تجددت المطالبات السياسية في الجزائر ببدء مرحلة انتقالية يقودها مجلس انتقالي أو رئيس انتقالي، لخلافة رئيس الدولة الحالي عبد القادر بن صالح، عند انتهاء ولايته الدستورية الأولى في 9 يوليو/تموز المقبل، على الرغم من بعض الانقسام الحاصل في الساحة بشأنها، والفيتو السياسي الذي يبديه الجيش لمقترح المرحلة والرئيس الانتقالي، والتي يصفها بـ"الطرح غير مضمون العواقب". وانتقل الانقسام حول مقترح "المرحلة والرئيس الانتقالي" من الشارع إلى الواجهات السياسية والكيانات المدنية، بين متمسك بهذا الخيار واعتباره المسار الوحيد للانتقال السلس للسلطة، وبين قوى باتت تميل إلى فكرة تجاوز مقترح المرحلة الانتقالية. وانتهت توافقات سياسية بين كتلة من القوى وفعاليات المجتمع المدني في الجزائر إلى التمسك بآلية المرحلة الانتقالية كممر إجباري للخروج من الأزمة السياسية في الجزائر. وتوصل اجتماع لفعاليات المجتمع المدني عُقد يوم السبت الماضي إلى صيغة مبادرة سياسية تتضمن "تنصيب شخصية وطنية أو هيئة رئاسية توافقية تشرف على مرحلة انتقالية للعودة إلى المسار الانتخابي، وذلك لمدة 6 أشهر إلى سنة على أقصى تقدير"، على أن تتولى تحضير الانتخابات الرئاسية المقبلة وتجهيز العدة القانونية، لإنشاء "هيئة مستقلة للإشراف وتنظيم والإعلان عن نتائج الانتخابات، مع ضمان آليات المراقبة". ويسبق ذلك إقالة حكومة نور الدين بدوي وتشكيل حكومة كفاءات وطنية لتصريف الأعمال.
وشارك في الاجتماع أكثر من 70 تنظيماً مدنياً، بين جمعيات ومنظمة ونقابات مهنية، دعت في السياق نفسه إلى "فتح حوار وطني شامل مع فعاليات الطبقة السياسية والمجتمع المدني والشخصيات الوطنية وناشطين من الحراك، بخصوص الوضع السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي، للبلاد، ووسائل الخروج من الأزمة يتوج بندوة وطنية". وحثت الوثيقة على ضرورة "الإسراع في الانتقال الديمقراطي السلس وفق مسار انتخابي يجسد القطيعة مع منظومتي الاستبداد والفساد، ويضمن بناء مؤسسات شرعية ذات مصداقية".
ورأى الناشط المعارض، سمير بلعربي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "المرحلة الانتقالية مطلب سياسي ومدني تبنّتها الكثير من القوى والتنظيمات، ومتضمّنة في سلسلة من المبادرات التي طرحت في الفترة الأخيرة، بينها مبادرة وزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي، ومبادرة جمعية العلماء المسلمين ومنظمة المجاهدين وتحالف المجتمع المدني والنقابات المستقلة". وأضاف أن "هذا المقترح ينسجم ومنبثق من رغبة شعبية يعبّر عنها الحراك الشعبي كل أسبوع، من خلال رفضه استمرار رئيس الدولة بن صالح في السلطة والمطالبة برحيله الفوري، ورفض القوى السياسية إقامة أي حوار سياسي معه"، مشدداً على أن "هذا المطلب لا يمكن التراجع عنه".
لكن 10 تنظيمات مدنية شاركت في اجتماع التحالف المدني، أبدت لاحقاً تحفظاً على نقطة واحدة في الوثيقة، تخص الدعوة إلى المرحلة الانتقالية. ودلّ ذلك على انتقال الانقسام حول المقترح من الشارع إلى المجتمع المدني، إذ اعترضت التنظيمات العشرة على فكرة المرحلة الانتقالية، وأبدت في السياق تفهماً لموقف الجيش المعترض على المرحلة الانتقالية طارحاً بشأنها مخاوف جدية، خصوصاً حول ما يتعلق بغموض آلية اختيار الرئيس أو المجلس الانتقالي، والتخوّف من رفض وانقسام الشارع حول الشخصيات المقترحة، مع تزايد التباين حول مجموعة من الشخصيات سبق أن طرحت كمرشحة لتولي هكذا تكليف.
واعتبر الناشط حسان بن نعمان، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "مبادرة المجتمع المدني لم تقدّم جديداً سياسياً كونها استنساخاً لغيرها، ومسألة المرحلة الانتقالية بإدارة شخصية أو هيئة رئاسية ليست جدية. وأعتقد كما كثيرين أنها ستزيد الوضع تعقيداً أكثر من أن تمثل حلاً سياسياً"، مضيفاً أنه "إذا كان الهدف فعلاً هو الخروج من الأزمة فلماذا يتوجب العبور على مرحلة انتقالية، بل يمكن في المقابل التوافق بين نفس المكونات السياسية والمدنية التي تطرح فكرة المرحلة الانتقالية على مرشح موحد في الانتخابات الرئاسية، وبما يضمن نزاهتها ووفق برنامج سياسي متفق عليه".
وبالإضافة إلى موقف التنظيمات العشرة، تبنّى تجمّع للنخب والكفاءات الجزائرية، يوم الخميس الماضي، مبادرة سياسية تصب في اتجاه مغاير، لا تأخذ في الحسبان فكرة المرحلة الانتقالية. وأبدت الوثيقة التي صاغها التجمع خلال منتدى سياسي شارك فيه قادة أحزاب سياسية بارزة كرئيس "جبهة العدالة والتنمية" عبد الله جاب الله ورئيس الحكومة السابق أحمد بن بيتور، تجاوزاً لفكرة المرحلة الانتقالية وإقالة بن صالح. واعتبرت أن بقاء الأخير في منصبه لن يكون عائقاً أمام حل سياسي يرتكز على إقالة رئيس الحكومة نور الدين بدوي.
وقبل الانقسام بين القوى المدني، برز انقسام لافت في الشارع الجزائري في الوقت الحالي بين طرحين متصادمين، طرح دعا إلى ضرورة رحيل بن صالح وبدء مرحلة انتقالية، بمبرر رفض استمرار أي من رموز نظام الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة في الحكم، وبين طرح يدفع باتجاه تغيير في الحكومة وإنشاء هيئة مستقلة للانتخابات والعودة إلى الشعب من خلال الذهاب إلى استحقاق رئاسي في فترة معقولة.
وساهم موقف الجيش الرافض تماماً للمرحلة الانتقالية، في تحوّل مواقف قوى سياسية ومدنية أبدت بعض التفهم له، إذ سبق لقائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح أن أعلن في آخر خطاب ألقاه قبل أسبوعين، أنه "يؤيد حواراً بين القوى والكيانات السياسية والمدنية والشخصيات المستقلة"، لكنه شدّد على أن "تصبّ مخرجات أي حوار سياسي خارج المرحلة الانتقالية، وأن تبقى داخل الإطار الدستوري". وفُهم من ذلك رفض الجيش للمرحلة الانتقالية.
وفسر المحلل السياسي عبد الوهاب جعيجع هذا الانقسام الحاصل حول المرحلة الانتقالية بـ"وجود ضبابية سياسية في المشهد"، قائلاً في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إن "هذا المقترح لا يُرفض لذاته بل للخوف من عدم التحكم فيه، لذلك أعتقد أن الرفض مبني على ضبابية المعلومات والتصورات، إذ ينحاز هكذا موقف إلى طروحات الجيش الرافض للمرحلة الانتقالية بمبرر الخوف من المستقبل والمسارات الغامضة، وبما تم إنجازه حتى الآن، خصوصاً ما يتعلق بتوقيف رموز النظام السابق. فيما لا تريد كتلة أخرى، تتشكل أساساً من قوى محسوبة على التيار الفرانكفوني والبربري، التمسك بالمرحلة الانتقالية، ولا تثق بتعهدات الجيش بمرافقة المسار الانتخابي وضمان نزاهته".