ووصلت إلى أحياء حلب المحاصرة، ظهر اليوم الخميس، باصات النقل الداخلي الخضراء السورية، التي باتت رمزاً لدى السوريين لعمليات التهجير التي تمارسها قوات النظام السوري في حق أبناء المناطق المنتفضة، ليجتمع سكان الأحياء المحاصرة حولها حاملين حقائبهم الصغيرة التي وضعوا فيها قليلاً من أغراضهم الشخصية.
وارتفعت أعمدة الدخان الأسود فوق أحياء حلب التي تسيطر عليها المعارضة، ليس بسبب القصف الجوي والمدفعي كما جرت العادة خلال السنوات الخمس الماضية بمناطق سيطرة المعارضة بمدينة حلب، وإنما لأن كثيراً من مهجري حلب آثروا اليوم حرق بيوتهم ليحرموا مليشيات النظام التي ستقتحمها لاحقاً من نهبها.
وحملت الباصات الخضراء العائلات المكلومة، التي غادرت بيوتها المجاورة لمقابر أبنائها، بعد أن اعتاد الحلبيون دفن أبنائهم القتلى في حدائق منازلهم وحاراتهم خلال السنوات الماضية لتعذر دفنها في المقابر التي امتلأت في وقت مبكر، قبل أن تتحول إلى ساحات قتال بعد وقوع معظمها على خطوط النار في المدينة ومحيطها.
كما حملت سيارات الإسعاف ونقل الجرحى والمصابين التي أرسلتها منظمة الهلال الأحمر العشرات من الجرحى، الذي عانوا لأيام وأشهر، من الحرمان من العلاج والدواء بعد أن دمرت طائرات النظام وروسيا جميع المشافي العاملة في مناطق سيطرة المعارضة بحلب.
سارت قافلة الباصات الخضراء وسيارات الإسعاف على مهل في الشوارع التي ملأها الركام وأكوام الأنقاض المتناثرة على أطراف الشوارع التي انهارت الأبنية المطلة عليها بفعل القصف المستمر واليومي لسنوات، فاخترقت قافلة الباصات حي العامرية، ومن ثم أطراف حي صلاح الدين الذي انطلقت منه انتفاضة حلب ضد النظام السوري عام 2011 لتصل القافلة بعدها إلى حي الحمدانية، ثم منطقة ضاحية الأسد التي كانت القلعة التي صمدت أمام محاولات قوات المعارضة الكثيرة للسيطرة عليها بهدف فك الحصار عن حلب.
وصلت القافلة أخيراً عصر اليوم الخميس، إلى منطقة الراشدين غرباً، وهي إحدى ضواحي حلب، التي ما تزال تحت سيطرة قوات المعارضة، ليستقبلها المئات من النشطاء والعاملين في مجالات الإغاثة الذين توجهوا للمكان لتقديم اليسير المتوفر للمهجرين المكلومين.
وحملت الباصات الخضراء مهجري حلب على طول خمسة كيلومترات عبر مناطق سيطرة النظام السوري، ليختاروا بعد وصولهم إلى منطقة الراشدين غرب حلب، وجهتم المقبلة، بين المخيم الذي أقيم على عجل بمساعدة تركية على الجانب السوري من الحدود في شمال محافظة إدلب السورية، أو في إحدى قرى وبلدات ريفي حلب وإدلب، أو التوجه عبر الأراضي التركية إلى مناطق ريف حلب الشمالي التي تسيطر عليها المعارضة السورية.
حمل المهجَّرون قليلاً من أغراضهم وكثيراً من ذكرياتهم، وخرجوا مرغمين من حلب، خوفاً من إبادة كاملة قد يتعرضون لها أمام استمرار عجز العالم عن تعطيل آلة القتل التي شغلها النظام السوري وروسيا في أجساد السوريين، خرج الحلبيون المهجرون من أحيائهم متزودين بيقين بإمكانية العودة إليها، ولو بعد حين.