وشرعت وزيرة الداخلية، تيريزا ماي، بحشد مؤيديها للوقوف في وجه المرشح الأقوى لخلافة كاميرون، عمدة لندن السابق، بوريس جونسون. وبينما يرى حلفاء رئيس الوزراء المستقيل، ديفيد كاميرون، أن الوزيرة ماي، هي المرشحة الأقوى لقيادة الحزب في المرحلة المقبلة، يجادل مؤيدو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أن جونسون، الذي تزعم حملة "الخروج" من الاتحاد، وانتصر في استفتاء الخميس الماضي، هو الأجدر بقيادة البلاد، خلال مرحلة ستشهد مفاوضات انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي.
وفي حين يرى خصوم جونسون، أن هذا الأخير "يستحق أن يُحجز له مكان في الجحيم، لأنه أوقع البلاد في كارثة الخروج من الاتحاد الأوروبي"، ولأنه "يُهندس" لـ"انقلاب يميني" في حزب المحافظين، لا يتردد وزير العدل في الحكومة الحالية، أحد قادة حملة الخروج من الاتحاد، مايكل غوف، في دعم حليفه جونسون، لزعامة حزب المحافظين، ورئاسة الحكومة التي ستتشكل في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
وحتى انعقاد المؤتمر العام لحزب المحافظين في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، ستشهد صفوف حزب المحافظين، اصطفافات جديدة على خلفية الانتصار الذي حققه مؤيدو الخروج من الاتحاد الأوروبي، بمن فيهم 5 وزراء في الحكومة الحالية، وحوالي 172 نائباً من الحزب في مجلس العموم. ويبدو جونسون منتصراً في معركة الزعامة داخل حزب المحافظين حتى قبل أن تبدأ، لأن 60 في المائة تقريباً من أعضاء الحزب صوّتوا لصالح الخروج من الاتحاد، أي أنهم صوتوا للحملة التي قادها جونسون في مواجهة معسكر "البقاء" الذي ضم كاميرون ووزير الخزانة البريطاني جورج أوزبورن، ووزيرة الداخلية تيريزا ماي. وتُرجح أوساط سياسية أن يُسارع جونسون ومعه وزير العدل مايكل غوف، ووزير العمل المُستقيل من حكومة كاميرون، إيان دنكن سميث إلى تشكيل تيار ضغط للإطاحة بحلفاء كاميرون في الحزب، وفي مقدمتهم أوزبورن وماي.
وعلى هامش الصراع الرئيسي بين حلفاء كاميرون وخصومهم في معسكر بوريس جونسون، انضم مرشحون آخرون إلى لائحة الطامحين لخلافة كاميرون، ومنهم وزيرة التعليم نيكي مورغان، التي سبق واعترفت في العام 2015 أنها تفكر في الترشح للقيادة بعد رحيل كاميرون. وهناك أيضاً وزير الدولة لشؤون العمل والمعاشات، ستيفن كراب، الذي لم يعلن بشكل علني دخوله المنافسة بعد. وإن كان وزير الدفاع الأسبق الذي نافس كاميرون على زعامة المحافظين في العام 2005، ليام فوكس، لم يؤكد بعد خوض المنافسة على زعامة المحافظين، إلا أنه لم يستبعد ذلك، وقال لمحطة "سكاي نيوز"، أمس الأحد، "أنا ذاهب للتفكير في الأمر خلال عطلة نهاية الأسبوع، ولا أستبعد ذلك".
تهاوي حكومة الظلّ
ويبدو أن نيران استفتاء، الخميس الماضي، وصلت إلى داخل البيت العمالي بسرعة غير متوقعة، إذ أقال زعيم حزب العمال البريطاني المعارض، جيريمي كوربين، أول من أمس السبت، وزير خارجيته في حكومة الظلّ، هيلاري بن وسط خلاف حول قيادته في أعقاب تصويت بريطانيا بمغادرة الاتحاد الأوروبي. وأمس الأحد، استقال 9 وزراء في حكومة الظلّ العمالية احتجاجاً على قيادة كوربين، وقرار إقالة زميلهم هيلاري بن. ورجحت صحيفة "الغارديان"، أمس الأحد، استقالة أكثر من نصف أعضاء حكومة الظل العمالية قبيل اجتماعات استثنائية للحزب، اليوم الاثنين.
وتطرح الكتلة البرلمانية لحزب العمال التي تضم 228 نائباً، اليوم تصويت الثقة على زعامة كوربين، وقد يتم التصويت سراً في اليوم التالي. وتطورت الاحتجاجات داخل الحزب بعد تقدُّم النائبتين مارغريت هودج وآن كوفي، باقتراح حجب الثقة عن زعيم الحزب بسبب سوء أدائه خلال حملات الاستفتاء، وفشله في إقناع ناخبي الحزب من العمال الذين صوت أكثر من ثلثهم 37 في المائة مع الخروج، مخالفين بذلك خط الحزب وعدم كفاءته لقيادة المرحلة المقبلة. وبعد إقصاء بن، أعربت النائبة العمالية روبرتا بلاكمان وودز، عن خيبة أملها وكتبت على موقع "تويتر"، "على حكومة الظل العمالية، أن تتحرك، الآن، لإنقاذ الحزب ومن أجل مصلحة البلاد، وإلا فلن يغفر لنا أبداً".
وذكرت محطة "بي بي سي" أن كوربين أقال هيلاري بن بعد حض الأخير أعضاء في الحزب على الاستقالة في حال رفض كوربين التنحي عن منصبه. وفي أعقاب الاستقالة، قال بن إنّ "حزب العمال يجب أن يكون قوة سياسية فعالة، ولا يمكن أن يتحقق ذلك بينما يُعلن ثلث الناس الذين دعموا العمال في انتخابات العام الماضي أنهم لن يصوتوا للحزب الآن".
وتأتي إقالة بن، بعد تقارير نشرتها صحفية "الأوبزرفر" تشير إلى أن بن كان يخطط للإطاحة بكوربين. وقالت الصحيفة "عُرف أن هيلاري بن اتصل بزملائه من أعضاء البرلمان، مطلع الأسبوع، ليبلغهم أنه سيطلب من كوربين الاستقالة، إذا كان هناك تأييد كبير للقيام بتحرك ضده، وطلب أيضاً من زملائه في حكومة الظل الانضمام إليه في تقديم استقالاتهم، إذا تجاهل كوربين هذا الطلب".
ومقابل المطالبات بإقالته أو استقالته، لا يبدو الزعيم العنيد كوربين مُكترثاً لمحاولات الإطاحة به، مؤكداً على لسان متحدث باسمه، أنّه "لا يخشى مذكرة بحجب الثقة، فهو الزعيم المنتخب ديمقراطياً. ويقول أحد حلفاء كوربين في الحزب، إنّ "من يطالب باستقالة كوربين ليس لديهم مرشح، ولم يكن لديهم برنامج، ولم يكن لديهم أنصار للفوز في انتخابات القيادة، وبدلاً من إشباع الرغبات الشخصية بزعزعة الاستقرار، يجب أن يعملوا مع قيادة حزب العمال للرد على هذا الحدث الوطني الهام الذي يحتاج إلى حزب العمال الموحد". ويبدو أن ثقة كوربين تأتي من فشل منتقديه في التوصل إلى مرشح لخلافته في حال نجحوا بالانقلاب عليه.
وإلى حين انتخاب زعيم جديد، خلال المؤتمر العام لحزب المحافظين، في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، وإلى أن يتمكن حزب العمال من حسم الخلافات الداخلية، وانتخاب زعيم جديد في المؤتمر العام للحزب في سبتمبر/ أيلول المقبل، يظل المشهد السياسي رهين تداعيات زلزال 23 يونيو/ حزيران، يوم قرّر 52 في المائة من البريطانيين إخراج المملكة من الاتحاد، وإدخالها في نفق مظلم حتى إشعار آخر.