوا يخطّطون لتنفيذ هجمات إرهابية في ألمانيا. كما ذكّرت بتوقيف 3 أشخاص في ولاية شمال الرين – وستفاليا الألمانية، مشتبه في تحضيرهم خططاً لاستهداف كاتدرائية كولونيا، ليلة رأس السنة 2023.