تحبس فرنسا أنفاسها ترقبا، مساء اليوم الاثنين، لخطاب منتظر وحاسم ويُعد والأهم، للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، منذ وصوله للإيليزيه، لتقديم اقتراحات وإجابات مفهومة وواضحة على مطالب حركة السترات الصفراء، بإلغاء كل الزيادات والضرائب على الوقود، وكذلك تعزيز القدرة الشرائية للمواطنين، أي المزيد من العدالة الاجتماعية وأيضا العدالة الضريبية، مع ما يستدعي ذلك من إشراك الأثرياء في حل الأزمة، من خلال إعادة فرض الضريبة على الدخل.
ماكرون، الذي بدأ يعترف أمام مقربيه، بارتكابه أخطاء وبأنه "فشل في التقريب بين الشعب والنُّخَب السياسية"، لا يجد مفراً من تقديم تنازلات، خصوصا مع تصميم السترات الصفراء على مواصلة حراكها حتى النهاية، حتى أثناء فترات الأعياد وما بعدها.
وقد قضى الرئيس الفرنسي فترات صمته الطويلة، وهو يرى ارتداد كلماته التي أثارت، أكثر من مرة، غضب الفرنسيين، ومنها أن "الفرنسيين متمردون"، و"رافضون للإصلاحات"، و"فليأتوا إليّ"، حين أصر المتظاهرون على الاقتراب من القصر الجمهوري، وحين أصر أحد ممثليهم على "اجتياحه" الرمزي.
وقد استبق ماكرون خطابه "المنتظر"، بمراجعة لا تخلو من دلالات لسياساته طوال ثمانية عشر شهرا، أهان فيها النقابات العمالية، صلة الوصل بين الشعب والحكومة، وتباهى بانتصاره في فرض "إصلاح المكتب الوطني لسكك الحديد" على النقابات الرافضة للإصلاح، وخاصة "سي جي تي" و"سُودْ".
وبدأ الرئيس الفرنسي يومه باستقبال الفاعلين الاجتماعيين، أي النقابات وأرباب العمل، إضافة إلى المنتَخبين، من رؤساء الجهات والمناطق، من أجل الاستماع إلى مطالبهم ومقترحاتهم، من أجل الخروج من أسوأ أزمة يتعرض لها.
ولا شك أن النقابات التي تم استبعادها في كل الإصلاحات التي فرضتها الحكومة، في ولاية ماكرون، تشعر بنوع من "الثأر"، حين ترى الرئيس يستعين بها، بعد أن ساهم إبعادُها في ظهور حركة "السترات الصفراء"، التي تتعامل باحتراس شديد تجاه الأحزاب السياسية والنقابات التقليدية.
وعلى الرغم من استقبال الرئيس الفرنسي لهذه التمثيليات القانونية، إلا أنه سيضطر، هو وحكومته، في نهاية الأمر، إلى محاورة ممثلي السترات الصفراء، التي تحرك الشارع الفرنسي، وتلتف من حولها أغلبية الفرنسيين.
وينتظر الفرنسيون، اليوم، إعلانات قوية و"مكلفة للميزانية"، بعضها، على المدى القريب، مثل رغبة وزير الاقتصاد، برونو لومير، في "التسريع في خفض الضرائب"، في أكثر بلدان العالم فرضا للضرائب، وبعضها، الآخر، آني، لا يسمح بالتأخير، ويَجب أن يُلمس في نهاية الشهر، خاصة في شهر الأعياد. سواء تعلق الأمر بزيادة جوهرية في المرتبات، أم تعزيز منح الشغل أم منح الحركة، أم منحة 1000 يورو لنهاية السنة، أو السماح للشركات بتقديم منح لا تؤدى عليها أي ضريبة لعمالها وموظفيها.
ولا يستطيع ماكرون أن يترك فرنسا في مثل هذه الوضعية، التي يتحدث فيها لومير صراحة عن خسارة البلاد لـ0,1 في المائة من معدلات النمو، أي ما يعادل 2,5 مليار يورو، وعن خسارات كبرى لحقت بالعديد من التجار.
ويعرف ماكرون أن فرنسا، اقتصاداً وشعبا وقوات أمن، لا تستطيع أن تعيش أسبوع اضطرابات آخر، تعبر فيها مصفَّحات دَرَك وهي تطارد متظاهرين، وتطلق عليهم غازات مسيلة للدموع في "أجمل جادة في العالم"، فاقتصادها وسمعتها والاستثمارات الأجنبية على المحك، إضافة إلى أن فرنسا لا تحتمل تغريدات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الساخرة والمتشفيّة.