لا يُمكن أن يهناً الرئيس البرازيلي ميشال تامر، فما باشرته الشرطة الفدرالية في عام 2014، يتمدّد على وقع تصاعد التظاهرات المطالبة باستقالة تامر من الرئاسة لاتهامه بالفساد. قد يبدو قدر البرازيل الأكثر إيلاماً منذ انتهاء الحكم العسكري (1964 ـ 1985). فتعدّد الأزمات وتطوّر الأحداث الداخلية، مؤشر سلبي لبلاد كانت تطمح لتسيّد الجزء الجنوبي من العالم، أقلّه في أميركا الجنوبية، لكن الأمر أُجّل حتى إشعار آخر.
إذا كان من أحد يعمل ميدانياً في البرازيل فهو الشرطة الفدرالية، التي باتت الحاكم الفعلي في البلاد، بعد فضحها قضية شركة النفط الوطنية "بتروبراس"، وارتباط مئات السياسيين والعسكريين والاقتصاديين فيها. وهو ما أدى إلى تهاوي رئيسين "محبوبين": لولا ايناسيو دا سيلفا (الملقّب بلولا)، وديلما روسيف. وللدلالة على أن الأمور لم تتوقف عند هذا الحدّ، فإن الوضع طاول الرئيس الحالي، والـ37 في تاريخ البرازيل، لبناني الأصل ميشال تامر.
وأشار تامر إلى أن التسجيل ملفق وأنه لم يرتكب أي خطأ، رغم إقراره بأنه التقى رجل الأعمال جوزلي باتيستا رئيس شركة (جيه.بي.إس) (أكبر شركة لحوم في العالم)، في مارس/آذار الماضي، لكنه نفى أي دور له في المساعي المزعومة لمنع كونيا عن الشهادة. وذكرت صحيفة "أوغلوبو" المحلية أن "باتيستا سجّل حديث تامر عن مبلغ الإسكات المقدم إلى كونيا"، من دون الأمر الذي طلبوا من كونيا السكوت عنه. وأضافت الصحيفة أن "تامر ذكر في الحديث في معرض رده على باتيستا عن دفع مبلغ من المال إلى كونيا كي يظل صامتاً: أنت بحاجة لمعالجة هذا الأمر، أليس كذلك؟". واستمر التسجيل بين تامر وباتيستا حوالي 40 دقيقة، ناقشا خلاله مواضيع سياسية واقتصادية قبل تناول مسألة الرشوة. وسبق أن قال كونيا، الذي كان يوماً عضواً قوياً في الحزب الحاكم، إن لديه معلومات حساسة عن سياسيين كبار مرتبطين بفضيحة رشى سياسية واسعة داخل شركة "بتروبراس".
وعلى الرغم من تأكيده في مقالٍ له، يوم الأحد الماضي، في صحيفة "فوليا دي ساو باولو"، بأن "البرازيل لم تتوقف ولن تتوقف رغم الأزمة السياسية التي نعيشها اليوم، وأنا أقرّ بذلك"، إلا أن استمراره في السلطة بات على المحكّ.
مع ذلك لا يبدو الأمر متعلقا بجميع هؤلاء، خصوصاً أن الشرطة الفدرالية هي من تعمل بمفردها تقريباً، على شاكلة تأمين الأدلة والمستندات في كل تحقيق تجريه في قضية "بتروبراس" ومتفرعاتها، لدفع القضاء للتحرّك. وتتخذ المواجهة بعداً إقليمياً وعالمياً، سواء في سوق أميركا الجنوبية أو الأسواق العالمية، فقد هبط سوق الأسهم في البلاد بنسبة وصلت إلى 10 في المائة، على خلفية الاتهامات الموجّهة لتامر. وهو ما انعكس سلباً على سوق ميركوسور في أميركا الجنوبية. أما المفاجأة الأبرز، فهي أن "بتروبراس" بدأت تستعيد الثقة اقتصادياً مع تخطي عرض سنداتها، تقديرات السوق منتصف مايو/أيار الماضي، بينما في المقابل بدأت السجون تزدحم بكل من ورّطها في الفضيحة.